خرافات إقتصادية في خدمة الثورة المضادة [Economic Myths in the Service of the Counter Revolution]

[Egypt`s Stock Market. Image by Mohamed Abd El Ghani, Reuters] [Egypt`s Stock Market. Image by Mohamed Abd El Ghani, Reuters]

خرافات إقتصادية في خدمة الثورة المضادة [Economic Myths in the Service of the Counter Revolution]

By : Wael Gamal وائل جمال

يحذرنا هؤلاء بعلو الصوت: مالم تتوقف الاعتصامات والاحتجاجات "التي تأخذ شرعيتها من معتصمي التحرير"، فإنه الدمار الاقتصادي الكامل: ستتوقف المصانع والأعمال ولن يتلقى العمال والموظفون أجورهم وستصير كارثة. ويعمل هذا التحذير-التهديد، الذي صرنا نسمع صيغا متعددة منه من سياسيين ورجال أعمال وإعلاميين من أنصار "تقديس الاستقرار" أيا كان، عمله على مستويين: الأول إثارة حالة من الذعر بين  المواطنين فيما يخص توفر السلع الغذائية على وجه الخصوص، ومن ثم خلق مركز ثقل سياسي يرفض الاحتجاجات الاجتماعية كعمل "تخريبي للاقتصاد". أما المستوى الثاني وهو الأهم، فهو وأد مطلب أساسي للثورة هو :العدالة الاجتماعية، وهو مطلب تنفر منه مصالح وأرباح كثيرين.

والأكيد أن فزاعة انهيار الاقتصاد ليست إلا مناورة سياسية. إذ أننا نمر بواحدة من تلك اللحظات في تاريخ الشعوب التي تصطف فيها الفئات والطبقات الاجتماعية وراء متاريس مصالحها المتناقضة، مستخدمة في ذلك كل الأدوات وعلى رأسها الدعاية، وفي هذه الحالة دعاية تقوم على خرافات ومبالغات جامحة.

"نحن نأكل من لحمنا الحي"، هكذا كان رئيس الوزراء المقال أحمد شفيق يصرخ في البرنامج التليفزيوني ليلة الإطاحة به –ليلة الأربعاء الماضي-، محذرا من أزمة في السلع الأساسية خلال "شهر أو شهرين".  وغني عن البيان أن هذا التقدير "المسيس"، يتناقض مع تقديرات هيئة السلع التموينية ووزيرة التجارة في حكومة شفيق نفسه، قبلها بأسابيع قليلة. إذ أكدت لنا الوزيرة سميحة فوزي وبالأرقام أن مخزون القمح لدى مصر يكفي 3 أشهر ترتفع إلى 6 أشهر بالتسليمات التي تعاقدت عليها مصر بالفعل والتي تصلنا ابتداء من مايو. ولم تنس الوزيرة، ومن بعدها الهيئة، أن تشير إلى توافر كميات هائلة من السكر وكافية من الزيوت وغيرها تكفينا لأشهر. وما الذي يمنع الحكومة من تأمين هذه الاحتياجات في المستقبل؟ (وأغلبها في كل الأحوال، وبفضل الاستقرار الاقتصادي ما قبل الثورة، نستورده من الخارج).

أما عن توقف المصانع عن العمل فلا توجد إحصاءات رسمية أو حتى موثقة عن ذلك، لكنني سأفترض أنها ظاهرة تهدد إمداد الأسواق بالسلع، فالسؤال هو: من المسئول عن ذلك؟ فمعلوماتي أن النسبة الكاسحة من الاحتجاجات الاجتماعية، التي شهدتها مصر مع ثورة يناير، تمت في منشآت أو مصانع أو شركات حكومية أو مملوكة للدولة. وفي الحالات التي استجابت فيها الإدارة كما حدث مع عمال المحلة بإقالة المفوض الفاسد المعادي للعمال (وياله من مطلب فئوي جشع فعلا)، عاد العمال للعمل واشتغلت الماكينات. إذاً المشكلة الحقيقية قد لا تكون في الاحتجاج ذاته، ولا في الوضع الأمني كظاهرة عامة، وإلا كيف تعمل مصانع الدولة دون مشاكل. المشكلة هنا إن وجدت هي فيمن يتخذ قرار الإغلاق وإيقاف العمل وأسبابه في ذلك.

