من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (2 - 3)

 [مشهد من مسلسل عائد إلى حيفا] [مشهد من مسلسل عائد إلى حيفا]

من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (2 - 3)

By : Hanadi Loubani هنادي لوباني

مصيدة المواطنة الإسرائيلية

وقف منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة، مبتسمًا بجوار نفتالي بينيت بعد لحظات من تولي الأخير رئاسة الوزراء وتحقيقه أغلبية بسيطة للأحزاب الساعية للإطاحة ببنيامين نتنياهو. والمعروف أن منصور عباس هو قيادي إخواني وأحد تلاميذ عبد الله نمر درويش، مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين في أراضي الـ48 تحت مسمى الحركة الإسلامية. والمعروف أن منصور عباس هو أحد أسباب انفراط عقد القائمة العربية المشتركة في انتخابات آذار 2020 بسبب إعلان استعداده لدعم نتنياهو إذا ما استجاب لمطالب المواطنين الفلسطينيين، وهو الموقف الذي عارضته بقية الأحزاب التي أصرت على الدفع لدعم حكومة يسار وسط للإطاحة بنتنياهو لصالح زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس إلى السلطة، الذي اختار الدخول في اتفاق ائتلافي ضعيف مع نتنياهو بدلًا عن إسناد القائمة المشتركة. لم تكن هذه المرة الأولى التي دعمت فيها الأحزاب الفلسطينية في "الكنيست" حكومة إسرائيلية. في 1949، كانت قائمة الناصرة الديمقراطية، التي خاضت انتخابات "الكنيست" تحت القائمة العربية التي أقامها حزب مباي الحاكم (حزب العمل لاحقًا)، جزءًا من الائتلافات التي شكلت حكومتي دافيد بن غوريون الأولى والثانية(1). وفي الخمسينيات، شاركت ثلاثة أحزاب: القائمة الديمقراطية لعرب إسرائيل (الفرع العربي لحزب ماباي)، والتقدم والعمل، والزراعة والتنمية، في حكومتي دافيد بن غوريون الائتلافية السابعة والثامنة(2). وفي التسعينيات، تمكنت الحكومات الائتلافية برئاسة يتسحاق رابين وشمعون بيريس وإيهود باراك، التي أدارت السلطة كـ"حكومات أقلية"، من البقاء في السلطة بفضل شبكة الأمان التي وفرتها ما سميت بـ"الكتلة المانعة" لنواب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب العربي(3). يفتح هذا التاريخ الباب لمراجعة المفاهيم التي وظفتها الأحزاب الفلسطينية لمشاركتها في انتخابات "الكنيست"، والتي تتدحرج ككرة ثلج من مصطلحات حماية الأقليات، إلى وسيلة لانتزاع الحقوق، وحد المواطنة المتساوية؛ ومن التأثير من خلال البنية الإسرائيلية ذاتها، إلى تغيير توازن القوى السياسية، وحد صناعة الملوك!

طبعًا ليست لغة وخطاب المشاركة في "الكنيست" بصفاقة الأصوات المطالبة بتجنيد الفلسطينيين في صفوف الجيش الإسرائيلي. في 1950، روج توفيق طوبي، عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي في "الكنيست" للتجنيد من أجل الدفاع عن «استقلال وسيادة دولة إسرائيل»(4). وفي 2012، دعا القس جبرائيل نداف (الكاهن المعزول في كنيسة الروم الأرثوذكس)، مع الأب مسعود أبو حاطوم (راعي طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، في كفركنا)، فلسطينيي الداخل، والمسيحيين خاصة، للانضمام إلى التجنيد الإجباري والاختياري(5). والواضح أن خطاب التجنيد يتقاطع مع خطاب المشاركة في "الكنيست" في تؤسسهما على منظومة المواطنة الإسرائيلية القائمة على قانون المواطنة لعام 1952. تذكرنا لنا طاطور أن حكومة بن غوريون شملت الفلسطينيين بحق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأولى والثانية من منطلقات تتعلق بعدة محددات: (1) تخوف حكومة بن غوريون من فشل مشروع تقدمها للمرة الثانية لعضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة عام 1948؛ (2) تثبيت من هو القانوني ومن هو غير القانوني الذي يُمكن تهجيره، وتثبيت التطهير العرقي للفلسطينيين اللاجئين بإقصائهم تلقائيًّا؛ (3) تمهيد الأرضية لشرعية الأمر الواقع وفرض السيادة الإسرائيلية على المناطق التي فرض عليها الحكم العسكري وكانت خارج خارطة التقسيم(6). أقر مشروع مواطنة الفلسطينيين في حكومة بن غوريون بأغلبية ستة وزراء ضد خمسة، واستأثرت وزارة القضاء بمهمة صياغة مسودة قانون مواطنة كوني لليهود والفلسطينيين. رفض المجلس الوزاري المصغر جميع المسودات على أساس حجة بن غوريون أن «هناك حاجة لقانون تجنيسي، إنما ليس لليهود. اليهودي الذي أتى ليستوطن في هذه البلاد هو مواطن تلقائيًّا: إنه يُمنح حق المواطنة مسبقًا.. الآخرون يُمنحون الحق بأن يكونوا هنا كإحسان فقط، إنما ليس الأمر كذلك بالنسبة لليهودي. إنه مستحق. هذه الفرضية الأساسية»(7). بالتالي، سن قانونان بدلًا من قانون واحد: قانون العودة (1950) ويعطي كل يهودي الحق في الهجرة ("عالياه") إلى "إسرائيل"، ويحصل تلقائيًّا على الحق بالمواطنة؛ وقانون المواطنة (1952)، والذي صمم لإدارة مواطنة الفلسطينيين كإحسان من "الدولة"، لا كحق.

