[نُشرت المقالة بالانكليزية في LRB. أيال وايزمان معماري إسرائيلي مناهض للصهيونية من دعاة السلام، أستاذ الثقافة الفراغية والبصرية في جامعة جولدسميث في لندن، ومؤسس العمارة الجنائية Forensic Architecture وهي مؤسسة داخل جامعة جولدسميث معنية بالبحث الجنائي في فضح وتشريح الممارسات الإجرامية والقمعية للدول والأنظمة، وذلك باستخدام الأدوات المعمارية والتقنيات المصاحبة لها، بالإضافة إلى البحث التاريخي. من أشهر أعماله المترجمة إلى العربية كتاب "أرض جوفاء: الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي"].
[إبراهيم آب إمام، معماري وسينمائي ممارس من مصر، مهتم بكتابة وترجمة المقالات والبرامج في الشأنين السينمائي والمعماري وتداخلاتهما مع الشأن العام، بمساعدة الأدوات التي توفرها سرديات العلوم الإنسانية].
في ربيع 1956، 8 سنوات من النكبة، تعبر مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين خندقاً محروثاً هو كل ما كان يفصل غزة عن دولة إسرائيل. على جانب من الخندق 300,000 فلسطيني، 200,000 منهم لاجئون هجروا من المناطق المحيطة؛ على الجانب الآخر حفنة من المستوطنين الإسرائيليين الجدد. شرع المقاتلون الفلسطينيون في دخول كيبوتس ناحل عوز، وقتل روي روتبرج، ضابط أمن. أخذوا جثته معهم عائدين إلى غزة، ولكنها أعيدت لاحقًا بعد تدخل الأمم المتحدة. صادف أن كان موشيه ديان، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية حينها، في المستوطنة لحضور حفل زفاف، وطلب أن يلقي في الليلة التالية كلمة تأبين في جنازة روتبرج. عن الرجال الذين قتلوا روتبرج طرح سؤالاً: "لماذا علينا أن نشتكي كرههم لنا؟ ثمان سنوات قضوها في مخيمات لاجئين في غزة، رأوا أمام أعينهم كيف حولنا الأراضي والقرى التي سكنوها هم وأجدادهم في وقت ما، إلى وطن لنا". لقد كان اعترافًا بما خسره الفلسطينيين، لم يعد السياسيون الإسرائيليون المعاصرون قادرين على الإفصاح بمثله. لكن ديان لم يكن يدافع عن حق العودة، لقد أنهى خطبته بأن على الإسرائيليين أن يعدوا أنفسهم لحرب أبدية ومُرة، سيكون لها مع ما تسميه إسرائيل "المستوطنات الحدودية" دور رئيسي.
بمرور السنين، تحول الخندق المحروث إلى نظام معقد من التحصينات: 300 متر منطقة عازلة، حيث قتل أكثر من 200 متظاهر فلسطيني بين عامَي 2018 و2019 وأصيب آلاف؛ طبقات متعددة من أسوار الأسلاك الشائكة؛ حوائط خرسانية ممتدة تحت الأرض؛ رشاشات آلية بنظام تحكم عن بعد؛ وأنظمة مراقبة تشمل أبراج مراقبة، كاميرات، ومستشعرات الرادار وبالونات تجسس. وخلف كل ذلك سلسلة من القواعد عسكرية، بعض منها قريب من المستوطنات المدنية التي تشكل ما يعرف بـ"غلاف غزة"، أو داخلها. في 7 أكتوبر، وفي هجوم منسق، دقت حماس كل عناصر هذا النظام المترابط. نحال عوز أقرب المستوطنات إلى السور كانت من بؤر الهجوم. مقطع كلمة "نحال" يشير إلى وحدة عسكرية أسست المستوطنات الحدودية. مستوطنات نحال بدأت وجودها كمواقع عسكرية وكان مخطط لها أن تتحول إلى قرى مدنية، غالبًا على نسق الكيبوتس، لكن التحول هذا لم يتم قَطُّ، وبعض السكان ينتظر أن يخدموا كقوات دفاع وقتما يحين الموعد.
