(1)
النهضة الجديدة
بالنسبة إلى النهضة فإن الواقع هو الروح. الرومنطيقيون رأوا أن الواقع هو الطبيعة. الآن إذًا، وبما أن معرفتنا لا تستطيع أن تتجاوز حدود الروح والطبيعة، فإن النهضة الجديدة (دعونا نسميها هكذا) لا تملك أساسًا جديدًا للواقع. ولهذا، فإنّ أصالتها تنبثق من كونها تؤلف مزجًا للسيكولوجـيتين "النهضوية والرومنطيقية".
ليست هناك فرضية أخرى يمكن تخيلها.
هذا المزج، على أي حال، يولّد واقعًا مدهشًا: تعايش إحساسين إزاء الواقع، فكرة مزدوجة عن الواقع. ولكن ليس في مقدور المرء أن يملك سوى فكرة واحدة عن واقع واحد. لا يمكن تخيل الواقع سوى أنه واحد. والنتيجة، إذًا، هي أنه بالنسبة للنهضة الجديدة يجب أن يكون هناك مزج بين الطبيعة والروح. وعليه، يكون الواقع عبارة عن طبيعة. روح. أي أن الطبيعة سوف تدرك، بالنسبة للنهضة الجديدة، باعتبارها روحًا.
كيف يمكن للاواقعي، إذًا، أن يعبِّر عن نفسه بوصفه لا واقعيًّا؟ لكي يكون اللاواقعي لا واقعيًّا يترتب عليه أن يكون واقعيًّا. ولهذا، فاللامرئي هو واقع لا واقعي، أو لا واقع واقعي: تناقض منجز. المتعالي، إذًا، يكون ولا يكون في الوقت نفسه. إنه يوجد وراءه وليس وراء تجلّيه. هو واقعي ولا واقعي في هذا التجلي. من الجليّ أن هذا النظام ليس ماديًّا أو روحيًّا بل هو حلولية متعالية. فلنسمّه إذًا "الحلولية المتعالية". هناك مثال أبدي واحد عنه: كاثدرائية الفكر في فلسفة هيجل.
"الحلولية المتعالية" تستغرق وتتجاوز كل النظم. بالنسبة لها، المادة والروح هما واقعيتان ولا واقعيتان في الوقت نفسه، أي جوهريًّا، الله واللاالله. وهكذا يصح أن نقول إن المادة والروح موجودتان، ويصح أن نقول إنهما غير موجودتين، لأنهما موجودتان وغير موجودتين في الوقت نفسه. الحقيقة النهائية التي يمكن للمرء أن يقولها بالنسبة لأي شيء هي إنه موجود وغير موجود في آن واحد. ولذلك، فإن التناقض هو جوهر الكون: عدم إدراك الواقعي هو إدراك اللاواقعي. وهذا إثبات يزداد رسوخًا كلما مضينا أكثر. ليس خطأ أن نقول إن المادة مادية والروح روحية، ولكن الأصح أن نقول إن المادة روحية والروح مادية.
(2)
رسالة إلى محرر إنجليزي
سيدي:
إن الغاية من هذه الرسالة هي الاستفسار عمّا إذا كنت على استعداد لطبع أنطولوجـيا للشعر البرتغالي "الإحساسي". أنا على دراية تامة بمدى انشغالك بالحركات الجديدة، وهذا ما شجّعني على طرح هذا الاستفسار.
لربما يصعب عليَّ أن أشرح بالضبط، في الفسحة التي يتيحها لي الحجم الرسمي للرسالة، ما تعنيه حركة الإحساسية. ومع هذا فإني سوف أحاول أن أضع أمامك بعض الأفكار عن ماهيتها. وآمل أن أسدّ الفراغات المحتملة في شرحي السريع هذا بالمقتطفات التي أرفقها، والتي هي ترجمات لقصائد وأبيات إحساسية.