في 1952، جنس قرابة 63 ألف من أصل 160 ألف فلسطيني أقاموا داخل "إسرائيل"، إذ، وبخلاف اليهود، كان استحقاق الفلسطينيين للمواطنة مشروطًا بتقييدات قانونية عسيرة تبعًا للمادة الثالثة (إثبات سكن قانوني في البلاد، وبعض المعرفة باللغة العبرية)، فحتى حق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأولى والثانية لم يكن كافيًا لتلقي الجنسية. وكان على من حرموا من الجنسية تبعًا للمادة الثالثة أن يتقدموا بطلب حسب المادة الخامسة من القانون (المواطنة بالتجنيس)، والخاصة بتجنيس المهاجرين الأجانب غير اليهود، وعليه تم تجنيس 218 فلسطينيًّا حتى كانون الثاني 1959، وبالتزامن مع محاولات الترحيل التي استمرت طوال الخمسينيات(8). ولم تحسَم مواطنة البعض حتى نهاية الستينيات، وانتظر آخرون حتى تعديل قانون المواطنة في الثمانينيات، ليبقى مئات البدو في النقب دون جنسية حتى الآن(9). وبحسب قانون المواطنة، يمنع الفلسطينيون من العيش مع عائلتهم في الداخل، إذا ما كان أحد الزوجين من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو واحدة من الدول العربية التي يعرّفها الإسرائيليون كدولة عدو. وبأفضل الحالات الخاصة جدًّا والقليلة جدًّا، يمنح القانون إمكانية إقامة العائلة في الداخل بشروط بتصريح مؤقت ومشروط يسمح بتهجيرها في أي لحظة. حاليًّا يشمل هذا التهديد بالتهجير حوالي 150 ألف عائلة(10).

جاءت النكسة ورسخت النكبة، وفتحت الباب أمام زمن فلسطيني مهزوم أخضع الفلسطينيين لعملية التذويت (Subjectivation)، والذي يعني به ميشيل فوكو إنتاج وتشكل وتجسد الأشخاص، على المستوى الفردي والجماعي، كذوات (Subjects)، من خلال علاقات سلطوية قائمة على ممارسات الإخضاع (Subjugation)، في سياق تاريخي معين ومشروط بسلسلة من العلاقات والقواعد والقيود والأوامر والنواهي المفروضة عليهم بوساطة القانون والقضاء والأجهزة والمؤسسات؛ ويعني به أيضًا القدرة على إعادة إنتاج الذات، أو حوكمة الذات، بشكل توظف فيه لامركزية شبكات السلطة، وتفعل الصيرورة والتحولات والتكرار والاختلافات، وتسيرهم نحو الفاعلية والمقاومة(11). وبالتالي، أخضع خطاب المواطنة الفلسطينيين لعلاقات القوة التي فرضها عليهم معيار وتقييدات قانون المواطنة، والذي أتبعهم، وهم مضطرون لإتباعه، وسيّرهم ضمن حدوده المرسومة، كما سيروه في وجوه الاستدلال المتاحة لهم. وهكذا، ما بين مطرقة الهزيمة وبين سندان الاستعمار الإحلالي، وما بين أنموذج المواطن اليهودي المستحق وبين الفلسطيني الآخر بمواطنة غيرية ومشروطة، أنتج "الفلسطينيون مواطني إسرائيل"، أو "عرب إسرائيل"، أو "الإسرائيليين الفلسطينيين"، التي هي ليست مجرد مسميات لخصوصية وضعيتهم القانونية، وإنّما تُحيل إلى ذاتية غرائبية؛ هي ليست هجينة بالمفهوم الفلسفي لأنها لا تعيش الاختلاف، بل حالة صراع دائمة وتوتر مستمر بين دوائر الهوية والانتماء، وعلاقات ومعادلات وهواجس غير قابلة للهدوء، تحكمها منظومة السيادة اليهودية القائمة على التطهير العرقي، الإنكار والنفي والإحلال. فكيف يمكن لها أن تحصل على المساواة والاعتراف بحقوقها التاريخية في "الدولة اليهودية"، التي لا يمكنها تعريفًا أن تكون دولة كل الإسرائيليين، ما يضع الفلسطينيين من كل المذاهب خارج نطاق مواطنتها الفعلية وديمومتها؟ ولهذا كان خطاب بن غوريون واضحًا بمطالبته بصياغة قانون المواطنة تحت شرط الأقلية المستدامة، والمعزولة في هامش التبعية والدونية، والمسلوخة عن هويتها وتاريخها وفضائها الوطني، وكبادرة إحسان تقدمها "الدولة"، التي تمنحهم حق البقاء المؤقت والامتيازات الريعية، وهي تؤسس بتروٍ الممارسات الإدارية والتنفيذية والقرارات القضائية للحظة حل مسألتهم، وعسكريًّا لو اضطرت.

