لاهاي عبد الحسين
(دار المدى، 2021)
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
لاهاي عبد الحسين (ل. ع.): هذا كتاب جمعتُ فيه عددًا من البحوث العلمية التي قمت بها ابتداءً من تسعينيات القرن الماضي، وحتى نهاية العقد الثاني من الألفية الجديدة، في مجال الجندر نظريًّا وميدانيًّا. ركّزت فيه على قضايا المرأة العراقية في ميادين متعددة. إنّه يمثل جزءًا جوهريًّا من عملي الأكاديمي كأستاذة في علم الاجتماع في كلية الآداب، جامعة بغداد.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(ل. ع.): بدأت بوضع الإطار النظري للموضوع من خلال مراجعة أهم النظريات التي تبلورت في ميدان دراسات المرأة. أعقبت ذلك بمحاولة بلورة وجهة النظر الدولية والعربية للتمييز بينهما. تناولت على سبيل المثال الإشكالية التي تعاني منها المنظمات النسائية العربية بسبب التضارب بين ما يهم هذه المنظمات لإيصال صوت المرأة، والموقف من الأنظمة السياسية الحاكمة التي تتطلب إطراءً لسياساتها وتبجيلًا لمواقفها وتغنيًا بدور قادتها المستبدين. شكّل مثل هذا التوجه عقبة جدية في طريق الارتقاء بقضايا المرأة وإيجاد حلول لمشكلاتها الأساسية.
(ج): ماهي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(ل. ع.): لعلّ أهم التحديات التي واجهتها أنني عملت بدون دعم مؤسسي، مادي أو معنوي. هذا باستثناء بحثين؛ توفر لي في الأول سيارة للوصول إلى قرية في الجنوب العراقي لإجراء المقابلات ومكافأة متواضعة، أنفقتها لشراء هدايا للمبحوثات لتطمين مشاعرهن وتشجيعهن على المشاركة ومساعدتي لمقابلة عدد من نساء القرية. كان ذلك من قِبل الاتحاد العام لنساء العراق مطلع تسعينيات القرن الماضي. وفي الثاني كُلّفت من قبل مكتب هيئة الأمم المتحدة في بغداد، وبالتعاون مع دائرة رعاية المرأة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لقيادة فريق عمل تكوّن من عدد من المشتغلات في الدائرة المذكورة. عمل هذا الفريق على إجراء المقابلات مع الناجيات المبحوثات في المناطق المتضررة بعد احتلال داعش لها. وكنت ألقيت عددًا من المحاضرات لتدريب الباحثات على العمل ومن ثم القيام بتفريغ النتائج وتحليلها والكتابة عنها.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(ل. ع.): هذا كتاب في مجال دراسات المرأة من وجهة نظر سوسيولوجية. أعتقد أنه يشكّل إضافة مهمة لدراسات المرأة في العراق من حيث الاهتمام بالجوانب المنهجية والنظرية.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(ل. ع.): أستطيع أنْ أصفه بأنه ضم مجموعة مهمة من الدراسات العلمية التي قمت بها كأكاديمية في مجال دراسات الجندر من وجهة نظر سوسيولوجية. أتخصص في دراسات التنظيم مع التركيز على قضايا الجندر في العالم العربي، وعليه، فإنه يمثّل تجسيدًا والتزامًا علميًّا وأدبيًّا بما تأهلت إليه.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأملين أن يصل إليه القراء؟
(ل. ع.): يتوجه هذا الكتاب إلى الباحثين والباحثات المهتمين بدراسات المرأة في العراق والعالم العربي. ويوفر فرصة ممتازة لطلبة الدراسات العليا للاطلاع على نمط الكتابة إلى مجلات علمية عربية محكمة. وهو بالتأكيد يهمّ كل الراغبين في الاطلاع على دراسات علمية تتميز بالجدية والرصانة العلمية.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(ل. ع.): لدي كتابان قادمان تحت الطبع. يضم الأول الدراسات الاجتماعية العامة التي قمت بها في العراق فيما يتعلق بتطور علم الاجتماع كفرع مهم من فروع المعرفة العلمية. ويضم الكتاب أيضًا دراسات حول منهجية عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي، ومراجعة نقدية لإرثه العلمي. كما تناولتُ فيه جوانب من المشكلات القائمة في العراق على صعيد حقوق الإنسان، والمشاركة في الانتخابات النيابية، والتحول الديمقراطي، إلى جانب التحديات التي فرضتها العولمة والطائفية في المجتمع العراقي من خلال دراسات ميدانية. أما الكتاب الثاني فضم ما يزيد على 150 مقالة نشرتها في صحيفة المدى العراقية التي تقع ضمن علم اجتماع الحياة العامة (Public Sociology) . تناولت فيها قضايا تخص الشأن العام.