أولًا: في ما يتعلق بالأصل. سيكون من العبث القول إن الإحساسية بالشكل الذي هي عليه تأتي من الآلهة أو تطلع من أرواح مبتكريها، دون أي اعتبار للسيرورة البشرية للأسلاف الأوائل وتأثيراتهم. غير أننا نزعم أنها أصلية بالفعل بالقدر الذي عليه أي حركة ثقافية أو غير ثقافية. وهي لا تمثل، لا جوهريًّا (في كينونتها الميتافيزيقية) ولا ظاهريًّا (في تجلياتها التعبيرية) نوعًا جديدًا من نظرة كونية. ليس لدي أي تردد في قول ذلك. بما (أنني) (لن أقول مؤسسها، لأن مثل هذه الأشياء يجب ألا تقال أبدًا) (...) (على الأقل بشكل أساسي) مسؤول عنها، فإني أنسبها لنفسي، ولأتباعي غير المعصومين عن الخطأ، لكي لا نكون أكثر تواضعًا مما نكون عليه حين يتعلق الأمر باستعمالاتها الاجتماعية.
بالنسبة للأصل، إذًا، فإن تعدادنا للأصول الأولى سوف يكون بمثابة العنصر الأول في ما يتعلق بالشرح الوافي للحركة. نحن ننحدر من ثلاث حركات: الرمزية الفرنسية، والوثنية المتعالية البرتغالية، وحفنة الأشياء التافهة والمتناقضة التي تعبّر عنها المستقبلية والتكعيبية، وما شابه من تعبيرات طارئة. ولكن ينبغي القول إننا ننحدر من روح هذه الحركات وليس من مادتها. أنت تعرف ما هي الرمزية الفرنسية، ولذلك فأنت بالطبع على دراية من أنها تشكِّل في العمق أقصى تجليات النزعة الذاتية الرومانسية، غير أنها إلى جانب ذلك تشكِّل أقصى تجليات الحرية الرومانسية للتنوع. وفضلًا عن هذا، فقد كانت تمثل تحليلًا دقيقًا وسقيمًا للغاية (مركب لغايات التعبير الشعري) للأحاسيس. كانت، منذ ذلك الوقت، ولو فجة، بالمقارنة مع حركتنا. لقد غضت البصر عن العالم جريًا وراء تلك الحالات الذهنية التي كان من شأن التعبير عنها ألا يتسق مع التوازن (الاستقرار) العادي للأحاسيس.
من الرمزية الفرنسية نستمد موقفنا الأساسي القائم على إبداء أكبر قدر من الاهتمام بأحاسيسنا، ومن ثَمَّ سلوكنا اللامبالي وغير المتحمس، وغير المكترث، بأبسط الأشياء وأكثرها صلابة في الحياة في آن معًا. هذا لا يشملنا كلنا، بالرغم من أن التحليل الدقيق والفاحص للأحاسيس يشغل الحركة كلها.
وأما في ما يتعلق بالاختلافات: فإننا نرفض كليًّا، إلا في حالات استثنائية ولأغراض جمالية بحتة، الموقف الديني للرمزيين. فالله بالنسبة لنا هو مجرد كلمة يمكن استعمالها بشكل ملائم لتشير إلى ما هو غامض من دون أن تتضمن مقاصد أخلاقية أو غيرها. إنها ذات قيمة جمالية فقط. إضافة إلى هذا فإننا نشجب ونبغض عجز الرمزيين عن امتلاك النفس الطويل، وفشلهم في كتابة قصائد طويلة، و"بنيتهم" الرخيصة.