طيلة سبعة عقود، ترنحت خطابات وممارسات المواطنة بين المزاوجة والازدواجية، تزامن وتبادل فيها التموضع بين ثنائيات إسرائيلي/فلسطيني، مدني/وطني، هيمنة/مقاومة، دولة/وطن، ديني/سياسي، عنصرية/مساواة. في الخمسينيات والستينيات، برزت ظاهرة القوائم الملحقة أو قوائم الظل التي جمعت زعماء الحمائل والطوائف والأقاليم إلى الحزب الصهيوني الذي تتبعه، مباي أو مبام، وكانت العضوية في هذه القوائم خاضعة لاختيار وموافقة الحاكم العسكري، والهستدروت، وديوان رئيس الحكومة(12). أتت هذه الظاهرة نتاج السياسة الإسرائيلية في عزل الفلسطينيين، رغم حصولهم على المواطنة، في غيتوات معزولة تخضع للحكم العسكري، ورقابة أجهزة المخابرات، ونظام التصاريح، والمنع من الحق في التنظيم السياسي على أساس قطري. في هذه المرحلة، شهد الخطاب السياسي الفلسطيني تركيزًا في جانبه المدني على التمسك بالمواطنة كوسيلة للبقاء ودرء الاتهام بأنهم طابور خامس. ميدانيًّا، نضج خطاب وطني تركز على إلغاء الحكم العسكري، والتمسك بالهوية، والمقاومة الثقافية. تجسدت هذه المزاوجة بشكل واضح في الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي اعترف بحق "إسرائيل" في الوجود، عقب دعمه لقرار التقسيم التابع للأمم المتحدة، وكان أعضاؤه أول من نشر الخطاب السياسي والقانوني بشأن الحقوق والمساواة، وكانوا أيضًا أول العاملين ميدانيًّا وثقافيًّا على تنظيم المجتمع الفلسطيني، وتعزيز مقومات صموده المادي والهوياتي، ومحاربة الحكم العسكري. وسطر 1 أيار 1958 تاريخًا مهمًّا في نجاح التنظيم السياسي للفلسطينيين في الداخل، حين خرجت تظاهرة يوم العمال في الناصرة، بقيادة الحزب الشيوعي، ردًّا على احتفالات الذكرى العاشرة لإقامة "الدولة"، فتصادمت جماهير المتظاهرين مع قوات الشرطة الإسرائيلية، وتم اعتقال 350 فلسطينيًّا، ونفي العشرات منهم خارج أماكن إقامتهم.

شهدت السبعينيات خطابًا وطنيًّا أكثر زخمًا، تصاعد مع الثورة الفلسطينية المسلحة وحرب أكتوبر، تنامى على إثره الشعور الوطني والقومي العربي، وتزايدت الجرأة الجماهيرية، وتجسد بنضال وطني أكثر تنظيمًا تركز على مقاومة مصادرة ما تبقى من الأرض، وبلغ ذروته في احتجاجات يوم الأرض في آذار 1976، التي قادها الشيوعيون المصرون على التمسك بالمواطنة والمساواة والتصويت وخوض انتخابات "الكنيست"، مع حركة أبناء البلد والحركة الإسلامية، اللتان رفضتا شرعية "الدولة" الصهيونية، والتزما بمقاطعة انتخابات "الكنيست"، وتركز نشاطهما على انتخابات المجالس المحلية والعمل الميدان، وحركة الأرض، التي حاولت أن تنافس الشيوعيين في انتخابات "الكنيست" في 1965، ولكن رفضت السلطات تسجيل الحركة كحزب، وأصدر وزير الدفاع حظر نشاطات حركة الأرض ومصادرة أملاكها(13). في الثمانينيات، ظهرت مجموعات سياسية قومية ووطنية وماركسية نافست الشيوعيين على تمثيل الفلسطينيين داخل "الكنيست"، ومنها: الحركة الوطنية التقدمية التي تحالفت مع حزب الترناتيفا (البديل) اليهودي، لتشكلا معًا القائمة التقدمية للسلام التي انتخابات "الكنيست" في 1984، قبل أن تختفي ويتم دمجها مع بعض الأعضاء المنشقين عن حركة "أبناء البلد" في حزب التجمع الوطني الديمقراطي؛ وحركة ميثاق المساواة بقيادة عزمي بشارة؛ والحزب الديمقراطي العربي الذي ركز على معالجة القضايا اليومية متجاهلًا في برنامجه الطابع الصهيوني لـ"الدولة"، وخاض الحزب الانتخابات في 1988؛ والحركة الإسلامية، التي انشقت لاحقًا إلى فرعين: شمالي وجنوبي. وفي حين أعلن الفرع الجنوبي عزمه على المشاركة في الانتخابات، بقي الفرع الشمالي خارج "الكنيست"، قبل أن يتم حظره في سنة 2015(14).

بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 1987، والتي لعب فلسطينيو الـ48 دورًا مهمًّا في دعمها من خلال التظاهرات وحملات الإغاثة، حلت اتفاقية أوسلو بتأثيرها السلبي الجذري. أدى انهيار المشروع الوطني الفلسطيني إلى شعور مضاعف باليتم السياسي بين فلسطينيي الـ48. بات الحديث عن مشروع الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وكأنه، بالموازاة، يستوجب على فلسطينيي الـ48 القبول بواقع انفصالهم عن الشعب الفلسطيني، وعلى أنهم "شأن داخلي إسرائيلي"، بل إن الحديث عن الشعب الفلسطيني تحول إلى خطاب المآلات المختلفة للتجمعات الفلسطينية، وكأنه أمر واقع. وطرأ، ما سماه البعض، "الانفتاح" الإسرائيلي على فلسطينيي الـ48، الذي أخذ عمليًّا بعد أوسلو شكل زيادة في الميزانيات وإنفاق مليارات الدولارات على سلطات الحكم المحلي في البلدات الفلسطينية(15) امتدت موجة من الأسرلة في المجتمع الفلسطيني تمثلت في الرغبة في الاندماج في "إسرائيل" بناء على الاعتقاد أن الصراع انتهى في إطار حل الدولتين. والحقيقة أن إنتاج الأسرلة تم على مستوى الوعي والسلوك عبر تبلور فكر سياسي في صفوف الأحزاب الفلسطينية ربط بين المكانة المدنية في "إسرائيل" وبين حل الدولتين ـ أي الربط بين السلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل" من جهة، وبين تحقيق المساواة للمواطنين الفلسطينيين داخل "إسرائيل" من جهة أخرى، وبالتالي بتشخيص حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بانتهاء الاحتلال لأراضي الـ67، وأن "إسرائيل" كـ"دولة" غير محتلة ستكون "دولة" مساواة لجميع مواطنيها، وكأن الاحتلال عام 1967 كان السبب وراء مكانة الفلسطينيين في "إسرائيل". لم تطرح معظم الأحزاب موضوع الطابع الاستعماري اليهودي لـ"الدولة" كبنية ومضمون، وتم إقصاء الإشارة للحقوق الوطنية للفلسطينيين، وكان يمثلهم في الشارع الفلسطيني: الحزب الديمقراطي العربي بقيادة عبد الوهاب دراوشة، والحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي، مستشار الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، لشؤون الأقلية العربية، فيما اعترف التيار العربي الإسرائيلي بـ"إسرائيل" كـ"دولة يهودية"، واعتمد خطابه على المطالبة بحقوق مدنية، وانخرط ممثلوه في قوائم الأحزاب الصهيونية(16). في هذه الفترة، لعبت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية على إنشاء "حالة نزاع" بين الأحزاب في أراضي الـ48 والتي تعاملت معها على أنها قوة احتياط لدعم اليسار الإسرائيلي واستمرار مسار التفاوض معه. رفض التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية – الجناح الشمالي، وحركة أبناء البلد الرهان على "دولة" المساواة دون نزع الصفة الصهيونية عنها. وفي هذه الفترة، نظم الشيخ رائد صلاح، الذي تحول إلى الشخصية الأبرز في الحركة الإسلامية الجناح الشمالي، المهرجان السنوي «الأقصى في خطر»، إلى جانب تنظيم حملة المتطوعين والمتطوعات، أو ما باتت تعرف بالمرابطين والمرابطات في مدينة القدس والتي عملت على ترميم مبان قديمة تحيط بالمسجد الأقصى، وكثيرًا ما اشتبكت مع قوات الأمن الإسرائيلية(17).

بدأت العشرية الأولى بهبة أكتوبر التي راح ضحيتها 13 شابًّا فلسطينيًّا في المثلث والجليل خلال الاحتجاجات الشعبية التي قابلتها الشرطة الإسرائيلية بالعنف، واستخدام القناصة والرصاص الحي. تزامنت هذه الهبة مع اندلاع الانتفاضة الثانية في الضفة الغربية وغزة ردًّا على دخول آريئيل شارون إلى المسجد الأقصى بمرافقة ألف شرطي. قبل يوم واحد فقط من الهبة، دهمت السلطات الإسرائيلية خيمة الاعتصام التي أقامها أهالي المثلث تصديًا لمخطط سلب أراضيهم لإقامة أوتوستراد "عابر لإسرائيل"، واعتقلت كل القائمين عليها. وفي قرية عين ماهل، الواقعة بالقرب من مدينة الناصرة، كانت هناك صدامات مع الشرطة الإسرائيلية تصديًا لمصادرة أراضي القرية لأجل بناء حي جديد في مستوطنة "الناصرة العليا". وفي مدينة شفا عمرو في الجليل، داهمت الشرطة الإسرائيلية شباب العمل الشعبي التطوعي اللذين أعادوا بناء بيوت حي أم السحالي بعد إقدام السلطات على هدم الحي كاملًا بذريعة عدم وجود تراخيص بناء. وواجه الحراك الطلابي الفلسطيني الذي قام بمظاهرات رفع فيها الأعلام الفلسطينية داخل الجامعات الإسرائيلية محاولات قمع عدة من قبل الشرطة الإسرائيلية. وفي 2 أكتوبر، وردًّا على أحداث القمع في اليوم السابق وسقط نتيجتها أربعة شهداء، أعلنت لجنة المتابعة العليا الإضراب احتجاجًا على عنف الشرطة تجاه المتظاهرين، الذي اشتد واستعر، ما أدى إلى استشهاد خمسة شباب في يوم واحد. استمرت الاحتجاجات لليوم الثالث على التوالي، وأسفر عنف الشرطة عن سقوط شهيدين. وفي الثامن من أيلول 2000، الذي يتزامن مع حلول يوم الغفران اليهودي، خرجت بعض المجموعات اليهودية في طبرية وأماكن أخرى لمهاجمة البلدات الفلسطينية المجاورة. في الناصرة تجمهر عشرات الشبان اليهود عند تخوم "نتسيرت عيليت"، مما حدا بالعشرات من شبان الناصرة للخروج في مظاهرة مضادة، قابلتها الشرطة بعنف الأمر الذي أسفر عن استشهاد شابين.

