منذ بدء عملية الطوفان المقدس وحتى يومنا هذا، أو بعد ما يقارب ستة أشهر ومئات المجازر، والشعوب العربية التي تزعم أنها مع القضية عاجزة عن إحداث أي ضغط يُذَكر على الحكومات التي تزعم أنها ضد الحرب، مما يفسح المجال للكيان الصهيوني بارتكاب المزيد من جرائم الحرب ويزيد من قسوته، مطمئناً لسلام حدوده الشرقية والغربية.
هذا الحال الذي يرثى له، وما يعنيه من تفويت فرصة ذهبية وفّرها الطوفان لإضعاف الكيان الصهيوني، يبدو يوماً بعد يوم أنه حصاد لأفكار فاسدة واختيارات تعيسة من قِبل نسبة لا بأس بها ممن يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم. هذا في أحسن الأحوال. أما لو أسأنا الظن، فقد كشف الطوفان عن أقنعة المساندين وأصحاب القضية أكثر من كشفه عن بشاعة الصهاينة، فهي بشاعةٌ لم تخفَ ليومٍ عن جمهور المقاومة والقارئين للظروف السياسية دون تصديق أكاذيب بعض منصات الإعلام الخليجي التطبيعية.
ستنطلق هذه المقالة من إحسان الظن، وتدعو إلى إعادة النظر بعنقود من الأفكار أبطله الطوفان. يرتبط أحد الفروع بمسألة التطبيع التي أوصلت الشعوب لهذه المرحلة من الإذعان، والتعامل مع خطر وجودي على حدود بعضها كأنه قضية رأي عام، يقتصر العمل إزاءها على الجدال في مواقع التواصل الاجتماعي أو معاملة الحرب كأنّ رحاها تدور في آخر المعمورة، ومن المسموح التضامن معها فقط، كما يتضامن سكّان أقاصي الأرض، وربما أقل من ذلك. ولكي لا ننجر إلى المبالغة في مدح الجماهير الغربية التي تحمل أوزاراً صهيونيةً وتعمل حكوماتها على الدعم السريع للكيان وعلى تهديد وتدمير كل من يقف في وجه غطرسته، لنركز على الجماهير العربية التي لم تنل الصهيونية من عقلها. والتي بدأت متأخراً في تغيير الصورة ومضايقة الحكومات بالتدريج لتذكّرها بمطالبها الأساسية والمشروعة في كل الأعراف السياسية والأخلاقية، مثل مطلب وقف الحرب وعدم الاستكانة أمام كيان مختل مثل الكيان الصهيوني.
مراحل التطبيع
بدايةً بالتطبيع المصري-الأردني وهو التطبيع السياسي السياحي، حيث يشير التطبيع في الوعي العام إلى مسألة واحدة وهي التعامل مع الكيان الصهيوني سياسياً مثله مثل أي دولة طبيعية موجودة في المنطقة. جاء هذا المفهوم للتطبيع من مرحلته الأولية التي أنجبتها معاهدات السلام مع مصر ثم الأردن، وقد رُفِض شعبياً بوضوح وبرمزية على أيدي خالد الإسلامبولي وأحمد الدقامسة وغيرهما، ومن ثم اقتصر التطبيع بعدها على الساسة، واتخذ شكل سر مكشوف في القطاع السياحي. لم يتمكن الكيان من كبح سايكوباثيته مما يسمح للشعبين إعادة النظر في خطورته، واستمر الرفض الشعبي بالتزامن مع الوفاق الحكومي.
ومع أن هذه المرحلة الأولى وإن كانت مؤسفة مقارنة بالرفض الكلي للتطبيع من دول مثل لبنان وسوريا، فهي صارت أفضل من ألوان تطبيع جديدة تسللت إلى أذهان الشعوب في العقد الماضي وأدّت إلى حالة التخدير التي نعيشها اليوم، دون أي تحرّك عربي فعّال. ليس من الغريب تدرّج أنواع التطبيع لتسوء مع الزمن كما ستحاول هذه المقالة إثباته، وأظن أن هذه المراحل تنقسم إلى ثلاثة تتفاوت في رماديتها وتتقاطع مع بعضها.