ليست لديك دراية بـ"الوثنية المتعالية" البرتغالية. وهو أمر مؤسف، لأنه رغم أنها ليست حركة قديمة، فإنها أصيلة. تصوّرْ لو أن الحركة الرومانطيقية الإنجليزية، بدلًا من أن تعود القهقرى إلى المستوى التينيسي –الروسيتي– البراونيجي، صعدت إلى الأعلى نحو "شيلي"، وعملت على بث المزيد من الروح في وثنيته الروحية أصلًا، وهكذا سوف تصل إلى مفهوم الطبيعة (وثنيّونا المتعالون هم في الأساس شعراء طبيعيون)، التي ينصهر فيها الجسد والروح ويتحولان إلى شيء يتجاوزهما. إذا قُدّر لك أن تتخيل "ويليام بليك"، وقد تقمّص روح "شيلي"، وراح يكتب انطلاقًا من ذلك، فسيكون في وسعك على الأرجح أن تدرك ما أعنيه. لقد تمخّضت هذه الحركة عن قصيدتين في وسعي أن أعتبرهما من أعظم القصائد على مرّ الزمن. هما قصيدتان قصيرتان على أي حال. الأولى، هي "أغنية النور" لجويرا جونكييرو، أعظم الشعراء البرتغاليين طرًا (كان يقود الشاحنات حين نشر "باتريا" في عام 1896، ولكن "باتريا" هي دراما غنائية ساخرة، ولا تنتمي إلى مرحلته الوثنية المتعالية). "أغنية الضوء" هي على الأرجح أعظم إنجاز شعري ميتافيزيقي منذ قصيدة "أغنية" لوردزسورث. القصيدة الأخرى، التي تتجاوز بالتأكيد قصيدة "الركوب معًا" لبراونينج بوصفها قصيدة عاطفية، والتي تنتمي إلى المستوى الميتافيزيقي نفسه لقصائد الحب والعاطفة، بالرغم من أنها أكثر وثنية من وجهة النظر الدينية، هي "مرثية" لتيخيرا دي باسكوسياس، الذي كتبها عام 1905. نحن "الإحساسيون" مدينون لهذه المدرسة الشعرية بالطريقة التي تنصهر فيها الروح والمادة وتتعاليان في شعرنا. وقد دفعنا العملية إلى الأعلى أكثر مما فعل الأولون، بالرغم من شعوري بالأسف لعجزنا حتى الآن في أن نجترح شيئًا يضاهي مستوى القصيدتين اللتين أشرت إليهما توًا.
أما بالنسبة لتأثرنا بالحركة الحديثة التي تتضمن التكعيبية والمستقبلية، فإننا مدينون للاقتراحات التي تلقيناها منهم أكثر من تأثرنا بمضمون أعمالهم، إذا شئنا أن نكون دقيقين.
لقد أضفينا طابعًا ثقافيًّا على حركتهم. تفكيك النموذج الذي يصنعونه (لأننا تأثرنا لا بأدبهم، إن كان في حوزتهم شيء يشبه الأدب أصلًا، بل بصورهم)، فقد مضينا إلى ما نعتقد أنه المجال الأكيد للتفكيك – ليس تفكيك الأشياء بل تفكيك إدراكنا لتلك الأشياء.
وبعد أن أطلعتك على منبتنا، وبشكل مختصر استعمالنا لذلك المنبت، واختلافنا عنه، فسوف أشرح الآن موقفنا المركزي من الإحساسية، بما تيسر لي من دقة.
1- الحقيقة الوحيدة في الحياة هي الإحساس. الحقيقة الوحيدة في الفن هي وعي الإحساس.
2- ليست هناك فلسفة ولا أخلاق ولا حتى جماليات في الفن، أيًّا كانت تمثلاتها في الحياة. في الفن ثمة فقط أحاسيس ووعينا بها. كائنًا ما كان الحب والفرح والألم في الحياة، فإنها في الفن مجرد أحاسيس. إنها على أرض الواقع عديمة الفائدة للفن. الله هو إحساسنا لأنفسنا (لأن الفكرة هي إحساس)، وهو يستخدم في الفن للتعبير عن أحاسيس بعينها، مثل: الوقار والغموض وما شابه ذلك. لا يمكن للفنان أن يؤمن أو لا يؤمن بالله تمامًا، مثلما لا يمكن للفنان أن يشعر بالحب والفرح والألم. إنه يعتقد أو لا يعتقد، في اللحظة التي يكتب فيها، وذلك تبعًا للفكرة التي تمنحه الوعي بأحاسيسه وتمكّنه من الإفصاح عنها بأفضل ما يكون في تلك اللحظة. وما إن ينقضي ذلك الإحساس فإن هذه الأشياء تصير، بالنسبة له كفنان، مجرد هياكل تحاول روح الأحاسيس أن تمظهرها لتلك العين الداخلية التي يكتب انطلاقًا من رؤيته للأشياء وإحساسه بها من خلالها.
3- الفن، بأكمل تعريف له، هو التعبير الموزون لوعينا بالأحاسيس، أي أنه يجب أن نعبِّر عن أحاسيسنا بطريقة تخلق معها موضوعًا يتحول بدوره إلى إحساس للآخرين. الفن ليس "الإنسان مضافًا إلى الطبيعة". كما قال "بيكون"، بل هو الإحساس مضروبًا بالوعي. لاحظ: مضروبًا.