شهدت السبعينيات خطابًا وطنيًّا أكثر زخمًا، تصاعد مع الثورة الفلسطينية المسلحة وحرب أكتوبر، تنامى على إثره الشعور الوطني والقومي العربي، وتزايدت الجرأة الجماهيرية، وتجسد بنضال وطني أكثر تنظيمًا تركز على مقاومة مصادرة ما تبقى من الأرض، وبلغ ذروته في احتجاجات يوم الأرض في آذار 1976

شكّلت هبة أكتوبر مرحلة مفصلية في حياة الفلسطينيين في الـ48، ولحظة انفجار لا يمكن تجاهل تأثيرها، وبالذات على جيل الشباب ونوعية علاقتهم مع "الدولة" التي تعرت فاشيتها بتعاملها القمعي معهم، ورأيهم السياسي في المواطنة الإسرائيلية والأحزاب الفلسطينية من مروجي التعايش والمساواة والتي حددت برنامجها ومبتغاها بالمحاججة في القضايا المدنية. تعمقت الفجوة بين الشباب وبين "الدولة" ومؤسساتها من جهة، ومع الأحزاب البرلمانية من جهة أخرى، وأدى هذا إلى إعادة تشكيل وعيهم، وفهمهم لهويتهم، وربطهم لخصوصية وضعيتهم بالطابع اليهودي لـ"الدولة"، والطابع الاستعماري الإحلالي للحركة الصهيونية، وتكشف لهم زيف المواطنة. ولعل الدليل الأكبر على غضب الجماهير، وتأثير هبة أكتوبر كان ارتفاع نسبة المقاطعة لانتخابات "الكنيست" التي تلت هبة أكتوبر، من 25٪ سنة 1999 إلى 48٪ وإلى 44٪، وإلى 47٪ في انتخابات السنوات 2003، 2006، 2009 على التوالي(18). وجاءت الانتفاضة الثانية بيومياتها وتفاصيل أحداثها لترفع مستوى شعور الانتماء الفلسطيني، وتصقل الهوية الوطنية لجيل كامل بمعالمه وخصوصياته وتجربته، وتصعد معالم نضاله الوطني في مواضيع متعددة: ضد التجنيد والخدمة المدنية، مصادرة الأراضي لصالح الاستيطان بالداخل، هدم المنازل في المثلث وحصار الفلسطينيين في كانتونات داخل المدن المختلطة تحت ذريعة "التخطيط" و"الخرائط الهيكلية" لإقامة مشاريع البنى التحتية من مشروع سكة الحديد، وخط الكهرباء والمياه القطري، وشارع "عابر إسرائيل"، وخط الغاز، ومسائل الحكم المحلي وتقليص الحق في التعليم والعمل والمسكن وإقصاء اللغة العربية، والتصدي لمخطط "برافر" في النقب، والإضرابات عن الطعام تضامنًا مع الأسرى، والفعاليات ضد العدوان المتكرر على غزة، مبادرات ضد التطبيع، والتلاحم مع هبات أبواب القدس، والرباط في المسجد الأقصى، وفعاليات الرفض لصفقة القرن، ومظاهرات الغضب التي انطلقت من أم الفحم وامتدت لكافة بلدات الداخل الفلسطيني ضد العنف والجريمة وتواطؤ الشرطة مع عصابات الإجرام، والمسيرات الاحتجاجية في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا ضد مليشيات المستوطنين، من عصابات "تدفيع الثمن" و"أحفاد كهانا"، التي كانت تنفذ اعتداءاتها على الفلسطينيين بحماية من قوات الشرطة الإسرائيلية. ولا ننسى أن الحراك الشبابي في الـ48 شكل الركيزة الأساس في إسناد أهالي الشيخ جراح سواء بالتضامن والمبيت معهم بالبيوت المهددة بالإخلاء لصالح المستوطنين، أو تنظيم الاحتجاجات والفعاليات المساندة للقدس والأقصى.

تمكن فكر جيل ما بعد أكتوبر، والمتمثل في ربط خصوصية مكانة الفلسطينيين القانونية والسياسية مع الطابع اليهودي لـ"الدولة" والطابع الاستعماري الإحلالي للحركة الصهيونية، من إعادة تشكيل الوعي وطرح أسئلة راديكالية: «هل هذه الخصوصية (بكل مستوياتها) للفلسطينيين بالداخل هي خصوصية يتمتع بها فلسطينيو الداخل أم هي خصوصية فرضت على الفلسطينيين بالداخل بقوة الاحتلال والقمع لسلخهم عن شعبهم؟ هل عوامل هذه الخصوصية (المشاركة في البرلمان الإسرائيلي، الحصول على ميزانيات حكومية، التقدم في المجالات الأكاديمية.. إلخ..) هي خصوصية تم "إنجازها" و"تحصيلها" رغم القمع الإسرائيلي ويجب الحفاظ عليها كمنجزات، أم أنها تجليات الحالة الكارثية التي أنتجتها النكبة والاستعمار والقمع والجريمة، وبالتالي يجب العودة منها إلى مربع الوحدة الوطنية؟ هل يجب توسيع المساحة الخاصة من خلال توسيع اندماجهم "وازدهارهم" بالمواطنة الإسرائيلية، أم يجب تقليص المساحة الخاصة لصالح ممارسة حياتنا مع شعبنا ومجتمعنا الذي بترنا منه؟.. هل نسعى إلى مستقبل سياسي واحد لكل الشعب الفلسطيني أم لا؟ هل مستقبل فلسطينيي الداخل السياسي (السياسي يعني الإدارة والميزانيات وجهاز التعليم وجهاز الصحة والمواصلات وقوانين الزواج والرفاه الاجتماعي) مشترك مع شعبنا الفلسطيني أم مع الإسرائيليين؟»(19).

