قالت عنه الشاعرة الأمريكية لويز غلوك إنه من أعظم الشعراء في زمننا، كما حصل على جوائز مرموقة عديدة مثل جائزة والاس ستيفنس للشعر، جائزة بولينجين، وجائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية، وجائزة بوليتزر للشعر في ٢٠١٨. من أعماله كلب ميتافيزيقي (٢٠١٣)، غبار النجوم (٢٠٠٥)، رغبة (١٩٩٧)، وليلة غربية، قصائد مجموعة (١٩٦٥-٩٠)، وكتاب الجسد، الذي نشر في السبعينيات وهو من دواوينه التي حظيت بشهرة واسعة.
شعره يجسد الصوت البشري في كل تعبيراته المتطرفة في الموضوعات التي يتناولها والتي تتعلق بالعنف أو بالجنوح الجسدي والغوص في الجوانب المظلمة للنفس البشرية، ويعبر عن الفوضى واللايقين والعبث في صلب تجربة الإنسان المعاصر.
ولد بيدار في بيكرزفيلد، كاليفورنيا في ١٩٣٩، ودرس في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد ثم في هارفارد حيث كان تلميذاً وصديقاً لكل من روبرت لويل وإليزابيث بيشوب. يركز في شعره على الذوات الجانحة والمنحرفة والغرائبية كي يصل إلى صوت قادر على أن يتقمص الأصوات كلها، بحسب اختلافها. في إحدى المقابلات التي أُجْريت معه قال بيدار إنه قادر على أن يكتب بأصوات تختلف كلياً عن صوته: "حالما تصل الصفحة المطبوعة نقطة تظهر فيها صحيحة، تبدو أنها تعيد إنتاج الصوت الذي أسمعه، يحدث شيءٌ غريب، يصبح وجود القصيدة فجأة قصيدة على الورق، تتوقف عن كونها الصوت الذي في الرأس، وتكون القصيدة على الورق التجسيد الأصدق لصوت القصيدة أكثر من ذاك الذي ما أزال أسمعه في ذهني، ولقد تعلمتُ أن أثق بهذا حين يحدث، عند تلك النقطة، تكون العملية كلها قد انتهت".
إلى الموتى
إذا كان لديّ أملٌ فهو أن
نلتقي مرةً أخرى،
… أن نصل ثانيةً إلى الشرْيان
الذي تبادلنا الحب فيه
وكان موجوداً، كان موجوداً.
ثمة ليلٌ داخل الليل،
وكما فعل المُحققان (الأخوان ريتز)
في مسلسل "الغوريلا"،
حين هاجَمَنا الغوريلا بعنفٍ
بحثْنا في الجدران،
في التلبيسة ذات النقوش المعقدة
وغير القابلة للاختراق
عن زرٍّ، عن مقبضٍ أو مزلاجٍ
يفتحُ باباً خفياً
ويكشف أخيراً الغرف السرية،
ممراتٍ داخل الجدران
(البناء السحري، الذي حلمنا به
تحت البناء الذي نراه)
هذا هو المنزل داخل المنزل…
ثمة ليلٌ داخل الليل
مرّتْ (مثلاً) أشهرٌ بدوتُ فيها
كأنني أزعجكِ، وأحبطكِ
وأخيّبُ أملكِ فحسب،
ثم انقدح شررُ شيءٍ ما
سكرة استمرت لأيام، وبينما
كنتِ تصْحين منها ببطء وارتجاف،
مريضةً، شاعرةً بالندم ومقت الذات
جاءك خيال كالرماد، تعلقتِ به بلا فائدة
ثم كرهتِه
كان هذا النظر إلى قوة المياه
حين كانت المياه نائمةً:
أسرار، تواريخ للحب، خيانات، أوضاع صعبة جداً
غير ملائمة (كما ظننتِ) لضوء النهار.
ثمة ليلٌ داخل الليل
ذلك أننا ما زلنا نسكن
المكان السريَّ معاً
ليلاً أحياناً.
هل هذه حكمة،
أم شفقةٌ على الذات؟
إن الحبّ الذي عرفتهُ هو حبُّ
شخصين يحدّقان
لا إلى بعضهما البعض
بل في الاتجاه نفسه.
ذات ليلة في الغرب
١- ما هو غير قابل للإصلاح
أولاً، كنتُ موجوداً حيث
اللاتناغمات المسموعة تولّد التناغمات
نسمع-
حينها كنتُ كلباً،
أشمشم المنشعب بين ساقيك.
سألتك لماذا أنت هنا
وكان جمالك هو الجواب.
قلت إنني كنت محتاجاً. قلت إن
الموتى
يحكمون ويُرْبكون خطانا،
إنني إذا ساعدتكِ في شق جلدكِ
عميقاً بما يكفي
فإن هذا، على الأقل، لن يكون قابلاً للإصلاح…
في بعد الظهر هذا، كانت السحب
تنطلق بخفة-
تحتشد فوق الأبراج، ثم تعدو مسرعة.
٢-في درج مكتبي
عقبا سيجارتين-
تركتيهما
في أول مرة زرت فيها شقتي.
في اليوم التالي
عثرتُ عليهما.