المرحلة الثانية هي التطبيع القطري المستتر، إذ بدأ هذا التطبيع من التعامل مع كلام المتحدثين الصهيونيين بجدية، الأمر الذي عادة ما يُغلَّف بإفحام المتحدث الصهيوني بينما الأجدر هو عدم استقباله أصلاً. وتُرَوّج هذه المقاطع كي يتمتع المشاهد ويغفل عن غرابة الاستماع لعدوه، إذ يروق بالطبع لأي حُرٍّ مظهرُ الصهيوني وهو يتهزأ في أي سياق، لكن هذا العسل يأتي مع سم أُلفَة رؤية الصهيوني وسماع صوته وآرائه، وهذه حالة لا سابق تاريخياً لها، إذ لم تعمل أي دولة أو مملكة على استجلاب المتحدثين من دول معادية ونشر أفكارهم على شعوبها.
ولذا، لا يمكن فهم هذا القرار القطري إلا إذا أزحنا "عمى الأنوان" واكتشفنا أن العداء للكيان الصهيوني لا يعني قطر ونحن ما زلنا في جهالة نتعجب من تصرفاتها. ولو حاول أحدهم التعذر بالموضوعية الصحفية فهذا التطبيع لا يقابله أي نوع من الحصانة للمراسلين العاملين في القناة، إذ هم وعائلاتهم أهداف للاغتيال، أي أنها "موضوعية" من طرف واحد، وهذا يتعارض مع تعريف الكلمة.
قبل الانتقال للمرحلة الثالثة يجب توضيح أن كل مرحلة تشمل ما سبقها وتضيف إليه، أي أن التطبيع القطري يشمل أدواتاً مختلفة مثل التعاملات التجارية واستقبال السياح، كما كان واضحاً أثناء كأس العالم في 2022، ما يميزه حقاً هو الجانب الإعلامي والفكري، أي بث وتطبيع الأفكار التي تقرب من تقبل الكيان في الوعي العربي. فهذا الجانب لا مثيل له في المرحلة الأولى، أي أنك لن تجد متحدثين من الكيان الصهيوني في الإعلام الأردني، على الأقل حتى لحظة كتابة هذه المقالة.
المرحلة الثالثة هي التطبيع الإماراتي الفظ، وهو يختلف عن القطري والأردني والمصري بأنه تطبيع تم تصديره على أنه سياسي وشعبي وإعلامي على حد سواء، وجاء مع مظاهر مبتذلة للمحبة مع الكيان الصهيوني، مظاهر لا داعي لها حتى لو كانت المعاهدات تحاول تصفية القضية. قد يصعب قياس درجة قبول الشعب الحقيقية لأن الإمارات ليست منارة من حرية الرأي، كما أن أغلبية السكان هم وافدون تركوا بلادهم بحثاً عن الرزق، مما يدفعهم إلى التضحية بأي موقف سياسي فعّال ولذلك عليهم الاختيار بين التقية السياسية أو صرع التنافر المعرفي بقبول الرواية الرسمية.
المرحلة الأخيرة هي التصهين البواح وهو لا يصدر من دولة بعينها، وإنما ما يزال في بداياته، يصدر من حسابات عبر الإنترنت من عدة دول، معظمها ذبابي الطبع من حسابات وهمية ومؤتمتة، لكن بعضها يأتي مجاهرةً من أصحاب القنوات على الإنترنت، يتحدثون بوجوههم المشينة وأسمائهم الرباعية، هذا التصهين لا يخفي مدى حقده على الشعب الفلسطيني أو أيٍ من الواقفين معه، ويسعى لشيطنة كل أعداء الكيان وتحركاتهم مهما اتسمت بالسلمية كي تعقلن الحرب المباشرة معهم والبطش والتنكيل بهم. ويكرر هذا التصهين في حلّته العربية أكاذيباً تركها الكيان نفسه مثل أكذوبة بيع الفلسطيني لأرضه.
تبعات عاجلة وآجلة
هذا التصنيف العام من مراحل التطبيع يندرج تحته تفاصيل كثيرة، أظن أن بعض التفاصيل تستحق الذكر هنا حتى نتفادى خطورتها والأفخاخ ونتعمق بفهمها.