في الثورة الأرجنتينية التي بدأت في ديسمبر 2001، وأطاحت بحفنة من رؤساء الجمهورية خلال أشهر، (إذ لا فرصة في الثورة لمن يظهر بوضوح أنه يعمل ضدها، والجماهير تعرف من معها ومن ضدها سريعا)، كان المفجر أزمة اقتصادية طاحنة أنهت سنوات من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تعلي شأن الاقتصاد، بمعنى مصالح القلة من أصحاب الأعمال على الناس. وكان من نتائج هذه الأزمة تجميد الحسابات البنكية للمواطنين، بينما أغلق العديد من رجال الأعمال مصانعهم بفعل الأزمة الاقتصادية. في هذه الحالة كان المتسبب في غلق المصانع والفوضى الاقتصادية هو أزمة رأسمالية وفي أرباح أصحاب الأعمال وكان على الجماهير أن تدفع الثمن. لكن ثورة الأرجنتينيين ابتدعت أسلوبها الخاص بحركة شعبية ضمت عشرات الآلاف من العمال بإعادة فتح المصانع رغما عن أصحابها (بأحكام قضائية)، وإدارة العمل فيها ذاتيا لإمداد الأسواق باحتياجات الناس.

إيقاف المصانع بقرار من أصحابها هو إجراء سياسي كلاسيكي في الثورات عندما يرى بعض هؤلاء أنها تهديد لمصالحهم، كما حدث في تشيلي في 1973 عندما كان رجال الأعمال والجيش والمخابرات الأمريكية صفا واحدا ضد الرئيس المنتخب شعبيا سلفادور ألليندي، الذي سقط بفعل حصار فرضته شركات النقل على العاصمة، منع عنها السلع الغذائية، مهد لانقلاب عسكري سافر.

برغم أن ارتفاع الأسعار هو من موروثات النظام القديم بامتياز، يستخدم أنصار العودة للمنازل هذه الفكرة للتأكيد على أن هناك كلفة هائلة للاستمرار في الثورة. والحقيقة أنه إذا أسقطنا خرافة الندرة فإن ما يتبقى من فكرة خطر التضخم وارتفاع الأسعار هو داع أكبر لاستمرار الثورة.

فالسبب الأول المحتمل لارتفاع الأسعار هو السوق العالمية. وقد ارتفع مؤشر منظمة الفاو لأسعار السلع الغذائية في فبراير لأعلى مستوياته منذ إطلاقه عام 1990. هذه حقيقة ستؤثر على الأسعار المحلية بلا شك، خاصة وأننا نستورد أغلب غذائنا من الخارج. لكن إجراءات ديمقراطية قانونية ضد احتكارات الاستيراد، التي تسمح بارتفاع الأسعار المحلية مع العالمية ولا تسمح بانخفاضها حين تنخفض، ستؤدي إلى تخفيف أثر هذا التضخم المستورد. هذا بالإضافة إلى الاحتكارات الداخلية في الأسواق التي تمتد من الحديد والأسمنت إلى الألبان وغيرها.

تحتل فكرة انهيار البورصة المحتمل بسبب الثورة واستمرار الاحتجاجات مكانة أساسية لدى أنصار إيقاف حركة الناس. وتستند الفكرة على جبن رؤوس الأموال، خاصة الأجنبية منها، وأن هذا الوضع يؤدي إلى إعادة تقييم ترفع من كلفة المخاطر فتهرب الأموال من السوق مسببة إنهيارا في أسعار الأسهم.

والحقيقة أن هذه الفكرة على صحتها تبالغ بشدة في دور البورصة في الاقتصاد. البورصة أداة لتسهيل التمويل عبر الاقتراض والاقراض بما يخدم الاقتصاد الحقيقي في النهاية. هذا هو دورها الحقيقي الذي يجعلها مرآة للوضع الاقتصادي. أما فقاعة التبادل المالي والمضاربات فقد أثبتت الأزمة المالية العالمية خطورتها البالغة على الشركات والاقتصاد والرأسمالية أولا ثم الأجور والبطالة ومستويات المعيشة بل وميزانيات الدول ثانيا.