"أراضي الغائبين" وضعها المخططون الإسرائيليون بوصفها فكرة مبدئية وبديهية حين وضعوا الرسومات الأساسية لمشروع المستوطنة الصهيونية بعد عمليات الطرد في عام 1948. كبير معماريها كان أرييه شارون، خريج مدرسة الباوهاوس [مدرسة معمارية ألمانية بارزة] الذي درس تحت إشراف والتر جروبيوس وهانس ماير قبل أن ينتقل إلى فلسطين في عام 1931، حيث بنى تجمعات سكنية، وتعاونيات عمالية، ومستشفيات، وسينمات. حين أسست دولة إسرائيل، عينه ديفيد بن غوريون على رأس إدارة الدولة للتخطيط. يشرح المؤرخ المعماري تسفي أفرات، في كتابه "موضوع الصهيونية" The Object of Zionism الصادر في عام 2018، أنه بالرغم من أن التخطيط العام الذي وضعه شارون كان مبنيًّا على أحدث مبادئ التصميم الحداثي، إلا أنه كان يحمل أكثر من هدف آخر: أن يوفر منازل لموجات المهاجرين الذين وصلوا بعد الحرب العالمية الثانية، وأن ينقل السكان اليهود من المركز إلى المحيط حتى يؤمن الحدود ويحتل المناطق بما يُصعب عودة اللاجئين.
في الخمسينيات والستينيات، أدى التخطيط العام لشارون وما تلاه إلى بناء، في "المناطق الحدودية" التي حددت وقتها بحوالي 40 بالمئة من الدولة بوصفها محاور قطرية، "بلدات تنموية" تخدم سلسلة من المستوطنات الزراعية. شُيدت هذه المدن التنموية بهدف تسكين اليهود المهاجرين من شمال أفريقيا (اليهود العرب) والذين يمكن أن يصبحوا بروليتاريا من عمال مصانع. وشُيدت المستوطنات الزراعية للكيبوتس والموشاف من أجل الأعضاء الرواد في الحركة العمالية، وهم في أغلبهم من أوروبا الشرقية. الأراضي التي تعود إلى القرى الفلسطينية دير سنيد، سُمسُم، نجد، هوج، المحرقة، الزريعي، أبو ستة، الوحيدات، وتعود أيضًا إلى قبائل الترابين والحناجرة البدوية، كل هذه القرى بنيت عليها البلدات التنموية سديروت وأوفاكيم، وكيبوتسات بئيري، رعيم، مفلاسيم، كيسوفيم، وإيرز. كل هذه المستوطنات استهدفت في السابع من أكتوبر.
لاحقًا بعد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، أنشأت الحكومة مستوطنات بين المراكز السكانية الفلسطينية الرئيسة داخل غزة نفسها. أكبرها كان غوش قطيف، قريبًا من رفح على الحدود المصرية. في المجمل غطت المستعمرات الإسرائيلية 20 بالمائة من أرض غزة. في مطلع الثمانينيات امتصت المساحة داخل غزة وحولها أيضًا عديداً من المستوطنين الإسرائيليين ممن تم إخلاؤهم من سيناء بعد اتفاقية السلام مع مصر. أول سور أحاط المنطقة بني بين عامَي 1994 و1996 وهو الوقت الذي يُعَد أعلى مراحل "عملية السلام". أصبحت غزة عندها معزولة عن العالم بأكمله. وقتها، ونتيجة للمقاومة الفلسطينية، فُككت المستعمرات الفلسطينية في غزة في عام 2005، بعض ممن أخلوا من المستعمرات اختار أن ينتقل إلى مستوطنات قرب حدود غزة. فيقام النظام الثاني، نظام تطويق أكثر تطورًا، بعدها بقليل. في عام 2007، بعد عام من تولي حماس السلطة في غزة، بدأت إسرائيل حصارها الشامل، بالسيطرة والتحكم بمدخلات المؤن الأساسية لاستمرارية الحياة مثل الطعام، والأدوية، والكهرباء والبترول. حدد الجيش الإسرائيلي درجة الحرمان إلى الحد الذي قرب الحياة في غزة إلى مستوى الثبات. هذا مع حملات من التفجيرات أدت، بشهادة الأمم المتحدة، إلى وفاة 3500 فلسطيني ما بين عام 2008 وسبتمير2023. هذا الحصار أوصل الكارثة الإنسانية إلى حد غير مسبوق: مؤسسات المجتمع المدني، المستشفيات، المياه، ونظام النظافة العامة بالكاد يتم تشغيلها، مع كهرباء لا تتوفر إلا لنصف اليوم. ما يقارب نصف سكان غزة من العاطلين عن العمل وأكثر من 80 بالمائة منهم يعتمدون على الإعانات لتوفير الاحتياجات الأساسية.