مع أن الشعبين يرفضون هذا النوع إلا أنهم لم يتنبهوا إلى أن سكونهم على مر العقود سوف يسمح للكيان الصهيوني غرس المزيد من أذرعه في حكوماتهم والقطاعات المختلفة مثل الطاقة والماء والأمن السيبراني، والتواطؤ الحكومي سيلتفت حول رفضهم الشعبي ويجعلهم في اللحظات الحرجة -مثل كل لحظة منذ انطلاق الطوفان إلى اليوم- مكبلي الأيادي. لأن هذا الرفض للكيان أخذ صورة سلبية بدلاً من محاولة القضاء عليه بشكل فعّال. أي أن الشعب المصري والشعب الأردني (من شتى المنابت) لم يخلقوا حراكاً مستمراً وفعّالاً لرفض التطبيع منذ توقيع معاهدات السلام، وحتى لو جاءت حراكات لاحقة بعد أن ترسخ التطبيع بالأذرع المذكورة فهي متأخرة جداً وإن كانت مشكورة.
كما أن السكون وتقبّل وجود الكيان مع العلم الكامل بما يقترفه من جرائم لم تتوقف في أي يوم أو ساعة، يعني أن الشعبين على الرغم من معرفتهم بمأساة القطاع منذ أكثر من عشر سنين، والحصار الأفعواني حوله، انتظروا إلى أن انطبق الحصار ليخنق أهل غزة وتداركوا الأمر تقريباً بعد فوات الآوان، بعد وقوع إبادة متكاملة الأركان من حصار وقصف وتجويع، ولم يكن الرد في كسر الحصار عنوةً عن الكيان الصهيوني وإنما اكتفت الحكومتان بالمجال الضيق الذي فتحه الكيان لهما على شكل إنزالات جوية، وحتى ذلك المجال الضيق استخدمه الكيان كدفاعٍ قانوني في محكمة العدل الدولية.
هذا التطبيع جعل الشعبين يعتبرون سكونهم قبل الحرب أمراً طبيعياً، وتعاملوا مع الحروب ضد القطاع دون التنبه لقرب مواقعهم وثقل دولهم الاستراتيجي. يبدو أننا اتكلنا على بطولات المقاومة وصمود غزة، مما زرع في قلوب الشعوب شيئاً من أسطرةٍ لغزة بدلاً من استيعاب الخطورة الواقعية بسبب تطبيعنا. والكلام هنا لم يكتب لجلد الذات وإنما للحث على إعادة النظر بآلية الرفض. على الصادقين من هَذين الشعبين رفضَ التطبيع بإعادة تعريفه، وهو ألا يكون وجود هذا الكيان طبيعياً أصلاً، وهذا يفوق التعريف السياسي. ويعني التنبه لأن الحياة لا تسير بشكل طبيعي بين جولات الحروب على غزة، وأن التجسيد لوحشية الكيان في مثل هذه الحروب ليست حوادث طارئة تسمح لكل من يسكن إلى جواره بالعودة إلى حياتهم الطبيعية بعد انتهائها. وذلك لا يعتمد فقط على اعتبار التحرك الرافض للتطبيع بأن هدفه نصرة غزة، وإن كان ذلك الهدف سامياً كافياً، بل هو من أجل مصلحة هذه الدول التي سوف تجني على نفسها عندما تتصرف كأن وجود كيانٍ بهذه الدرجة من الوحشية والعدائية أمراً طبيعياً.
هذا التعريف يجب أن ينجب حراكاً إيجابياً لرفض الكيان بما يتوافق مع التضاريس السياسية المحلية، المطلوب هنا ليس تحميلاً للأنفس فوق وسعها، من الواضح أن الحكومات المطبعة تنتهج السياسات التعسفية والاعتقالات وتخنق الحراك والتحدي هو في مواجهة أدوات هذا القمع بذكاء وتركيز على الغاية الأخيرة، وهي في مواجهة خطر هذا الكيان، وهي ليست مسألة إسقاط حكومات كما كان الأمر في بداية ما يعرف بالربيع العربي. وبهذا الرفض الفعّال لا يجوز أن تضع الشعوب ثقل المقاومة كله على أكتاف المحاصرين وتتباكى على خذلانهم أوقات الحسم. ولا يجوز أن تسمح للتطبيع بأن يتطور إلى فكرٍ كاملٍ يتغلغل في القرارات اليومية والتحليلات السياسية. بمعنى آخر، عندما ترفض هذه الشعوب السياسات التطبيعية وتتعرض للقمع عليها أن تجابه القمع من أجل مصلحتها الحاضرة والمستقبلية، لا أن تقبله كما يُقبَل القدر.