كانا ما يزالان هناك
التقطتُ واحداً، ووضعت شفتيَّ
حيث كانت شفتاك…
*
إن اللاحب الذي بيننا
يشبه رجلاً يركض نازلاً جبلاً،
وإذا ما تجرأ وحاول التوقّف سيسقط:
يداي رغبتا بأن تلمسا يديك
لأنه كان لدينا أيدي.
*
وضعتُ عقبيْ السيجارة
داخل ظرفٍ بحذر
وأغلقتُ الأطراف بالصمغ.
في البداية لم يلتصق الورق النحيل للظرف
رائحة تبغٍ قديمة….
والظرف الآن في مكتبي.
٣- رجلان
الرجل الذي يجهلُ نفسه،
الذي لا يعرف عواطفه
الذي تتحدّث أفعاله
لكنه لا يقرّ بذلك
الذي سيقول أي شيء
ويكذب حين لا يكون يعرف أنه
يكذب لأن ما يحتاجه هو أن يصدّق أنه يقول الحقيقة
هذا الرجل حجر… ليس خبزاً
حجر ليس قالب حلوى. ليس جبنة. ليس خبزاً…
الرجل الذي يحاول أن يهدىء جوعه
بقضم حجر أحمق،
يُغَذّي جوعه بطرق هو يعرف
أنها لا تشبعه.
٤- خاتمة: مقطع من هوراس
في الليل
في الأحلام أمسكتُ بك
والآن أنا أطاردك
وأنت تهربين
بين أعشاب حديقة كامبوس ماريتوس،
وأنت، عبْر المياه (أيتها القاسية)، تهربين.
ترنيمة
أيتها الأرض الخصبة، يا السريعة الزوال حين يتعلق بكِ المرء
حين تصيب فينوس الكائنات كلها بمس من جنون الرغبة
كي يتزاوجوا وبالتزاوج يملأون الأرض بحضورات
هي مثلهم
جائعة وشبحية.
أيتها الأرض الخصبة،
يا أشباحاً كهربائية
تسكن الأفق، تخدعُ منذ الطفولة
ابنَ الصحراء هذا الذي على وشك الاختفاء.
كونهم زائلين لا يعني أن أنهم أقل حباً وخشيةً
أيتها الأرض، أنتِ ، أيتها الخصبة.
إذا لم تر نهاية في ما هو كائن
ما لا يعرفهُ أحد هو متى، وليس إذا.
والآن، بما أن حياتكَ تُشرف على الانتهاء
حين تلتفتُ خلفكَ لا ترى إلا الحطام.
تظنّ أنه سجنٌ. كلا، إنه غرفةٌ واسعة يتردد فيها
صدى كلّ ما تقوله أو تفعله
من جديد، لكنه هو نفسه.
ما يجهلهُ الجميع هو كيف يتغيّرون.
إن كل مرحلة تصل إليها،
إذا كانت وحيدة، ومحدودة، وقائمة بذاتها فقط،
تتضمن آثاراً من جميع المراحل، وهكذا في النهاية
يحرّرك الحدُّ، ولا توجد نهاية،
إذا ما رأيتَ مرةً ما هو موجود من أجل أن تراه.
ليس بوسعكَ أن ترى
ما هو موجود من أجل تراه،
ليس حين تقفُ إلى جانبك
المرأة التي فشلتَ في أن تحبها.
كما لو أنها ترفض معرفة
أن الموت هو الحياة معها،
كما لو أنها ثانية
توبخك لرفضك لها ثم ترحل.
إن حياة تتحقق بما لا يتم إشباعه
نوع من الدفن.
أيتها الروح المألوفة،
يا من عشتُ في ملكوت رعايتها
يا من أتلوّى الآن داخل خيبتي منها،
هل بوسعنا أن ندرك في النهاية
لماذا الحياة البشرية
هي كما لو أننا بين المطرقة والسندان؟
ولماذا ما نحبه
يعوقه دوماً شيء آخر نحبه،
كما لو أن كلّ كلا ننطقها هي نعم،
وكل نعم هي كلا؟
الاحتمالات غير مؤكدة
غير أن التكهنات في مكان آخر
ليست أفضل.
لا هواء في العش
الذي تجثم فيه مصاباً بالإعياء،
والجو بارد.
تشعر أنك عجوز، أنك شاب،
أنك عجوز، أنك شاب
تراقب البحر من أجل حركة،
رغم أن وعد الجنس أو الطعام
هو الاحتمال الذي يقودك
إلى هذه النهاية.
شيءٌ في داخلك
يؤمن أنها ليست النهاية.
حين تستيقظ،
سيبدأ الصف السادس.
المتناهي الذي تعرفه
تخشى أنه لامتناه:
حتى وأنت في الحادية عشرة، ما تحبه
هو ما يجب ألا تحبه
وهذا ما يحدسه دون خطأ متنمرون
لا يُحصى لهم عدد
سيكون المستقبل مختلفاً:
لا تستطيع أن ترى النهاية.
إن ما يجهله الجميع هو متى، وليس إذا.
[ترجمة أسامة إسبر، المصدر: Half-Light Collected Poems 1995-2016, Farrar, Straus and Giroux].