ويجدر بنا هنا أن نعيد ما كان أنصار الاقتصاد أولا يقولونه إبان الأزمة المالية العالمية التي أنهت مسيرة البورصة المصرية الصاعدة بالقول إن أساسيات الشركات المصرية ممتازة وبالتالي فإن تقييمها لن يلبث أن يرتفع، وإنه إذا لم يقم المستثمرون بالبيع فإن الخسائر تبقى دفترية على الورق، ومن ثم ما أن يتضح أي من الشركات مبني على أداء اقتصادي سليم ستعاود الأسعار الارتفاع لتعكس التقييم الحقيقي لأصولها.

الأكيد هنا أن بعض الشركات ستتأثر مثلا بقضايا الفساد، إذ أن بعضها كان مرءوسا من قبل رجال أعمال كانوا في قلب النظام القديم وتورطوا بذلك في عمليات مشبوهة دفعت بهم وراء القضبان. لكن صدمة سياسية كتلك، والتي قد تكون مؤقتة إذا كانت الشركات قوية من حيث الأداء الاقتصادي قد تعني الخير كل الخير للاقتصاد الوطني ولعيش الناس. فإذا كانت الشركة مقيمة بأعلى من قيمتها فإن تراجع أسعار أسهمها هو تصحيح سوقي لابد منه في اقتصاد سليم. أما إذا كانت هذه الشركات مبنية على دعائم مالية واقتصادية سليمة، فإن استرداد حقوق الناس فيها، لن يلبث أن يعود بالمنفعة على الاقتصاد القومي، ومن ثم على حياة الناس عموما سواء كانوا مستثمرين في البورصة أم لا.

يقدر مكتب النائب العام حجم الثروات المنهوبة لدى مسئولي الدولة ب 500 مليار جنيه، وهو رقم هائل نسبة إلى حجم الناتج الإجمالي للاقتصاد كله في عام كامل. ماذا لو استردت الخزانة العامة نصف هذا المبلغ ووظفته في صالح الناس؟ أليست خطوة كتلك أفضل باعث للنشاط الاقتصادي ولثقة الاستثمار الأجنبي ومن ثم أداء الأسهم المصرية وبورصتها؟

تجمع 3 تقارير عن الاقتصاد المصري بعد الثورة أصدرتها بنوك استثمار بلتون وفاروس واتش سي على أن الآثار المحتملة على الاقتصاد والبورصة ستكون بالأساس على المدى القصير. وبينما يؤكد تقرير بلتون أن الثورة قد تفتح الباب لانتعاش اقتصادي كبير وتدفقات هائلة للاستثمار الأجنبي في المستقبل، يعطينا بنك فاروس تصورا لسيناريو تعافي عميق بمجرد استقرار الأوضاع السياسية، بناء على التعافي الأمريكي وفرص الصادرات، وارتباط المخاطر هنا بالتغيير السياسي وليس أزمة اقتصادية عميقة كما كان الحال في نهاية التسعينيات وفي عام 2000. ومن المؤكد إن تفكيك الاحتكارات (كالحديد وغيرها) سيفتح الباب أمام مستثمرين عرب وأجانب لدخول سوق كان مغلقا أمامهم لحساب محاسيب النظام).

ويربط اتش سي بشكل أوضح بين السياسة (من زاوية مصالح من أثرتهم سياسات الليبرالية الجديدة في السنوات الماضية عبر الخصخصة وتحرير الأسواق وإعطاء الأولوية الاجتماعية لأرباح القلة) وبين المستقبل. ويقول اتش سي إن احتمال  "ظهور حكومة اشتراكية توقف الإصلاحات الاقتصادية ذات الاتجاه الليبرالي" سيكون له "نتائج اقتصادية سلبية على المدى الطويل".