عرضت الحكومة الإسرائيلية خصومات ضريبية سخية (20 بالمائة خصم على ضريبة الدخل على سبيل المثال) للمقيمين في المستوطنات حول غزة، التي رُص عديد منها على طول طريق يبعد بضعة كيلومترات بموازاة خط السياج. يضم غلاف غزة 58 مستوطنة داخل محيط 10 كيلومتر من الحدود يسكنها 70 ألف مستوطن. في الأعوام السبعة عشر منذ أخذ حماس زمام السلطة، وبالرغم من الصواريخ الفلسطينية المتقطعة وقذائف الهاون، بالإضافة إلى القذف المدفعي الإسرائيلي للقطاع على بعد أميال قليلة من المستوطنات، إلا أن عدد المستوطنين أخذ في النمو. فقد أدى ارتفاع أسعار العقارات في منطقة تل أبيب وتلالها المفتوحة (يسميها سماسرة العقارات "تسكانة النقب الشمالي") [نسبة لمنطقة ساحرة في إيطاليا] إلى تدفق أعداد المستوطنين من الطبقة الوسطى. وتدهورت الأحوال على الجانب الآخر من السياج بمعدل عكسي لازدهار المنطقة المتزايد.
المستوطنات جزء أساسي من نظام العزل المفروض على غزة، لكن ساكنيها يميلون إلى الاختلاف عن المستوطنين المتدينين في الضفة الغربية. متظاهرين بالعمى الجزئي لليسار الإسرائيلي، فبعض المستوطنين في النقب مشاركون في حركة السلام.
في السابع من أكتوبر، اخترق مقاتلو حماس النظام المترابط لشبكة السياج. صوب القناصة نيرانهم نحو كاميرات المراقبة لمنطقة حظر التواجد. أسقطوا القنابل اليدوية على أبراج الاتصال. سُحب من الصواريخ ملء مجال الرادار. وبدلاً من المرور أسفل السياج، انتهج المقاتلون طريقهم على الأرض، وفشل المراقبون الإسرائيليون، إما في رؤيتهم أو في نقل ما شاهدوه بالسرعة الكافية. فجر المقاتلون أو قطعوا بضعة عشرات من الفتحات في السياج. وسعت البلدوزرات الفلسطينية هذه الفتحات. استخدم بعض مقاتلي حماس الطيران الشراعي لعبور الحدود. انقض أكثر من ألف منهم على القواعد العسكرية. الجيش الإسرائيلي، معمي وأصم، ظل بلا صورة واضحة لساحة المعركة، وأخذت الفرق العسكرية ساعات حتى وصلت. ظهرت أونلاين مشاهد لا تصدق. تبع مراهقون فلسطينيون، على دراجاتهم الهوائية أو أحصنتهم، المقاتلين إلى الأرض التي ربما سمعوا عنها من أجدادهم، ولكنها الآن استحالت إلى شيء آخر لا يعرفوه.
بعدما وصلت القوات إلى المستوطنات، والمجزرة التي لا يمكن لعنف سابق أن يبررها. أُحرقت عائلات أو قتلت في بيوتها. في المجمل قضى المقاتلون على 1300 مدني وعسكري [بعد نشر المقال طرحت الصحافة الاسرائيلية ما يخالف هذه الرواية ويتهم الجيش نفسه بنيران صديقة]. أُسر مائتي شخص وأُخذوا إلى غزة. قضت إسرائيل عقودًا في تعمية الخط بين الوظيفة المدنية والعسكرية للمستوطنات. ولكن الخط أُعمي الآن أكثر، بأشكال لم تقصدها قَطُّ الحكومة الإسرائيلية. السكان المدنيون، الذين تعاونوا في أن يكونوا جزءًا من الحائط الحي لفضاء غزة، لقوا الأسوأ من الجانبين. لم يستطيعوا حماية أنفسهم كجنود، أو أن تتم حمايتهم كمدنيين.
