مضى قرابة مئة عام من عمر القصة السورية الفنية، وعرفت القصة في هذا العمر البدايات والنمو والازدهار، ثم بدا أنها تشهد انحساراً، على صعيد الكم والنوع، وكأنها منذ ثلاثة عقود تعيش خريفها الطويل، بعد أن رحل أعلامها الكبار، تاركين خلفهم إرثاً مجيداً، ربما لم يفلح الأحفاد في الحفاظ على هذا الإرث. هذا ما قاله الكاتب السوري ناظم مهنا في حديث مع جدلية معقباً أن القصة فن صعب، فيه مقدرة أسلوبية على قول حكاية أو حدث أو خبر بشكل رشيق مكثف وموحي، وهي فن السرد الموجز الإيحائي أو المكثف الذي لا يمكن أن يندثر، بل يتجدد باستمرار، ويمكن أن يستعيد دوره وحضوره في مستقبل الأيام، وهذا الفن لا يزال يقاوم التجاهل والتهميش.
وأضاف القاص السوري ناظم مهنا المشارك في إعداد هذا الملف أن خارطة القصة السورية متعددة، وتعكس التيارات السياسية والاجتماعية السورية والصراعات الفكرية والأيديولوجية، والجدل الذي أثير حول علاقة الأدب بالفن وبالواقع. وكانت المؤثرات الأجنبية واضحة في قصة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وبشكل خاص القصة الروسية والفرنسية، وفيما بعد تعددت المؤثرات وتنوعت، وربما تحولت القصة، منذ مطلع السبعينيات، إلى فن فوضوي متمرّد على المنظومات النقدية وعلى المؤثرات أيضاً. بكل الأحوال عدد كتاب القصة في سوريا كبير جداً وهو أصعب من أن يُعد أو يستعرض. والقصة السورية مثلها مثل القصة العربية والعالمية يمكن أن نرصد فيها أنماطاً كبرى، نذكر منها: القصة الدرامية المختلقة (التطهيرية) وهذا النمط الكلاسيكي والبدئي للقصة، القصة الرمزية أو القصة الشعرية التي تعتمد الإيحاء، القصة التهكمية التي برزت بشكل كبير في زمن الحرب، القصة الومضة؛ وهي أقرب إلى الخاطرة أو الموقف الصحفي مما يجري في الواقع. ويمكن أن تجمع القصة الواحدة نمطين أو أكثر.
أما عن القصص التي كتبت في العقد الأخير فقد قال الكاتب إن السوريين في زمن الحرب عاشوا حالة استقطاب حادة، وانقساماً في المواقف، بلغ حدَّ التصدُّع الكبير، ونحن اليوم أمام ظاهرة جديدة وقدرية راحت تتكرر في معظم الدول العربية بين أدب الداخل وأدب الخارج أو الأدب المهاجر والأدب المقيم، ولا بد أن هذه الظاهرة سيكون لها ملامحها وانعكاساتها. وانعكست الحرب على لغة الكتابة في السرد الروائي والقصصي والكتابة الشعرية أيضاً، وتسللت مفردات جديدة إلى قاموس الكتابة لم تكن موجودة من قبل، ويمكن أن يلاحظ ذلك في قصص هذا الملف.
ويرى مهنا أن وقع الحرب وأثرها النفسي يرخيان بظلالهما على لغة الكتابة وشكلها، ويمكن أن نلاحظ على مستوى الشكل اعتماد القصة ذات الإيقاع السريع والقصير، والتعبير عن الاستقطاب بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو من جهته يرى في ذلك تعبيراً وتفاعلاً مع الحدث، والقصة في أحد تعريفاتها، تمثل موقفاً نقدياً من الحياة، وهي نتاج عصر نقدي أصيل.
يمكن أن يعد هذا الملف الذي تقوم جدلية بنشره تباعاً مقطعاً اختبارياً من المشهد القصصي السوري ولا يمكن بأي أي حال اعتباره تمثيلياً بل عينات من القصة التي تكتب حالياً وفي ظل أوضاع ما يزال يتمخض عنها آثار مأساوية لا تلوح في الأفق القريب نهاية لها.
هذا الملف من إعداد أسامة إسبر وناظم مهنا.