مقتطفات من الكتاب
ساهمت كثير من الدراسات والإنجازات المهمة في مجال علم اجتماع المرأة بالتعريف بهذا الميدان النشيط والآخذ في التصاعد. بيد أنّ الحاجة لا تزال قائمة على مستوى التعريف بواقع الحال فيما يخص قضايا المرأة ومشاكلها المتعددة. لم يعد كافيًا الحديث عن مشاكل النساء كحزمة واحدة. فقد صار واضحًا أنّ هناك الكثير من الزوايا التي يمكن أنْ ترصد من خلالها مشاكل النساء وقضاياهن المتعددة كشرائح مستقلة، تضم الحضريات والريفيات، والمتعلمات وغير المتعلمات، والناشطات وغيرهن، إلخ. يأتي هذا الكتاب الذي جمعتُ فيه ما أنجزته من دراسات علمية نظرية وميدانية من وجهة نظر سوسيولوجية لتسليط الضوء على الجوانب المتعددة من حياة النساء في العراق.
التنمية والنساء في البلدان النامية
لم يحصل حتى مطلع الستينيات من القرن العشرين، أنْ ظهر اهتمام علمي واضح بدراسة قضايا المرأة في البلدان النامية، إلا أنّه وبعد ذلك التاريخ، أظهر عدد من الاجتماعيين والمتخصصين في فروع العلوم الاجتماعية والسلوكية الحديثة[1] اهتمامًا بذلك، ما أدى إلى تطوير خلاصات فكرية ونظرية مهمة في هذا الميدان. ساعد ذلك التوجه أيضًا على تطوير استراتيجيات منهجية لا تقل أهمية عما سبقها من محاولات. لم يأت ذلك من فراغ بلا شك. فقد توفرت أسباب كثيرة منها: اشتداد مطالبة الحركات والمنظمات النسائية الوطنية والدولية، بضرورة توجيه الاهتمام للمرأة وقضاياها الإنسانية العادلة. ورغبة من الباحثين، في هذا الميدان، للتحقق من مدى احتمالات تكرار تجارب نساء المجتمعات الصناعية المتقدمة في البلدان النامية. هذا إلى جانب الشعور لدى البعض بكون التنمية عملية ذات خصائص قياسية معلومة يمكن دراستها، وبالتالي تعقب آثارها في مختلف بلدان العالم بطريقة محايدة علميًّا.
ولعل واحدة من أهم الخلاصات الفكرية في هذا المجال[2]، هي أنّ تجربة النساء في البلدان النامية لا تشبه بالضرورة تجربة النساء في البلدان الصناعية المتقدمة. ويصدق هذا بصورة خاصة، على الاعتقاد الذي شاع بادئ ذي بدء، في أوساط المتخصصين والمهتمين بشؤون النساء في البلدان الصناعية المتقدمة، من أنّ للتنمية آثارًا إيجابية ترتبط بتمكين النساء من تحقيق المزيد من التحرر والتقدم على طريق تأكيد الحضور الذاتي والاجتماعي والثقافي في المجتمع.