في مقال له يوم الأربعاء الماضي بالفاينانشيال تايمز، يقول الكاتب الاقتصادي البريطاني مارتن وولف، إن الثورات العربية قد تؤدي إلى صدمة نفطية في الأسواق العالمية منهيا مقاله بتساؤل: إن المقايضة القديمة بين البترول الرخيص مقابل السماح بالديكتاتورية مناسبة لرأسماليات الدول المتقدمة، لكن هل هي مقبولة أخلاقيا أو حتى يمكن استمرارها سياسيا على المدى الطويل؟ ويلخص عنوان المقال إجابته "الحرية العربية تساوي أكثر من صدمة قصيرة". وفي الحالة المصرية فإنك إن ساويت الاقتصاد بمصالح الشركات الكبرى، فستحصل بلا شك على إجابة خاطئة من وجهة نظر اقتصاد الوطن، ومصالح أغلبية سكانه المنتجين. 

*عن صحيفة الشروق  

Firing Ibrahim Eissa From Al-Dostour Exposes The Reality Of The Wafd's New President

وأخيرا خلع السيد البدوي برقع الحياء بفصله إبراهيم عيسى وطاقمه من الدستور

 

وحدث ما كنا نتخوف منه ونتوجس حدوثه. فقد أقال بالفعل مجلس إدارة صحيفة الدستور إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الجريدة أمس، ووقع القرار كلامن رئيس مجلس إدارة الجريدة د. السيد البدوي (رجل الأعمال المعروف ورئيس حزب الوفد الذي يتم تلميعه منذ شهور) والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد (وهو وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد أيضا). وواجه صحفيو الدستور ذلك القرار على الفور باعتصام مفتوح بمقر الجريدة (بعد ساعات من صدور القرار)، وهو ما يعني دخول الجريدة في أزمة طاحنة لمدة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها. ثم تلى ذلك فصل كل أعضاء سكرتارية التحرير: شادي عيسي ومحمد فوزي، مساعدا رئيس التحرير، وعبدالمنعم محمود سكرتير عام التحرير. وهذا يعني أن ما تعرضت له الجريدة لا يقل عن مجزرة واسعة لاستئصال مراكز ثقل سياسة التحرير القديمة.

لا أظن أن هذا القرار فاجأ أحد، فمنذ أن أشترى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومعه مجموعة من رجال الأعمال الوفديين الجريدة من مالكها السابق ونحن نتوجس إزاحة إبراهيم عيسى عن الساحة ليهدئوا بذلك من وتيرة معارضة النظام ومحاربة التوريث التي كانت تنتهجها الدستور تحت قيادته. لكن ما فاجأني أنا شخصيا هو تنفيذهم لمخططهم بهذه السرعة، فكنت أتوقع أن يكونوا أكثر حصافة من ذلك. لكن يبدو أن السيد البدوي لا يبالي بأية حصافة فقرر خلع برقع الحياء بكل بساطة وبسرعة البرق. لماذا لم ينتظر بضعة أشهر قبل أن ينفذ مخططه، وهو ما كان سيكفل له الوقت اللازم للتغطية على أغراضه الحقيقية؟ هل وصلت له تعليمات أمنية بضرورة الاسراع في تنفيذ المخطط؟ هل يريد أن يغلق فم الدستور قبل الانتخابات التي ستشهد تزويرا واسعا للوفد؟ أم أن تحالفاته الجديدة لا تتحمل الحصافة أصلا (فمن المعروف عن رجال الأعمال أنهم يرهقون أنفسهم في تحقيق شيء غير ممكن)؟ 