4- المبادئ الثلاثة للفن: (1) يجب التعبير عن كل إحساس إلى أبعد مدى ممكن. أي أن التعبير عن كل إحساس يجب أن يصل إلى العمق. (2) يجب أن يُعبَّر عن الإحساس بطريقة تمكّنه من إيقاظ - مثل هالة من النور تحيط بإحساس مركزي معين - أكبر قدر ممكن من الأحاسيس الأخرى. (3) يجب أن تكون حصيلة كل ذلك على قدر كبير من الشبه بشيء منظم لأن ذلك هو شرط الحيوية.
إن أسمى هذه المبادئ الثلاثة: الإحساس، والإيحاء، والبناء. وهذا الأخير - وهو أحد أعظم المبادئ لدى الإغريق الذين اعتبر شاعرهم الأعظم القصيدة بمثابة "حيوان" - لم يلق اهتمامًا يُذكَر من لدن الحداثويين. أدت الرومانطيقية إلى زعزعة القدرة على البناء، الأمر الذي كان الكلاسيكيون الأوائل على الأقل يتمتعون به. وقد ترك شكسبير، بعجزه القاتل عن تصور الكيانات المنتظمة، تأثيرًا مريعًا في هذا المجال. (سوف تتذكر أن الغريزة الكلاسيكية لماتيو أرنولد قد ساعدته على إدراك ذلك). لا زال "ميلتون" هو المعلم العظيم للبناء في الشعر. شخصيًّا، أعترف أنني أميل أكثر وأكثر إلى وضع "ميلتون" فوق مصاف شكسبير كشاعر. ولكن عليَّ أن أعترف أيضًا، بقدر ما أملك من شأن (وأنا أحاول جاهدًا ألا أكون الشيء نفسه لثلاث دقائق متتالية لأن ذلك يلحق الضرر بالصحة الجمالية)، إنني وثنيّ ولذلك أقف إلى جانب "ميلتون" كشاعر وثني أكثر من وقوفي إلى جانب الشاعر المسيحي شكسبير. على أنّ كل هذا ليس سوى عاطفة، وآمل أن تغفر تسربه إلى هذا المقام.
أحيانًا أنظر إلى القصيدة - وكان في مقدوري أن أضيف أيضًا اللوحة والتمثال، لولا أني لا أعتبر الرسم والنحت من الفنون بل أشغالًا يدوية - كما لو كانت شخصًا، كائنًا بشريًّا حيًّا، وإنها تنتمي بالحضور الجسدي، والكيان المؤلَّف من لحم ودم، إلى عالم آخر يرميه إليه خيالنا، حيث نقرؤه في هذا العالم بوصفه لا أكثر من ظل ناقص من ذلك الواقع الجمالي المقدس في مكان آخر. آمل أن يأتي يوم، بعد الموت، أقابل فيه وجهًا لوجه البعض من أطفال هؤلاء الذين خلقتهم، وآمل أن أراهم في أجمل تقويم بطلِّتهم الندية الخالدة. لربما تتساءل في قرارة نفسك كيف أن شخصًا يقول عن نفسه إنه وثني ينسج مثل هذه الخيالات. نعم، كنت وثنيًّا قبل فقرتين من هذه الأسطر غير أنني أكفّ عن ذلك وأنا أستمرّ في الكتابة. وفي نهاية هذه الرسالة أتوقع أن أكون شيئًا آخر. إني أترجم إلى الواقع، بقدر ما أستطيع، ذلك التفكك الروحي الذي أمدحه وأشيد به. وإذا كنت أتمتع بأي قدر من التماسك فهو أقرب إلى لا تماسك اللاتماسك.
(3)
مقدمة لأنطولوجيا الشعراء الإحساسـيين
بقلم: ألفارو دي كامبوس
انبثقت الإحساسية بعد أن ترسخت الصداقة بين "فرناندو بيسوا" و"ماريو دي ساكارنيرو". ومن الصعوبة الفصل بين دور كل منهما في وضع أساس الحركة، ومن العبث القيام بذلك في كل حال. الواقع هو أنهما تشاركا في توطيد بدايات الحركة.
