[هذه المقالة ضمن ملف عن الشعر الأفريقي].
[فرانك تشيباسولا شاعر من ملاوي، حصل على الإجازة الجامعية من جامعة زامبيا وبعد ذلك حصل على الماجستير من جامعة ييل والدكتوراه من جامعة براون، نفي من ملاوي ولهذا دوماً يتحدث في شعره عن المنفى والرقابة. أصدر عدداً من المجموعات الشعرية منها على كتفي الجبل: قصائد مختارة (٢٠٠٧)، همسات في الأجنحة: قصائد جديدة ومختارة (٢٠٠١)، آه انتظريني أيتها الأرض (١٩٨٤)، ورؤى وانعكاسات (١٩٧٢)].
قصيدة حب إلى بلادي
لا أملك شيئاً أمنحهُ لك إلا غضبي
وأسلاكه تعبر الحدود
أنتِ، من باعني مع كثيرين غيري للمنفى،
والآن بعد أن فرغتِ من العقول المتألقة، تعتمدين
على ما تستطيع الأيدي أن تزرعه
كي تعيدي بناء صورتك المفتتة.
شوارعك منقطة برجال مغلولي الأيدي بالأصفاد
طبولك جلجلةُ أبواط حراس السجون المسننة
تتلوين من الألم
لأن التوأمين المريعين، القانون والنظام،
يقرران الأمر من خلال النفق السميك للأسلاك الشائكة.
هنا، أسبوعاً بعد آخر، تشفّ الجدران الرقيقة
ينجلي الضباب فنراك عارية
كجسد يجهد كي يعثر على نفسه، لكنه لا يستطيع
تخفق قلوبنا بنبض الرغبة أو الخوف
وأحلامنا فصول محروقة من تاريخك.
بلادي،
تذكّري أنه لم ترمش عيني
ولم أغْف
بلادي،
لم أدع حياتك تسقط
وتتدحرج على السفوح يوماً
لم أراقبك بلامبالاة،
كسيارة تُقاد بطيش،
مسرعة إلى تحطمها بعد أن قفز السائق.
فقدتْ الأيام أغانيها وملحها
نشعر بالضجر دون ضحكنا وصوتنا الحر
وكل يوم نفكر بالأمر نفسه ونعزي آمالنا.
أيامك صاخبة بقعقعة الأصفاد
على أذرع رجال يتم اقتيادهم بعيداً كي يتآكلوا.
أعرف أن يوماً سيأتي كي يغسل ألمي
أنني سأبزغ من الليل مولوداً في أغنية
كشمس،
تشرق وتنفخ
كي تطفىء تلك النجوم الشريرة.
العاصفة المطرية
غسلَ المطرُ معطف الريح،
كَنَسَ أنف الجبل من الغبار،
لعق الدم عن قمته،
وشطف زيوت السمك عن الطريق.
هنا الطريق الذي تركنا في الخلف
توقف وانتظرنا، سألنا
أين كنا
حين سلخوا جلد الأرض.
الطريق، الذي تحدى المطر
تسلل بين الجبال
وتركنا نتساءل ونفكر
إلى أين يقودنا هذا الطريق.
تساءلنا أين كان المطر
هذا المطر الذي ترك قطرات أحلام
في راحات أكفنا كي نبذرها في تربة قلوبنا.
تحت أفاريز السماء وضعنا
عقولنا المفتوحة وملأناها
بالطهارة التي نزلت من السماء.
كابوس
تقيدني الظلمة على حصيرتي القصبية المهترئة
ترش يد الطغيان
سخام الجهل على عينيّ،
ويطرق النوم رأسي بالشعارات
ثم يقتحم كابوسٌ حياتي المتمددة
يدوس على منبه قلبي
ويطلقني كي أنشد أنشودة شافية.
بأنشودة أضمد بلادي المخربة
بخيط الأغنية
أخيط الرؤوس المقطوعة
وأضعها على أكتاف الأزهار المقتلعة.
أضمّد جراح الأعناق بأنشودة حرب،
وبرمح حاد لسانه يغني
أمزق حجاب الظلمة عن أرضنا
فيهرب الكابوس من ضوئي السري.
أغنية المشعوذ
يا أبناء قومي،
اقرعوا الطبول،
الطبول الذكورية والأنثوية
كي أستطيع أن أغذي قدميّ الجائعتين
بسرعة رقص الأسلاف
وأدفن أجسادكم في التراب
كي أريح كعبي عليها.
آه، يا أبناء هذه القرية،
الزوبعة قادمة
وهي، يا أبناء قريتي،
تقتلع غيضات الموز.
الزوبعة تركب على ضبع
وهي تحطم أكواخكم.
سأرقص على ذيل الزوبعة:
الأحمق يقرع الطبل والحكماء يرقصون
طاردة الذباب تحملني إلى جميع الأكواخ
اقرعوا الطبول،
يا سكان هذه القرية الصامتة
من الذي مات وتنعونه بصمت؟
يا أبناء هذه القرية الموتى،
اجعلوا أغنيتكم وشماً لي.
الزوبعة عرّتْ الأشجار
تعالوا وشاهدوا،
عرت الأرض كلها
وسرقت أفضل أطفالنا
لم تعد الأشجار قادرة على إخفاء الأسرار الثقيلة:
حين يطوف النهر
يصل إلى الكاحل
حين يطوف النهر
لا يصل إلا إلى الكاحل.
تخطو البحيرة على حجر،
اسمعوا بكاءها
تحك البحيرة قدمها على حجر حاد،
وتضرب براحتي كفيها بغضب على الرمال كأنها طبل
ومياه المطر تحمل خرز خصور ملوناً
مياه النهر تغرق أكواخكم وتنهب مخازن حبوبكم
حين يطوف النهر
يصل إلى الكاحلين
حين يطوف النهر
لا يصل إلا إلى الكاحلين
سقطت الشمس،
الزوبعة تغتبط
تحت شجرة القرية،
تخوض في الوحل
الشمس سقطت،
اقرعوا الطبول الذكورية والأنثوية
الشمس تنام،
أشعلوا ناراً كي أستطيع
أن أغذي قدمي الظامئتين بنسغ أغنيتكم:
حين يطوف النهر
يصل إلى الكاحلين
حين يطوف النهر
لا يصل إلا إلى الكاحلين.
مدينة بلانتير
سقوفٌ رمادية صدئة،
جدران بيضاء واهنة،
تلبس المدينة لكنة اسكتلندية مستعارة
وتختبئ خلف مجموعة من غيضات المانغو
وأشجار الكينا التي تصهل كأحصنة شاردة مهجورة
تستحم، كعذراوات خفرات، في أمطار الصيف الأولى.
حين طلع القمر،
بأكياس تحت عينيه
عرفتُ يقظة طويلة أبقاها الليل في عينيْ أمي
التي بحثت عن ابنها الضال بعيداً عن الوطن
في تمبكتو، مدينة أسلافي، القذرة الآن،
التاريخ يقف هادئاً هنا وهم يحلقون شعر المدينة
بموسى حاد، وزجاجات محطمة، تاركين خصلات
حيث كان النمل الأحمر يرعى بالرمح والمسدس الذي يشبه القلم:
ما تزال رائحة الدم تفوح من تشيلوبوي،
ونديراندي الفوضوية عالقة
في برك الطين،
أما زيمغاونغوا فترتجف من البرد
على مرأى من الأكواخ والقصور
التي بنيت من النهب،
وأحيطت بأسيجة من الأسلاك الشائكة
وسُورت كسجون شخصية
حيث يحكم الخوف.
[ترجمة أسامة إسبر، المصدر: دواوين متفرقة للشاعر].