(دار النهضة العربية، بيروت، 2024)
[عائشة أتيجي أرايانجان: باحثة وأكاديمية تركية مختصَّة في تاريخ الحركات الباطنية في الإمبراطورية السلجوقية].
جدلية (ج): كيف اخترت الكتاب وما الذي قادك نحوه؟
أحمد زكريا (أ. ز.): في الحقيقة لم أختر الكتاب، لكنني تحمستُ كثيراً له عندما عرضته عليَّ السيدة نسرين كريدية، مديرة دار النهضة العربية في بيروت، بسبب موضوعه المهم والشائك، لأنني قرأتُ أكثر من كتاب من قبل عن الفرقة التي عُرفت بـ"الحشاشين"، وكانت أغلب هذه الكتب تحتوي على معلومات متضاربة. وبعد أن قرأتُ الكتاب بالتركية وجدتُ أن المؤلفة، وهي باحثة مختصة في تاريخ الحركات الباطنية في الدولة السلجوقية، تتناول هذه الفرقة بعيداً عن روح الجمود الطائفي، وتوثق ما تورده بالعديد من المصادر العربية والأجنبية.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(أ. ز.): الفكرة الأساسية للكتاب هي محاولة تفنيد الأساطير المختلقة حول حسن الصباح والإسماعيليين، التي ما زالت تتردد حتى اليوم. حيث رُسمت لهم صورة غامضة وأسطورية، وكان تاريخهم، الذي يُروى بين الواقع والأسطورة، موضوعاً للأفلام والروايات. والذي يمكن القول إن أغلب ما يُروى عن هذه الطائفة خياليّ وبعيد عن الحقيقة التاريخية. وتأتي هذه الدراسة محاوَلةً لبيان حقيقة القصص المُلفَّقة التي تعلَّمها وقرأها وصدَّقها كثير من الناس، إذ تكشف الباحثة عن حقيقة الأساطير التي رُويت عن حسن الصباح، استناداً إلى الوثائق التاريخية. وتتطرق باستفاضة إلى شبكته الدعائية وهياكلها الاستخباراتية والتنظيمية. كما تجيب الدراسة على العديد من الأسئلة، مثل: هل كانت حديقة الجنة في قلعة آلموت حقاً؟ وهل كان الفدائيون يقفزون إلى حتفهم؟ وهل كان الهيكل الذي أسسه حسن الصباح دولة أم تنظيماً أم طائفة؟ وكيف تسللوا إلى الدولة والجيش السلجوقي؟ وما عقيدتهم وطرق مقاومتهم وولائهم؟ وهل كانوا يستخدمون الخشخاش؟ وما علاقتهم بالصليبيين؟ وهل كان حسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام أصدقاء؟
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والترجمة؟
(أ. ز.): الصعوبات في هذه الترجمة كانت في تتبع أسماء المصادر الأجنبية، وخصوصاً الفارسية، التي اعتمدت عليها الباحثة.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك في مجال الترجمة والإبداعية؟
(أ. ز.): أحب أن أشير هنا إلى أنني أعمل في الترجمة بشكل مشترك مع المترجمة التركية المستعربة ملاك دينيز أوزدمير، وأن هذا الكتاب هو محطة مهمة في مسيرتنا الترجمية البحثية، إلى جانب ترجمتنا للأدب، فهي دراسة مهمة بعد الدراسة التي أنجزنا ترجمتها العام الماضي، وصدرت عن مشروع كلمة بعنوان "وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين" للباحث التركي مراد أوزيلدريم.