لقد شجعت الدراسات التي أُجريت لتقصّي أوضاع النساء في البلدان النامية على توفير قناعة مختلفة، هي ضد كل ما عُدّ إيجابيًّا وطبيعيًّا وتلقائيًّا ومتوقعًا[3]. ساهمت التنمية في البلدان النامية بإحداث تحولات بنائية تركت آثارًا تختلف عن تلك التي أحدثتها التنمية في البلدان الصناعية المتقدمة. فقد ارتبطت التنمية في البلدان النامية بانتشار ظواهر احتدام الصراع، وانعدام الاستقرار والمقاومة والتغيير.
ولتفسير ردود الفعل السلبية هذه، عزا العديد من المختصين والمهتمين[4] انتشار هذه الظواهر إلى التجربة المريرة والقاسية التي خبرتها شعوب البلدان النامية، في مواجهة الاستبداد والقهر الداخلي، والضغوط والنزعة إلى الهيمنة والاستغلال الذي مارسته الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات من خارج الحدود الوطنية.
ركز بعض الباحثين على مسألة التوزيع غير العادل للامتيازات الاقتصادية والتعليمية والتوظيفية، بين الشرائح السكانية في المجتمع، ما أدى إلى خلق سلسلة من المشاكل الجدية، وهدر أو تجميد الكثير من الطاقات البشرية الكامنة، ولا سيما في البلدان التي تميزت بتزمّت أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكان من نتائج ذلك أنْ ظلّت الأغلبية من السكان في حالة فقر مدقع، فيما استمرت الأقلية المختارة منهم تعيش حالة من الغنى المفرط.
ويمكن أنْ نضيف إلى ذلك الفجوة الثقافية والاجتماعية الواسعة التي ظلت قائمة بين سكان المناطق الحضرية وسكان المناطق الريفية. هذا فضلًا عن ضعف الصلة بين الحاكم والمحكوم، وانعدام الرغبة الصادقة لدى أغلبية حكومات البلدان النامية في إشراك مواطنيها باتخاذ القرارات السياسية، أو حتى بإطلاعهم على ما تنوي الحكومة اتخاذه من إجراءات.
وهناك عدد من الباحثين والمتخصصين الغربيين[5]، الذين استهدفوا الإسلام على وجه التحديد، وعدَّوه واحدًا من العوامل المعيقة للتغيرات الإيجابية في بلدان العالم الثالث، وفي العالم العربي بصورة خاصة. أسّس مثل هؤلاء الباحثين نظريتهم هذه على أنّ بعض رجال الدين، قاوم، في النصف الأول من القرن العشرين، عملية التنمية أو التحديث الاجتماعي، وربطوا ذلك بالدين الإسلامي، وكأنّه دين لا يشجع العلم ولا يدعو إلى البحث عن سبل التقدم الثقافي والاجتماعي، ولا يريد نشر العدالة والمساواة بين الناس.
هوامش
[1] Lerner, Daniel, The Passing of Traditional Society: Modernizing the Middle East, with the assistance of Lucille W. Pevsner and an introduction by David Reisman (London: The free Press of Glencoe Collier-Macmillan Limited, 1958).
[2] Berger, Morroe, The Arab World Today (New York: Doubleday Company, 1962).
[3] Sharabi, Hisham, “Nationalism and revolution” in the Arab World, the Middle east and North Africa: New Perspectives in Political Science (New York: D. Van Nostrand Company, Inc., 1966).
[4] Dangler, Jan C. “Turkish women in the Ottoman Empire: the classical age”, pp. 229-244 in Women in the Muslim World edited by Lois Beck and Nikki Keddie (Massachusetts: Harvard University Press, 1982).
[5] Beck, Lois and Nikki Keddie (ed.) “Introduction”, pp. 1-34 in Women in the Muslim World, edited by Lois Beck and Nikki Keddie (Massachusetts: Harvard University Press, 1982).