من أوجه الرفض السالب هي المقاطعة الاستهلاكية، ويجب التوضيح لأن السلبية هنا لا تعني السيئة وإنما هي صفة تشير إلى الامتناع عن فعل الشيء، مثل المقاطعة التي تعني الامتناع عن شراء السلعة. والمقاطعة ضرورية ولكن دون التقليل منها هي مسألة سهلة عندما يتعلق الأمر بالكثير من السلع، إذ لا يمكن لأي فرد التبجح بالامتناع عن شرب مشروب غازي معين أو الأكل من مطعم ما في ظل أي عقيدة سوى العقيدة الاستهلاكية البحتة. وهذا الامتناع عن استهلاك المنتجات العالمية يعود بالفائدة على الدولة وعلى الصناعات المحلية مما يعكس الحقيقة المذكورة سالفاً، بأن معاداة هذا الكيان يعود بالمنافع بشكل تلقائي.
في مقابل الامتناع يجب الإقدام على أفعال لرفض التطبيع، وعدم اعتبار المقاطعة الاستهلاكية كأنها تاج المقاومة، كما يجب التنبه لأن الجدالات القائمة حول المقاطعة تسعى لتضييع الوقت وتفريغ المقاومة من معناها، وأن هذه السخافات تحصل فقط في ظل التطبيع السياسي الذي يميّع التطبيع مع مرور الزمن، فلو كان الفرد في ظل حكومات ترفض الكيان أصلاً سوف يجد نفسه في إطار متكامل من السياسات التي ترفض التطبيع بكل أنواعه، ويعيش في الجبهة الأولى -وربما الوحيدة فعلياً- التي تحارب عقلية النظام العالمي الاستهلاكي الفرداني التي تحولنا لأتراس وبراغٍ في آلات المجازر سواء شئنا أم أبينا.
أما التطبيع القطري فهو ليس خطراً فقط لأنه يجعل النهيق الصهيوني مألوفاً، فذلك يمكن تحمله من باب معرفة العدو وعندما يكون القصد تفكيك السردية الصهيونية عبر مراجعة مصادرهم وقنواتهم في سرديتهم المحلية لا دعايتهم المزعومة. الخطر الحقيقي هو في ما يعنيه تواجد الكيان كأنه طرف طبيعي في المنطقة، إذ يساوي هذا التطبيع بين الكيان وبين أي طرف إقليمي آخر.
هذا الحياد بعينه هو التطبيع المستتر والخطوة الضرورية قبل الوصول إلى المرحلة الأخيرة المباشرة في فظاظتها، حين يصبح التطبيع معلناً ويُزَجُّ من يعارض سياسات العدو في السجون كأنما عارض سياسة الدولة التي يسكنها، وعندما يصبح الفكر والتعبير بهذه السطحية لا يعقل توقع أي فعل أو حراك يؤذي الكيان. في هذه المرحلة المتقدمة يُجبر المواطن العربي على الرضوخ لأكثر من حكومة في آنٍ واحد. وبما أن العقل البشري لا يتحمل التناقض فهو سيضطر عاجلاً أم آجلاً إلى البحث عن الأعذار وحياكة نظريات مؤامرة عجيبة توحد الأعداء.