قدمت صور المستوطنات المدمرة للجيش الإسرائيلي موافقة مرور مجانية من المجتمع الدولي. ورفعت أي من القيود التي ربما رفعت في الجولات السابقة. طالب السياسيون الإسرائيليون صراحة بالانتقام في لغة إبادية. قال المعلقون إن غزة يجب "محوها عن وجه الأرض"، وإن "هذا وقت النكبة الثانية". ريفيتال جوتليف، عضو الليكود في الكنيست، غردت: "دمروا المباني!! فجروا من دون تمييز!! توقفوا عن هذا العجز. لديكم القدرة. هناك شرعية دولية! دكوا غزة. بلا رحمة!".
كيفما انتهت المعركة، في وجود حماس في السلطة أو بدونه (وأنا أراهن على الأولى)، لن تتمكن إسرائيل من تجنب المفاوضة على مبادلة السجناء. بالنسبة إلى حماس، ستكون نقطة البداية الفلسطينيين الستة آلاف حاليًا في سجون إسرائيل، وكثير منهم مقبوض عليه في اعتقال إداري بلا محاكمة. لطالما كان للقبض على إسرائيليين مكانة أساسية في النضال الفلسطيني المسلح، على مدار 75 عامًا من الصراع. بالحصول على رهائن، هدفت منظمة التحرير الفلسطينية، وغيرها من المجموعات، على إجبار إسرائيل بالاعتراف الضمني بوجود أمة فلسطينية. موقف إسرائيل في الستينيات كان إنكار شيء اسمه الشعب الفلسطيني، ما يعني الاستحالة المنطقية للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيا لهم. وأعفى الإنكار إسرائيل أيضًا من الاعتراف بالمقاتلين الفلسطينيين بصفتهم محاربين شرعيين تحت القانون الدولي، وبالتالي ألغى الحاجة لمنحهم صفة أسرى الحرب طبقًا لاتفاقيات جنيف. كان احتجاز الفلسطينيين يتم في حالة من الفراغ القانوني، يشبه بشكل كبير حالة "المقاتل غير القانوني" في عصر ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.
في يوليو 1968 اختطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة إل عال وهبطت بها في الجزائر، لتكون تلك فاتحة سلسلة من اختطافات الطائرات، هدفها المعلن الإفراج عن المساجين الفلسطينيين. أفضت حادثة الجزائر إلى 22 رهينة إسرائيلية تمت مبادلتهم بـ16 سجينا فلسطينيا، على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية أنكرت وجود اتفاق. 16 أمام 22: معدل للتبادل لم يكن ليستمر طويلاً. في سبتمبر 1982، بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، قبض أحمد جبريل، من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، على ثلاثة جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي. بعد ذلك بثلاث سنوات، وفيما عرف بـ"اتفاقية جبريل"، توصلت أخيرًا إسرائيل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة إلى اتفاق مبادلة أسرى: ثلاثة جنود في مقابل 1150 سجين فلسطيني. في اتفاق عام 2011 للإفراج عن جلعاد شاليط، الذي كانت حماس قد أسرته في عام 2006، كان معدل المبادلة تفضيليًا أكثر لصالح الفلسطينيين: 1027 سجين في مقابل جندي إسرائيلي واحد. وبدأت إسرائيل، تحسبًا لأن تصبح مُجبرة على عقد مزيد من مثل هذه الاتفاقات، بزيادة الاعتقالات التعسفية للفلسطينيين، بما فيهم القُصّر، لتعظيم أصولها من أجل مبادلات مستقبلية. واحتفظت بجثث المحاربين الفلسطينيين، لتتم استعادتها بصفتها جزء من أي مبادلة. كل هذا عزز من التصور بأن حياة واحد من المُحتلين تساوي آلاف المرات حياة من جرى احتلالهم. تستدعي هذه الحسبة إلى الذاكرة تاريخ الإتجار بالبشر. ولكن سعر المبادلة هنا حققته المقاومة الفلسطينية، لتعكس اللاتناسب العميق في الهيكل الاستعماري.
