[ديلان سابا محامٍ في مؤسسة فلسطين القانونية، حيث يقدم المشورة للمدافعين عن حقوق الإنسان في فلسطين بشأن عدد من القضايا، مثل انتهاكات حرية التعبير، والتمييز في التوظيف، والتنمر، والإجراءات التأديبية. كما أنه محرر مساهم في Jewish Currents].
ما الفرق بين البنية والحدث؟ أود أن أفترض أن هذا سؤال جيولوجي، أو بالأحرى، أن الجيولوجيا تكشف أن هذا ليس سؤالًا حقيقيّاً.
هناك أشياء تبدو وكأنها بنى، ولكن عند فحصها من كثب، يتضح أنها أحداث. لنأخذ على سبيل المثال الجبال. في لحظة معينة، وفي عمر معين، الجبل هو بنية: كتلة ضخمة، صلبة، وثابتة في بيئتنا. ولكن الجبال تتشكل نتيجة تصادم الصفائح التكتونية، والأرض التي تتجعد وتلتف مع اصطدام كتل ضخمة من الأرض ببعضها البعض. في الزمن الجيولوجي، الجبل هو حدث، تصادم لأجسام في حالة حركة.
هناك أيضًا أشياء تبدو لنا كأحداث، لكنها لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً إلا على أنها نتاج قوى بنيوية. الزلزال: اهتزاز كل شيء، حدث نقي من الاحتمالات التي لا يمكن التنبؤ بها، يبدو وكأنه يأتي من العدم. لكننا نعلم أن الزلازل لا تأتي من العدم – إنها إطلاق للطاقة نتيجة للصفائح التكتونية التي تكون في علاقة بنيوية متشابكة، وتتراكم فيها الضغوط مع مرور الوقت حتى يتم تجاوز عتبة كمية معينة، مما يؤدي إلى حدوث تحوّل نوعي كبير.
نقول إن النكبة هي بنية. النكبة هي الكلمة العربية التي تعني "كارثة"، ولها معنى محدد للفلسطينيين: فهي تشير إلى نزع الملكية الذي سببه المشروع السياسي لإنشاء دولة قومية يهودية على أرض فلسطين التاريخية، ويعدّ حدثاً جوهريّاً في الفكر الصهيوني. لكن هذا النزع يتشكّل من خلال أحداث معينة في أوقات معينة: 1948، 1967، 2023.
الغرض من وصفها بأنها بنية هو ليس فقط تسمية الأفعال العنيفة المحددة، بل أيضاً تسمية الضغوط التي أنتجتها. وما هي هذه الضغوط؟ بكلمة واحدة: الاستعمار. الاستعمار الذي يتمثل في غزو العالم الغربي المزعوم للأراضي غير الغربية، واستخراج الموارد الطبيعية والعمالة، وفرض التسلسلات الهرمية العرقية لتبرير كليهما، واستمرار تلك التسلسلات في التكاثر لتتحول إلى أشكال متنوعة من الفاشية. حكم الغرب على بقية العالم، والذي نضج إلى نظام عالمي إمبريالي تحت رعاية مركزه المالي والعسكري، الولايات المتحدة. التدفق الحر لرأس المال والحركة المقيدة بصرامة للشعوب المضطهدة.
النقطة ليست في التمييز بين الأسباب والنتائج – فهذا سيعيد إنتاج التمييز الخاطئ بين البنى والأحداث – بل في إظهار أن تجمع القوى الذي تتدفق من خلاله الأسباب والنتائج ليس سوى الحداثة ذاتها.
هذه هي معضلة فلسطين: حالتها هي حالة العالم الحديث. الاستعمار أنتج الصهيونية ويعيد إنتاج نزع ملكية فلسطين. وهذا ليس شذوذاً: فالاستعمار لا يزال يشكل بنية النظام العالمي، ومن منظور الحداثة، يجب أن تبقى إسرائيل ويجب أن تنتصر. هذا هو الدرس المعتمد للتاريخ الحديث: لا ينتصر السكان الأصليون، وإذا انتصروا بطريقة ما، فإنهم في الواقع قد خسروا، بل وخسروا مرتين. هذا المنظور يمكن أن يحتوي على مشاعر متعددة: ربما تكون حداثة مجيدة، وربما تكون مأساوية، وغالباً ما تكون مزيجاً من الاثنين. من منظور الحداثة، يمكن الامتعاض من الاستعمار، لكنه لا يُعارض أبداً.