غير هذا الفكر الخطاب السياسي للفلسطينيين بدرجات متفاوتة في صفوف التيارات السياسية والنخب السياسية. وأتت العشرية الثانية بتعثر الثورات العربية، وما كانت تحمل من أمل لنهضة الأمة، وما آلت إليه من حروب وصراعات داخلية وتهميش للقضية الفلسطينية، لتفاقم التقاطب الاجتماعي والصراعات المتعددة داخل المجتمع الفلسطيني بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، وبين التيار الشيوعي والتيار القومي، والذي غذى توتر الأجواء في العديد من الفعاليات المشتركة، وفي انتخابات الحركة الطلابية، وانتخابات السلطات المحلية المشهودة بالتوتر والعنف أحيانًا، وباستقطاب حمائلي وعائلي كبير. ومع ملاحقة التجمع الوطني الديمقراطي، وحظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، تكيفت قيادات بعض الأحزاب مع المعادلة الإسرائيلية في تصنيف "المتطرف" و"المعتدل"، واعتقدت أنه بتخليها عن خطاب التحدي لمشروع يهودية "الدولة" وخفض السقف السياسي بالقضية الفلسطينية، يمكن الحصول على الحقوق المدنية. لما انطلقت القائمة المشتركة عام 2015، وانضوت تحت مظلتها كافة الأحزاب والقوى التي تشارك بـ"الكنيست"، ارتفع سقف التوقعات لتبني مشروع سياسي وطني موحد قائم على تنظيم وإعادة بناء الجماهير والمؤسسات والجمعيات الفلسطينية، وانتخابات لجنة المتابعة كبوصلة العمل السياسي، وتوظيف المطالب المدنية كساحة نضال أخرى تضاف إلى مختلف ميادين النضال الجماهيري والشعبي وتحدياته الوطنية الاستراتيجية الكبرى في ظل صعود نتنياهو والشعبوية واليمين المتطرف، وقانون القومية، والتعديلات البرلمانية على بنود "قانون أساس: الكنيست"، الذي منع ترشح من ينفي وجود "دولة إسرائيل" كـ"دولة" الشعب اليهودي، أو يدعم الكفاح المسلح، أو يمكث في أرض عدو في السنوات السبع السابقة للترشح، وعلى القانون الإسرائيلي الجديد، الذي سن في 2016 تحت حجة "مكافحة الإرهاب" ويعرف «النشاطات السياسية وحتى الإنسانية والثقافية للفلسطينيين داخل "إسرائيل"، على أنها عمل إرهابي لمجرد أنها تناهض الاحتلال وتساند ضحاياه»(20).

نجحت القائمة المشتركة بـ15 مقعدًا في "الكنيست"، لكن لم يتحقق شيء. أثبتت تجربة المشتركة أن الهدف من تشكيلها في حينه كان مراوغة تكتيكية لعبور رفع "الكنيست" لنسبة الحسم إلى 3.25٪ وطبقت للمرة الأولى في انتخابات "الكنيست" العشرين، كما الالتفاف على حالة الانكماش التي شهدتها الأحزاب بسبب تراجع دورها السياسي الوطني، بل اختفائه من أجندتها، وانفصامها عن الجماهير الفلسطينية. وأثبت أداء نوابها في "الكنيست" أنه لما لم ينجح هدفهم المشترك في إسقاط نتنياهو، صار بعض نوابها يغازل معسكر المركز واليسار، وآخر يتقرب من نتنياهو. والحقيقة أن أكثر من 97٪ من اقتراحات القوانين التي قدمها نواب المشتركة في الدورات الأخيرة لـ"الكنيست" تركزت في موضوع تحسين حياة الفلسطينيين في "إسرائيل"(21). 3٪ من اقتراحات القوانين التي قدمها نواب المشتركة في "الكنيست" فقط كانت تتعلق بالمواضيع الوطنية(22)، هذا حتى بعد صفقة القرن، التي تضمنت مقترحات لنقل عشر قرى إلى مناطق السلطة الفلسطينية وتجريد 250 ألف فلسطيني من هويتهم الإسرائيلية، وبعد قانون القومية، والذي يفتح المجال أمام تعديل إضافي لقانون الانتخابات يلزم كل حزب أو تنظيم سياسي، ولو على مستوى الانتخابات للمجالس والبلديات، التصريح رسميًّا بقبول "تعريف الدولة" باعتبارها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وما عدا ذلك، فإنه سيكون بمقدور المحكمة، أيضًا، منع هذا الحزب من المشاركة في الانتخابات، من دون أن يكون بمقدور المحكمة العليا نقض قرار الشطب والإقصاء. وهكذا، تحولت أرضية "الكنيست" إلى مطية للنضالات المنبرية والنجومية الفردية المتمثلة في البروز والزعيق، وشخصنة العمل السياسي بالقرارات الانفرادية. وتم اختزال الخطاب في الحقوق المدنية والحلول الموضعية في موازنات وتحويل أموال إلى السلطات المحلية مقابل التنازل عن الحقوق الوطنية، وبهذا عادت المشتركة بخطابها وأجندتها إلى الوراء، إلى أيام الحكم العسكري، إذ بات الاختلاف بين نوابها يدور حول مع أي يمين إسرائيلي تتحاور، وأي معسكر صهيوني تدعم.