للأسف ما قيل على صفحات الانترنت من أن سبب فصل إبراهيم عيسى هو اعتراض البدوي علي نشر مقال ما أو وجود خلافات بينه وبين إبراهيم عيسى بشأن المرتبات هو تفسير غير مقنع على الاطلاق، وضار جدا أيضا. فلا يمكن إقالة شخص بوزن إبراهيم عيسى من صحيفة كصحيفة الدستور (تدور كلها حول شخص إبراهيم عيسى) بهذه السهولة على خلفية خلافات عادية كهذه. وعلى الرغم من سخافة هذه تفسيرات نراها للأسف تقنع الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة. الثابت هنا هو أن البدوي يبيت النية لهذا القرار منذ اللحظة الأولى...تشير كل الدلائل إلى أنه أخذ قرار إسكات إبراهيم عيسى مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا كنا نتوقع أن يفعل ذلك. بل كان ذلك هو السبب الرئيسي والوحيد لشرائه الجريدة. لنترفع إذن عن التحليلات السخيفة التي لا تفعل أي شيء سوى تبرير القرار بالبحث عن أسباب <<معقوله>> و<<محترمة>> له، ولنبدأ جميعا من الاعتراف بأن البدوي فصل إبراهيم عيسى وطاقمه للتقليل من حدة الجريدة في معارضة النظام...كجزء من مخطط متعدد الخطط والأطراف يهدف لتهدئة الاحتقان في البلد وتسهيل عملية انتقال السلطة بشكل عام (برلمان، رئاسة، إلخ).

الهدف الرئيسي من وراء شراء رجال الوفد الصحيفة هو إغلاق أحد أهم أبواق المعارضة المستقلة في الدعاية ضد النظام وتوريث الحكم، ولهذا السبب يجري تلميع حزب الوفد وقياداته منذ فترة الآن. وذلك إنما يكشف أن السيد البدوي وحزبه لا يختلفان عن جمال مبارك وحزبه.

لكن يبقى السؤال: ماذا ستفعل المعارضة المستقلة تجاه ذلك؟ هل ستسكت على ما يفعله البدوي وحزبه بعد أن أثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من حملة تجفيف أقلام المعارضة المستقلة؟ هل ستظل تتعامل مع حزب الوفد على أنه من المعارضة، وتتعامل مع رئيسه على أنه معارض لامع؟ وهل ستستطيع المعارضة المستقلة فتح مساحات إعلامية وتثقيفية مستقلة في المستقبل؟ أين ستنشر أخبارها وآرائها؟

في كل الأحوال يشير قرار فصل إبراهيم عيسى بهذا الشكل الفج أننا على أعتاب فترة حرجة جدا ستضيق فيها المساحات المفتوحة أمام المعارضة المستقلة (وهي قليلة بالفعل) بشكل خانق وغير مسبوق، وأن التنكيل بالمعارضة المستقلة سيأتي من النظام وبعض مؤسسات المعارضة على حد سواء. إذا نجحوا في ذلك لا سمح الله ستختلف ساحة صنع الرأي العام في البلد بشكل مخيف. إقالة إبراهيم عيسى حدث مخيف ومؤسف جدا، وفيه تهديد مباشر لنا كلنا، ويجب أن نتعامل معه على انه كذلك. ولن يكون الأخير بكل تأكيد، بل هو بداية حملة للتقليل من المساحات القليلة المفتوحة أمام المعارضة، وملاحقة كتابها، صحفي صحفي. وتشمل هذه الحملة توسعة مساحة المعارضة المنضبطة، ولذلك تنوي الحكومة السماح لثلاث صحف جديدة بنشر إصدارا يوميا، وهم: <<الكرنك>>، جريدة هشام قاسم الجديدة (كان قاسم من أهم مؤسسي المصري اليوم)، و<<اليوم السابع>> ولها موقع إنترنت معروف وتنشر جريدة اسبوعية بالفعل، و<<الفجر>> جريدة عادل حمودة الأسبوعية. وهذا يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مضاعفة مساحة الصحافة <<المستقلة>> اسما والتضييق على الصحافة المستقلة فعلا.

لا أعلم إلى أين سينتهي إضراب الدستور، وما إذا كان سيفشل أم ينجح في الوصول إلى حل وسط ما. لكن حتى لو نجح في الوصول إلى حل وسط ستظل الخسارة كبيرة لأن هذا سيعني ان طاقم الجريدة سيعمل تحت التهديد المستمر. كما لا أفهم سر شماتة البعض في إبراهيم عيسى والدستور بسبب اختلافهم معه، فعدم تقدير فداحة هذا الحدث هو قمة الغباء السياسي. وأقول لهؤلاء: أنتم اللاحقون أيها البلهاء.