لا أبالغ إذا قلتُ إن سوريا شهدت ارتياحاً كبيراً، وإن كان مؤقتاً، خلال اليومين الماضيين. وبينما نحن نكتشف ما كنا نعلمه بشأن سجون النظام الوحشية، فإن التدمير غير المسبوق والفعّال لقدرات الدفاع والاستخبارات السورية على يد إسرائيل، سيؤدي إلى تداعيات تمتد لعقود قادمة. هذا هو السياق ذو الوجهين لانهيار النظام البعثي، والذي سيصبح أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم، إن لم يكن ساعةً بعد ساعة.
تحركت إسرائيل بسرعة، واحتلت أراض سورية في جنوب البلاد باعتبارها "خط دفاع مطهراً" و"دائماً"، كما صرّح رئيس الوزراء المجرم بنيامين نتنياهو، فيما واصلت القوات الإسرائيلية تقدمها، فاحتلت بلدات تقع على بُعد 15 - 18 كيلومتراً جنوب دمشق. علاوة على ذلك، أطلقت إسرائيل، في غياب أي رادع وربما تحت غطاء دولي، أكبر وأشرس حملة جوية على الإطلاق ضد دولة عربية في اليومين الماضيين، حيث شنت أكثر من 300 غارة ودمرت 250 هدفاً عسكرياً (قواعد ومنشآت)، وفقاً للمصادر الإسرائيلية، وهو ما تم تأكيده على نطاق واسع. كما دمرت إسرائيل الأسطول البحري السوري بالكامل، بالإضافة إلى جميع المطارات العسكرية والطائرات النفاثة.
إلا أن الجيش السوري لم يُفكك على غرار ما حدث بعد غزو الولايات المتحدة للعراق في عام ٢٠٠٣، بل تم تجريده من الأسلحة الدفاعية التي تمكّنه من صد أي عدوان عسكري، سواء كان إسرائيلياً أو غيره. وقد أصبحت قدرته العسكرية الحالية مقتصرة على الأسلحة الخفيفة والعتاد الذي لا يمكنه الصمود في أي معركة ذات أهمية. يتفاقم هذا الضعف في البحر والجو والبر، بحسب تقارير موثوقة تحدثت عن الاستيلاء على وثائق استخباراتية تحتوي على معلومات عسكرية حساسة على مستوى الدولة (بغض النظر عمن يحكم سوريا).
ترافق هذا مع اغتيال عالم الكيمياء حمدي إسماعيل ندا في منزله، كما حدث مع علماء عراقيين بعد غزو العراق عام ٢٠٠٣. ثمة إشارات واضحة بأن الوضع سيسوء، ولا يوجد تأكيد بشأن من نفذ هذه العملية، مع احتمال أن تتبعها عمليات أخرى. إن المستقبل في سوريا مهدد بالمزيد من الهجمات.
إن توقيت هذا التدمير الإسرائيلي غير المسبوق، الذي أضعف جميع القدرات الدفاعية السورية تقريباً، له أهمية كبيرة. سواء بسبب غياب الردع المحلي أو الإقليمي أو الدولي، أو لأنه يأتي قبيل أي إعادة تشكيل لهيئات وآليات سياسية أو بيروقراطية أو عسكرية جديدة من المرجح أن تنطلق في الأيام والأسابيع المقبلة. هذه العمليات تؤطر القدرة الكلية لأي حكومة جديدة، وتغير بشكل جوهري التفضيلات والمسارات، مما يضمن أن تظل الجارة الشمالية لإسرائيل تحت هيمنتها لبعض الوقت.
إن هذا التدمير الجريء والهائل وانتهاك السيادة على نطاق واسع في وضح النهار، بينما تتجه أنظار العالم إلى المشهد السوري، يمثل بداية مرحلة جديدة يُمكن أن تُكشف فيها الكثير من "الخطط" المشبوهة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بما يكسر جميع الصيغ ويُوسع صيغاً أخرى. فقد تحققت أخيراً أمنية كونداليزا رايس في ميلاد "شرق أوسط جديد"؛ تابعوا الأخبار حول الاتفاقيات الجديدة بين إسرائيل ومصر، وقريباً بين إسرائيل وتركيا. ومن المرجح أن تتبعها اتفاقيات وتنسيق مماثل على نطاق أوسع في المنطقة ومع الإدارة الأميركية الجديدة في كانون الثاني|يناير 2025، بينما تواصل إسرائيل محاولاتها لخنق الدولة المتبقية في الشرق الأوسط، التي لا تخضع لها أو للولايات المتحدة، وأعني إيران.