ولكن كل الإحساسيين الذين يستحقون الذكر هم أشخاص قائمون بحالهم، وبالطبع تفاعل جميعهم معًا.
يقترب "فرناندو بيسوا" و"ماريو دي ساكارنيرو" من الرمزيين. أما "ألفارو دي كامبوس" و"ألمادا نيجريروس"، فهما أكثر التصاقًا بأحدث أساليب الإحساس والكتابة. الآخرون يقفون في الوسط.
يعاني "فرناندو بيسوا" من الثقافة الكلاسيكية. تكمن قوته أكثر في التحليل الثقافي للإحساس والشعور الذي ارتقى به إلى حد الكمال. قال أحد القرَّاء عن مسرحيته المتقنة، "البحّار": "إنها تجعل العالم الخارجي غير واقعي تمامًا". بالفعل.. لم يَعُد ثمة ما هو أبعد في الأدب. بالمقارنة معه تبدو رقة وروعة مايترلينخ خشنة ووحشية. إنه أكثر أهمية من التكعيبيين والمستقبليين بما لا يقاس.
لم أرغب قط في أن أتعرف شخصيًّا على أي من الإحساسيين، لقناعتي أن المعرفة الأفضل هي المعرفة اللامشخصنة.
التعريف الممتاز لألفارو دي كامبوس هو ذلك الذي يقول إنه "والت ويتمان وفي داخله شاعر إغريقي". فهو يملك كل القوة الذهنية والشعورية والحسية التي كان "ويتمان" يمتلكها. غير أنه يملك السمة المعارضة تمامًا؛ قوة التركيب والبناء المنتظم للقصيدة، وهو ما لم يقدر أي شاعر على اجتراحه منذ ميلتون. قصيدة "النشيد المظفر" لألفارو دي كامبوس، المكتوبة بغياب الإيقاع والنظم الويتمانيين، تملك من البنيان والتركيب المنظمين ما تتخطى بهما "ليسيداس"، مثلًا. قصيدة "النشيد البحري"، التي لا تغطي ما لا يقل عن اثنين وعشرين صفحة من "أورفيوس"، هي مذهلة في بنيتها. لم تتمتع أي فرقة عسكرية ألمانية بمثل هذه الدقة في التنظيم، الأمر الذي يمكن اعتباره، من وجهة نظر طبوغرافية، نموذجًا عن اللامبالاة المستقبلية. ويمكن قول الشيء نفسه عن قصيدة "تحية إلى والت ويتمان" في الجزء الثالث من "أورفيوس".
الإحساسيون البرتغاليون أصيلون ويتمتعون بالأهمية لأنهم، لكونهم برتغاليين حصرًا، كوزموبوليتيون وعالميون. المزاج البرتغالي مزاج عالمي، وهنا يكمن سر تفوقه الصارخ. إن أعظم شيء في التاريخ البرتغالي، أي الكشوفات التي حصلت في تلك الفترة الطويلة والحذرة والعلمية، هو الإنجاز العالمي الأعظم في التاريخ. وقد ترك الشعب برمته بصمته في ذلك. لا يمكن للأدب البرتغالي النموذجي الأصيل أن يكون برتغاليًّا تمامًا، لأن الأدب البرتغالي النموذجي ليس برتغاليًا بالمرة. ففي المزاج الثقافي لهذا الشعب، بعد أن يوضع الضجيج جانبًا ويحذف اليومي، هناك ما هو أمريكي. ليس ثمة مِن شعب مَن يُقبِلُ بنهم على البدع مثلما يفعل هو، وليس ثمة مِن شعب ينزع الشخصي عنه بهذا القدر من البراعة. إن قوته تكمن في ضعفه. وتنهض هيبته من مزاجه غير المحلي. هذه الروح المنفلتة من حدودها هي التي تميز الشعب البرتغالي.
سبتمبر.. أكتوبر/تشرين الأول 1916
[تُنشَر هذه المقتطفات بالاتفاق مع الناشر، دار الكتب خان في القاهرة. كتاب "مدوهش أبدًا" الذي سيصدر قريبًا، يضمّ يوميات وقصائد للشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا، بترجمة نزار آغري].