تختلف اتفاقيات أسر الجنود والمواطنين باختلاف الدول. الأوروبيون واليابانيون عادة ما ينخرطوا في مبادلة سرية للسجناء أو التفاوض على فدية. الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تدعيان في العلن أنهما لا تتفاوضا أو تذعنا لطلبات الخاطفين، ولكنهما أيضًا لم تلتزما بذلك على الدوام بشكل صارم، كانتا تفضلان الجلوس والصمت حين تبدو عملية الإنقاذ مستحيلة، ويُعَد هذا على أنه "أقل الشرين" وجزء مما يسميه منظرو الألعاب الحربية "لعبة مكررة": يقيَّم كل فعل يبناء على تبعاته المحتملة طويلة المدى، تُزان فوائد تأمين إطلاق سراح سجين بمقابل فرصة أن تنتج هذه المبادلة عددًا أكبر من عمليات الأسر للعسكريين أو المدنيين في المستقبل.
حين يتم أسر أي جندي إسرائيلي، تخرج عائلته، وأصدقائه، وداعمون إلى الشوارع للتظاهر من أجل إطلاق سراحه. وفي الغالب ترضخ الحكومة لعقد اتفاقية. عادة ما ينصح الجيش الإسرائيلي بغير اتفاقيات التبادل، حيث يشيرون إلى المخاطر الأمنية من خروج الأسرى، خاصة كبار القادة، واحتمالية تشجيع المقاتلين الفلسطنيين على عمليات أسر الرهائن. يحيى السنوار، قائد حماس حاليًا، كان ممن خرجوا في "اتفاقية شاليط". قادت الحركة الاستيطانية الدينية غوش إيمونيم [كتلة الإيمان] حملة مجتمعية بارزة ضد مثل هذه المبادلات، ورأت أنها تجلي لهشاشة مجتمع "الليبرالية العلمانية" الإسرائيلي.
في عام 1986، وفي أعقاب اتفاقية جبريل، أصدر الجيش الإسرائيلي بروتوكول حنبعل المثير للجدل، وهو أمر عملياتي سري صُمم لاستدعائه في حالة أسرت قوة عسكرية غير نظامية جنودًا إسرائيليين. رفض الجيش هذا التعريف، ولكن الجنود الإسرائيليين فهموا الأمر على أنه رخصة لقتل رفقائهم قبل أن يؤخذوا أسرى. في عام 1999، شرح شاؤول موفاز، رئيس هيئة الأركان وقتها، هذه السياسة: "مع كل الألم الذي يتضمنه قول هذا، إن الجندي المختطف، على عكس الجندي المقتول، هو مشكلة قومية." على الرغم من ادعاء الجيش أن اسم البروتوكل اختير عشوائيًا بواسطة برنامج حاسوبي، إلا أنه مناسب. القائد القرطاجي حنبعل برقا قتل نفسه في عام 181 قبل الميلاد كي لا يسقط في أيدي الرومان. وكان الرومان قد وجدوا حلاً مشابها ثلاثين عامًا قبلها، حين حاول حنبعل أن يأخذ فدية مقابل الجنود الذين أسرهم في انتصاره عند كاناي، فرفض مجلس الشيوخ بعد نقاش حاد، وأعدم من تم أسرهم.
في 1 أغسطس 2014، أثناء العدوان على غزة فيما عُرف بـ"عملية الجرف الصامد"، أسر المقاتلون الفلسطينيون جنديا من جيش الدفاع الإسرائيلي قرب رفح، ودخل بروتوكول حنبعل حيز التنفيذ. قصفت القوات الجوية الأنفاق حيث أخذ الجندي الأسير، وطال القصف 135 فلسطينيا مدنياً، بمن فيهم عائلات كاملة قتلت في القصف. ألغى الجيش البروتوكول من وقتها. ولكن مع القصف العشوائي الحالي في غزة، يبدو أن الحكومة لم تقدم فقط تدميرًا غير مسبوق على أهل غزة، ولكنها أيضًا عادت إلى مبادئها بتفضيل الأسرى مقتولين على إجراء اتفاقية. بتسلإيل سموتريش، وزير مالية إسرائيل، كان قد دعى لضرب حماس "بلا رحمة، ومن دون الأخذ في الاعتبار مسألة الأسرى. جلعاد أردان، مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة، قال إن الرهائن "لن يمنعونا مما نحتاج إلى فعله." ولكن في هذه الحرب، قدر مواطني غزة وأسرى إسرائيل متشابك، كما هو الحال مع الشعبين.