الكاتبة باسكال مراد
الحرب، أي حربٍ، هي ذلك الوقت المستقطع من سويَّة الحياة وعاديّتها. فعليه، لا يمكن لأي مسألة حسابية قياسه لأنه ببساطةٍ زمنٌ متوقفٌ. زمنٌ معلّقٌ بين نقطةٍ واخرى. زمنٌ خارج السياق. لا قبل ولا بعد.
في هذا التصوّر المسمّى «حرب»، تحرّر النفس جميع نزَعاتها وتنعتقُ من التزاماتِها. تصبحُ السلوكيات، والأفكار كلّها حتى افظعها سوءاً واشدّها خفاء، مباحة، وممكنة إلى حدّ النسف الشامل. وتجدُ النوايا لها متنفسّاً في نطاق الاحتمالات المفتوحة.
الحربُ ،هي هذا الشيء المتواري هناك في مكانٍ ما في داخلنا، نحن الذين عشنا بعضاً من حياتنا في ظلّه، كورمٍ مكتفٍ بذاته، ثابت، لكن مقطوع الأوصال. كفكرة عصيّة على التغيير.
يقول الروائي الايطالي "ارّي دي لوكا"، إن الحرب تُظهر اسوأ ما فينا. نقول نحن إنّها ربما، تظهرُ كلَّ ما فينا.
***
تختنقُ المدينة طويلاً ثمّ تخلقُ من دونِ إدراكٍ منّا، لا كيف ولا متى، مُتنفسّاً على شكل شارع أو مقهى أو زاوية في مقهى. فنقرّر بإرادتنا الإنتماء الى ذلك المكان ليصيرَ لنا ملجأً نركنُ اليهِ في أوقاتٍ بهيئةِ قلق.
ونتذكّرُ أنّنا أحببناها هي بذاتها تلك المدينة، لأنّ أباً تحدّى، في طفولتنا، الحرب ومتاريسها ومبدأ التقسيم واستئثار كل جماعة بأمكنتها المفصّلة على قياس التناحر، واتجّه بنا الى مكانٍ من بحر وهواء لا يقع بالضرورة في نطاقِ ما كان بديهيّاً في وقته الانتماء اليه.
ففهمنا، مذاك، أن الانتماء إلى الأمكنة مفهومٌ مدهشٌ في مرونتِه.
***
أمام معاناةٍ، لا بدّ من افتعال الانتظار. نقنع ذواتنا أن الألم الحالي ما هو إلا مرحلة تشبه في اختناقها الغوصَ في مياهٍ شديدةِ العمق. إن تُرِكنا لإحساسنا بالكآبة غرِقنا. أمّا وإن اتبعْنا قواعدَ الغوصِ بحبْسِ النفَس، أمكننا حينها الانقضاض على ضيق الهواء واستعادة الرَمَق. شرط النجاح يكمن في عمليةٍ ذهنيةٍ بسيطةٍ تقوم على "الاستباق". حيلةٌ من حِيَلِ البقاء.