لماذا تهاجم إسرائيل الأهداف العسكرية السورية بشراسة غير مسبوقة الآن؟
لم تكن إسرائيل تريد أبداً أن يصبح النظام السوري ضعيفاً إلى هذا الحد. كانت تريده قوياً بما يكفي للحفاظ على استقرار النظام ومنع ظهور تنظيم شبيه بحزب الله في سوريا؛ لكنها لم ترغب في أن يكون النظام قوياً بما يكفي ليشكل تهديداً لإسرائيل. والآن، وبعد أن أصبحت هذه الصيغة غير صالحة بعد انهيار النظام، وإضعاف حلفائه، فإن إسرائيل لا تخاطر بشيء. ولديها الفرصة لضرب الأهداف السورية دون الخوف من رد فعل يذكر، وذلك بفضل "القيم الغربية" الراسخة.
علاوة على ذلك، تُظهر الوثائق الرسمية السرية التي ظهرت مؤخراً أن التفاهم الذي كان قائماً بين روسيا وسوريا بشأن التواجد العسكري الإيراني في سوريا قد انتهى الآن (ويحتاج الأمر إلى تأكيدات إضافية).
لا أحد يردع إسرائيل حالياً: إيران مترددة وصامتة، حتى في تعاملها مع إسرائيل، ولا تزال تعد بالرد لكنها في الواقع متكتّمة على المدى الاستراتيجي. من المرجح أن تكون لهذه المواقف علاقة بقدراتها النووية والحفاظ على استقرارها الداخلي. أما حزب الله فقد دبّ فيه الضعف وفقد توازنه. ورغم محاولاته لإعادة تجميع صفوفه وإعادة تشكيل قيادته، فإنه في حالة منهكة ولن يشارك في اشتباك مع إسرائيل في سوريا. أما روسيا، فهي مشغولة في حربها مع أوكرانيا، وكان دعمها للنظام السوري دائماً استراتيجياً وليس عضوياً. ستواصل روسيا التعاون مع أي طرف، تماماً كما تفعل الدول الأخرى، لكنها لم تكن يوماً معادية لإسرائيل.
وأخيراً، إننا نعيش في الواقع المعاكس للدور الذي كان يلعبه النظام السوري السابق في محور المقاومة. بعد عام ١٩٨٢، توقف النظام عن كونه وكيلاً نشطاً ضد إسرائيل، وبدلاً من ذلك أصبح ممكّناً للمقاومة عبر حزب الله. وفي حرب ٢٠٠٦، كان بإمكان إسرائيل أن تحقق نتائج أفضل لولا الدعم اللوجستي الذي قدمته سوريا لحزب الله. كان العمق الاستراتيجي والجغرافي، فضلاً عن الثبات الإيديولوجي، كل ما احتاجت سوريا للحفاظ عليه في العقود الأخيرة. ولكن هذا أصبح الآن جزءاً من الماضي، ولا توجد إشارات تدل على إمكانية إعادة إحيائه في المستقبل القريب.
لقد أدت العمليات المتتالية لتدمير الدول العربية التي كانت تشكل تهديداً غير متسق، أو حتى التي لم تكن صديقة للولايات المتحدة وإسرائيل في الربع الأخير من القرن الماضي، إلى إضعافها أو دفعها إلى حروب أهلية منهكة (دون أن يكون التدخل وحده هو السبب، فالدول الإقليمية تواجه مشاكلها الخاصة). اليمن وليبيا والصومال والسودان ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق أصبحت بلا أنياب أو بلا أسنان على الإطلاق. فهل هذا في صالح شعوب المنطقة؟
لننتظر كي نشاهد كيف ستتطور الأمور، وما الذي ستفعله الدول الشجاعة المتبقية تحت زعامات مصرية وأردنية وسعودية وقطرية وإماراتية ومغربية وغيرها، لحماية نفسها وحماية الفلسطينيين/فلسطين، وردع توسع إسرائيل، وإعادة توزيع الثروات وتعزيز تقرير المصير. تذكّروا أن تتناولوا طعاماً صحياً وتحافظوا على لياقتكم لتراقبوا النتائج على المدى المتوسط.
[ترجمة لسلسلة منشورات عبر منصة X، أنجزها أسامة إسبر].