هذه المرحلة الفظة من التطبيع هي ليست مرحلة منقطعة مفاجئة وإنما تطور طبيعي للمراحل السابقة ويصعب تصوّر الوصول إليها لولاهم، وقد أثبت الزمان أن السكوت عن مرحلة أولية لا يعني حصر التطبيع فيها وإنما السماح له بالنمو والتقاطع مع المراحل المتقدمة إلى حد الوصول لتطبيع عسكري كما حصل عند التصدي للضربة الإيرانية. كما أثبتت ردود الفعل الشرسة على المظاهرات السلمية في الأردن أن هناك تحالفاً بين المطبعين يتخطى الحدود، ويتطلب كف أذاه تحالفٌ من الرافضين للصهيونية. وعلى الرغم من مرارة مراحل التطبيع يجب التنبه لأن الحكومات العربية ما زالت تؤمن بشيء من الحقوق للشعب الفلسطيني، لكن مرحلة التصهين الكاملة قادمة ما لم ننتفض، ولأخذ لمحة عن سوء الخاتمة يمكننا أن نعتبر العالم الغربي "الكناري في آخر المنجم".
التطبيع غداً ما لم يتوقف
لا داعي للإكثار من الحديث عن خطورة الصهيونية المباشرة فهو واضح لمن له عقل، لكن يبدو أن الكثيرين ما زالوا في عقلية الربيع التي تعزل الأقطار عن بعضها كلياً، ولا يدركون وحدة المصير وأن التصهين بصورته المباشرة عندما تصلهم قد لا تأتي بالحرب المباشرة، فالبطولة في مواجهة الكيان محصورة على المقاومين على كل حال، وفي الحرب ضد الصهيونية شرف لا يناله من كان سقف تضحيته المقاطعة الاستهلاكية، ومن قزّم عالمه لأنه لا يجرؤ على غير المسلمين وصار المسلمون من طوائف مختلفة هم ألد أعدائه. بمعنى آخر قد يصله الدمار الصهيوني على شكل احتراب داخلي، وحتى لو لم يحصل ذلك وازدهرت الدول العربية وصارت مثل الدول الغربية العظمى فتلك الدول قد أثبتت أيضاً مع هذه الحرب أن المبادئ التي تدعو لها وأن عماد ديمقراطيتها وحرية التعبير فيها ينخره دود الصهيونية، إذ لا حرية في التعبير ضد الكيان، ولا اكتراث لآراء المصوتين عندما يتظاهرون في الشوارع ويضايقون الساسة أينما حلّوا.
في تلك المرحلة من التصهين تدخل عنصرية الصهيونية في صميم ثقافتنا مثل الحمض وتحرق التاريخ والحاضر والمستقبل، وتصهر الوعي، ويتصدر كل موضوع عام صهاينةٌ يتفاوتون في درجة تصهينهم لكنهم لا يتفاوتون في حقيقة تصهينهم، ليخطفوا الجدل ويقودوا أصحاب الآراء المختلفة عن كل المواضيع إلى حظيرة الصهيونية من أبواب مختلفة. ثم ليخبرونا بأن ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام ببني قريظة كان معاداة للسامية، وأن القرآن أيضاً يعادي السامية وأن لهم حق تاريخي في بلاد الشام والحجاز، ويخرج الشيوخ ليعيدوا تفسير القرآن، ومن يدري ربما لولا الطوفان لكانت هذه المرحلة الأخيرة وهي المرحلة السعودية، حيث يتمكن الصهاينة من جميع المقدسات لا من بعضها فقط. وفي تلك المرحلة تجبر الهيمنة الصهيونية كل مفكر يعادي هذا التيار لأن يبدأ كلامه وهو يقسم بأنه يرفض معاداة السامية قبل البسملة. فإن لم يفعل لا يؤخذ برأيه، وكذلك حتى نموت روحياً مع الكناري الغربي ونتعجب بجهالة عن سبب عقم الحراكات الشعبية أو المؤسسات العالمية التي كان أمامها ستة أشهر لوقف المجازر والفظاعات.
أخيراً قد يرد أحدهم بأن المسلمين لن يرضوا بتلك المرحلة، أدعوه لأن يفكر ملياً بقيمة رضا أو رفض الشعوب لأي شيء ما لم تنتفض اليوم، ما قيمة رفضنا حينها بعد أن رضينا بما هو أقبح من ذلك، بعد أن رضينا بأن يسفك الصهيوني هذا الكم من الدم على بعد رمية حجر.