اليوم، أثبت منصور عباس فشل تجربة "الكنيست" المؤسسة على منظومة المواطنة لما قايض التوصية على رئيس حكومة إسرائيلية بالتفاوض على القضايا المدنية وموازنات فتات، دون أي ضوابط وطنية أو أخلاقية. وتأكد عقم التركيز على المطالب المدنية والحلول الموضعية دون تفكيك وتقويض بنيوية الخصوصية لفلسطيني الـ48 المرتبطة برواية وحقوق تاريخية تتناقض مع المنظومة الصهيونية وقومية "الدولة اليهودية" جذريًّا ووجوديًّا، وليس شكليًّا أو ظاهريًّا. فمنصور عباس لم يأت بجديد، إنه يعتاش على أخطاء المشتركة ذاتها وكل من سبقها، شعبويتهم، مصطلحاتهم العامة والفضفاضة، وأوهام التأثير من خلال البنية الإسرائيلية ذاتها، ويمضي بها إلى منتهاها في تحويل الحقوق المدنية إلى قضايا حاسمة، واختزالها بمواضيع الجريمة، ونقص المساكن، والتعليم والبطالة كتنظير لمقاربة منقطعة عن السياق البنيوي والشمولي والتاريخي لنشوء قضية الأقلية الوطنية الفلسطينية، وتحويل الشراكة من آلية للتغير إلى غاية التغير المرتجى، ما يفترض التوجه الى الصراع بصورة منفتحة على قانون القومية وحق اليهود الحصري في تقرير المصير على أرض كل فلسطين وعلى حساب الكل الفلسطيني. اليوم، بات واضحًا أنه بدون الاحتفاظ بالطبيعة الدلالية لمدلول المقاومة والوطنية والسياسة، صار خطاب المشاركة والمواطنة يطرح نفسه على أنه البديل دون وعي بأنه منتوج الاستعمار الصهيوني لفلسطين، وآلية من آليات منظومته السلطوية التي تمارس هيمنتها بأدوات العملية الديمقراطية والليبرالية ـ أي أنه خطاب معكوس (reverse discourse) بحسب توصيف ميشيل فوكو. والواضح أيضًا أن منظومة المواطنة مصيدة: أداة هامة لصمود فلسطينيي الـ48 وسمحت لهم بالبقاء في وطنهم، وفي نفس الوقت قيدت نضالهم إلى حد بعيد. تعدهم بالمساواة، في حين تفرض الهيمنة والخضوع، والاحتواء المؤقت المشروط بالأسرلة. والسؤال هو: هل خيار المقاطعة هو خطوة على الطريق الصحيح لتوسيع الخيال والتفكير والبحث عن البدائل في رهان على نخب جديدة تستطيع استبدال القوى التقليدية الرسمية، والعودة لإعادة بناء المشروع الوطني، والخروج عن بوتقة الأسرلة والتطبيع والتمرد على سياساتهم؟ 

في عود أبدي

في نهر الواقع الفلسطيني جرت مياه أوسلو الآسنة التي أصابت الشعب الفلسطيني بالدوار والشلل والغماء. وكلما أفقنا على أحداث مفصلية، كهبة أكتوبر، أو العدوان المتكرر على غزة، أو إضرابات الأسرى، أو هبات أبواب القدس، أو العمليات الفدائية في الطعن والدهس، أو المقاومة الشعبية لمخطط برافر، أو قانون القومية، أو الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة موحدة وأبدية لـ"إسرائيل"، أو صفقة القرن، أو الهرولة نحو التطبيع انتابتنا الدهشة، التي هي في ذاتها بداية الفلسفة إذ تحرض على الاستنفار والسؤال، المقدمة الأولى للتطهر من المياه الآسنة، والخروج من مجراها، والتطيب من حالة الشلل والغماء المنقضي. وما كنا نلقي السؤال عن حدث نفهم خباياه وحجمه الحقيقي، ونحاول أن نرقى به من الآنية إلى التوحد حول مشروع تحرري تقدمي مدروس، حتى كنا نتلقى الصدمة تلو الصدمة من اجترار الاختيارات المتعددة في الإجابة كما في الامتحانات المدرسية التي لا تجدي ولا تمثل مخرجًا أو حلًا: (أ) الوحدة الوطنية، التي تراكمت جهودها إلى عبثية المصالحة بين رام الله وغزة، وتحولت إلى صراع محاصصة لا تخدم أي مصلحة وطنية؛ (ب) إعادة بناء منظمة التحرير، التي بدأت ثائرة متمردة، وتم ترويضها بإصلاحات إدارية وأمنية حسب شروط اتفاقيات أوسلو على يد البيروسترويكا الفلسطينية، وتم استبدالها بالسلطة الفلسطينية، التي يتم استبدالها حاليًّا وتدريجيًّا بدولة فلسطين، ويخضع حكم المؤسسات الثلاث لرئاسة الشخص ذاته، محمود عباس الذي يقوم، بغية المحافظة على السلطة والمزايا لدى حاشيته، بخطوات يتفادى فيها الانتخابات، وإصلاح المنظمة، وإعادة هيكلة مؤسساتها بشكل جذري، والتراجع عن أجندتها السياسية في حل الدولتين، وتمكين الشعب الفلسطيني في الداخل وداخل الداخل والشتات، وانضمام فصائل المقاومة الإسلامية؛ (ج) النضالات الديبلوماسية التي باتت تختزل بمبادرات دولية للاعتراف بدولة فلسطين، أو استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يحدد مهلة لإنهاء الحكم العسكري الإسرائيلي، وهو ما سيصطدم بالفيتو الأميركي لا محالة، أو الانضمام إلى صكوك دولية جديدة والمحكمة الجنائية الدولية، وكلها كلام فارغ لأن الالتزام باتفاقيات أوسلو قيد من استغلال الأدوات القانونية المتاحة أصلًا، وهدر سنوات ثمينة في وهم المفاوضات، وقداسة التنسيق الأمني، وتغطية سياسات الكيان. وفي كل فيقة، كنا نقع في نفس الفخ، ونعود ونغفو وكأن كل منا شخصية خارجة من قصة أنطون تشيخوف علامة التعجب عن الموظف الحكومي المصاب بجنون الارتياب، والذي يدرك عندما بلغ عمره أربعين سنة أنه لم يستخدم علامة التعجب قط!