كيف يعارض المرء العالم؟ هذا هو السؤال الذي طرحه الفلسطينيون الثوريون – في الواقع الثوريون في كل مكان – لأجيال. ومع خطر الخلط بين الاستعارات، أود أن أقدم طريقة أخرى لتصور العلاقة بين البنية والحدث، وهي العلاقة بين الجملة وتعبيرها. البنية هي شكل المحتوى، كيفية ترتيب الكلمات وترابطها. ومع ذلك، لا يمكن أن يُنقل المعنى إلا عبر الزمن، من خلال تجربة الجملة التي يتم سماعها أو قراءتها كتسلسل زمني من الكلمات. الجملة هي بنية وحدث في آن واحد. وإذا كانت الحداثة جملة، فإن فلسطين، وكل الشعوب المستعمَرة، هم من تم الحكم عليهم. نحن نشهد حكمهم، إدانة لهم. أليس من المفارقة أن يُطلب منا إدانة الفلسطينيين؟ أليسوا مدانين بالفعل
إذا كان النضال الفلسطيني نضالاً من أجل التحرير، فهو إذن نضال لتدمير العالم، لتحطيم الجملة إلى شظايا، ولشق الأرض أيضاً، وللبناء من هذه الشظايا، سواء كانت لغوية أو ترابية، جسراً نحو المستقبل: عالم جديد، بمعانٍ جديدة – بنيات جديدة يتم التعبير عنها من خلال أحداث جديدة.
الأدوات التي نمتلكها لولوج هذا العالم الجديد محدودة. أداتي الأساسية هي القلم، بالنسبة للآخرين قد تكون الفرشاة، ولآخرين ربما قاذفة صواريخ. لقد طُلب مني التحدث عن القانون – فأنا محامٍ بالمهنة – وأقصى ما يمكنني قوله عن القانون هو أنه أحد هذه الأدوات. وكغيره من الأدوات، هو نفسه محدود بالضغوط التي أنتجته. لقد تم تصميم النظام القانوني الدولي الحديث وإطاره المؤسسي لدعم النظام العالمي الاستعماري وإضفاء الشرعية الأخلاقية على الهيمنة الأوروبية-الأمريكية.
وهكذا، فإن الطريقة الوحيدة لاستخلاص عدالة حقيقية وثورية من القانون هي تحريفه، توجيهه ضد نفسه. هل يمكنك أن توجه حكم ضد نفسه؟ هل يمكنك توجيه العنف ضد نفسه؟ يسأل الثوري، والتاريخ يجيب.
قبل عدة أشهر، حاولنا تحوير القانون. كانت محكمة العدل الدولية قد أمرت إسرائيل بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى قطاع غزة، الذي يعاني من الحصار العسكري، حيث يواجه سكانه الجوع والهجمات المسلحة الوحشية من قوات الاحتلال. لكن الولايات المتحدة منعت أي تنفيذ لهذا الأمر في مجلس الأمن. قادمون من جميع أنحاء العالم، انضم عدد من العاملين في المجال الإنساني والمحامين والنشطاء والصحفيين، بمن فيهم أنا، إلى ائتلاف أسطول الحرية في محاولة لتنفيذ القانون بأنفسنا. قمنا بتحميل عدة سفن بأكثر من 5000 رطل من الطعام والماء والدواء، واستعددنا لمواجهة الجيش الإسرائيلي الذي كان يخطط للإغارة على سفينتنا. لكننا لم نتمكن من الإبحار. من خلال التخريب الدبلوماسي، نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في منع مهمتنا. لقد فشلنا، وما زالت جملة فلسطين قائمة حتى الآن.
لكن الحداثة لا يمكن أن تدوم إلى الأبد، والأزمات التي نراها في كل مكان من حولنا هي إشارات مهمة على أن العالم الجديد يتقدم في العمر بسرعة. كيف نوجه هذا الانتقال إلى ما سيأتي لاحقاً – أي الثورات التي ندعمها، وأيها نعارض – سيحدد بقية حياتنا. شكراً لكم.
[ترجمة: تهاني فجر].