على مدار ثلاثة عقود، حولتنا أوسلو إلى مجتمع الدهشة، لم نعد في خضمها ندرك معطيات ما على الأرض من حالة هستيرية قائمة في أحزاب ونزعات يمينية متطرفة، ومستوطنين منتشرين بالسلاح وثقافة الكراهية بالشوارع، وجنون سياسات أمر الواقع في التهجير، والهدم، والمصادرة، والضم، والاستيطان والتهويد والعدوان، ولا نشعر بما يختمر في باطن الأرض من مقاومة مسلحة كانت أيضًا تتدفق عبر ثغرات الجدار والفصل والعزل والقمع والمراقبة عبر عمليات الدهس والطعن والهبات المتعددة. أرست أوسلو بنية إبستمية رسخت قطيعة وبراءة ذمة وانسلاخ عن المشروع التحرري، وأسرتنا في منظومة مفاهيمية بنيتها التحتية هزيمة مطلقة، لا تتيح التبصر إلا في الركام والحطام، ولا تستطعم إلا مرارة الانكسار. نسوق الهزيمة تلو الهزيمة، كسعيد (س) وهو يسوق سيارته من رام الله إلى حيفا، من الـ1967 إلى الـ1948، مكانيًّا وزمانيًّا، من النكسة التي ولدت "إسرائيل" ككيان سياسي في سنة 1967، إذ لم يكن قرار الأمم المتحدة 242 والقرار 338 إلا اعترافًا ضمنيًّا بـ"إسرائيل" داخل حدود الـ1948، وقوننتها كحقيقة، ورسخت هزيمة النكبة.

[لقراءة الجزء الثالث من المقالة اضغط/ي هنا]

الهوامش

(1): همت زعبي. «الفلسطينيون في إسرائيل». مؤسسة الدراسات الفلسطينية (2020).

(2): المصدر السابق.

(3): المصدر السابق.

(4): رائف زريق. «الذات، والإخضاع، والذاتية والخضوع». مجلة الدراسات الفلسطينية، 120، (خريف، 2019).

(5): ابتسام عازم. «فلسطينيون في جيش الاحتلال الإسرائيلي». موقع جدلية.

(6): لنا طاطور. «صناعة المواطنة الإسرائيلية: أداة للسيادة اليهودية والتطهير العرقي». ترجمة: مجد كيال. البديل العراقي.

(7): المصدر السابق.

(8): المصدر السابق.

(9): المصدر السابق.

(10): مجد كيال. «فلسطين: النكبة مستمرة». السفير العربي. (أيار، 2013).

(11): Michele Foucault. Technologies of the Self. edited by Luther Martin et al. (Amherst: Massachusetts University Press, 1988).

(12): الذات، والإخضاع، والذاتية والخضوع. مصدر سبق ذكره.

(13): المصدر السابق.

(14): المصدر السابق.

(15): مهند مصطفى. «حول مقاربة جديدة لمفهوم الأسرلة». العربي الجديد. (2020).

(16): المصدر السابق.

(17): المصدر السابق.

(18): همّت زعبي. «الفلسطينيون في إسرائيل».  مصدر سبق ذكره.

(19): مجد كيال. «خصوصية فلسطينيي الداخل في ظل الوحدة». ورقة مقدمة إلى المؤتمر السنوي السادس "فلسطين: رؤى استراتيجية سياساتية". مسارات (2018).

(20): سامر سويد. «القيادة الجماعية لدى الفلسطينيين في الداخل القائمة المشتركة انموذجًا». مركز الأبحاث ـ منظمة التحرير الفلسطينية.

(21): ليهي بن شطريت. «القائمة العربية المشتركة وتوظيف النجاح الانتخابي». ترجمة: محمود جرابعة. مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (آذار، 2015).

(22): المصدر السابق.

 

 

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (3 - 3)

      من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (3 - 3)

      على مشارف حيفا، يقول سعيد (س) لزوجته صفية، التي كانت منصرمة إلى التحديق نحو الطريق غير مصدقة بأنها ستراها مرة أخرى: «أنت لا ترينها، إنهم يرونها لك.. لقد فتحوا الحدود فور أن أنهوا الاحتلال فجأة وفورًا، لم يحدث ذلك في أي حرب في التاريخ.. لسواد عينيك وعيني؟ لا.

    • من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (1 - 3)

      من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (1 - 3)

      بعد عشرين عامًا يصل سعيد (س) وزوجته صفية إلى بيت كان يومًا لهما في حيفا(1). يصعدان الدرج المؤدي إلى بيتهما في الطابق الثاني. يجاهد سعيد (س) ألا ينظر إلى الأشياء الصغيرة

    • القدس: نحو جغرافية ثقافية مقاومة (٣ من ٣)

      القدس: نحو جغرافية ثقافية مقاومة (٣ من ٣)

      في العام ٢٠٢٠، شهدت مدينة القدس ٤٣٠ عملية فدائية، بحسب تقرير الشاباك، تنوعت ما بين عمليات الدهس والطعن، وإطلاق النار، والاشتباك المسلح مع الجنود، وتفجير العبوات الناسفة المصنعة محلياً، والاقتحام المسلح للمستوطنات، واستهداف الحافلات والمنشآت

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