(ج): من هو الجمهور المتوقع للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(أ. ز.): أتصور أن الباحثين المهتمين بتاريخ الطوائف الإسلامية سيهتمون بهذا الكتاب، إلى جانب القراء غير المختصين في هذا الموضوع، وخصوصاً بعد عودة الاهتمام بموضوع الحشاشين في الأشهر الأخيرة، بعد عرض المسلسل المصري عن هذه الطائفة في رمضان الماضي. إلا أنني أود أن أوضح هنا أن اتفاقي مع دار النشر على ترجمة الكتاب كان سابقاً لعرض المسلسل.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(أ. ز.): نعمل حالياً على ترجمة الأعمال الكاملة للروائي التركي المعاصر زولفو ليفانلي، وسوف تصدر تباعاً عن دار رشم في المملكة السعودية، إلى جانب كتاب آخر للباحث التركي مراد أوزيلدريم بعنوان "أم كلثوم والأتراك" يصدر عن دار مرفأ.
مقتطف من الكتاب: قوائم الاغتيالات المُعلَّقة في قلعة آلموت
كان الإسماعيليون يقضون معارضيهم بالاغتيال، ويعلَّقون قوائم المُغتالين على أسوار القلعة، وينظمون الاحتفالات بعد النجاح في عمليات الاغتيال المهمة، ولم ينسوا الثناء على الفدائيين. ولأن العمليات التي قام بها الفدائيون كانت لقتل القادة العسكريين والمدنيين من أعداء الإسماعيليين، المحميين من قبل العديد من الحراس، فإن فرص نجاة الفدائيين كانت منخفضة للغاية، ولذلك مُجِّدت هذه الأعمال باعتبارها أعمالاً بطولية. وكان الفدائيون الذين يقمون بهذه المهام، هم الشباب الذين أُشيد بشجاعتهم وتفانيهم من قبل الإسماعيليين النزاريين، وكانت تعلَّق أسماؤهم وقائمة المهام التي أنجزوها في مكان مرموق بقلعة آلموت والقلاع الأخرى وتُقام لهم الاحتفالات.
وقد قدَّم رشيد الدين فضل الله الهمذاني والكاشاني، مؤرخا تلك الفترة، قوائم اغتيالات الإسماعيليين النزاريين بشكل منفصل في أعمالهما. وفي هذه القوائم، كُتبت أسماء الأشخاص الذين قُتلوا واحداً بعد الآخر، وعدد الفدائيين الذين قاموا بالاغتيال، وفي أي تاريخ وبأي طريقة نُفِّذ الاغتيال. ويبلغ عدد رجال الدولة المذكورين في قوائم الاغتيالات 74 شخصاً من الوزراء والأمراء والقضاة والولاة والخلفاء من كلِّ طائفة. وبالإضافة إلى ذلك، وبحسب الكاشاني، فقد اغتيل نحو ثلاثين ألفاً من رجال الدولة في إيران وخراسان والعراق ومازندران وأذربيجان، وكانوا من الولاة والقضاة والأئمة وغيرهم. ومع ذلك، فمن المرجح أن العديد من الذين قيل إنهم قتلوا، وفقاً للكاشاني، قد قتلوا بالفعل على يد آخرين، واتُّهم النزاريون باغتيالهم. وبحسب المصادر التي أدرجت رجال الدولة المغتالين حسب وظائفهم، سنجد 10 وزراء، و24 أميراً، وملكاً، ومحاسباً، و7 قضاة، و3 علماء، و3 أئمة، وواليينِ عسكريين، وسلطانينِ، وخليفتينِ، وخادماً، وقاضياً، ونائباً، و3 رؤساء، و5 ولاة، و8 مفتين.
نجحت هذه الاغتيالات، باستثناء محاولة اغتيال السلطان بركياروق والوزير أحمد بن نظام الملك. وفي قائمة اغتيالات أخرى، ذُكر أن من بينهم 7 من السنة، و4 مسيحيين، و3 من الإسماعيليين الفاطميين، و2 دروز، وشيعي إمامي واحد. ولذلك، فإن ضحايا النزاريين لم يكونوا من السنة فقط، بل أيضاً من المسيحيين وأبناء الجماعات الشيعية الأخرى.
وكان الوزراء هم أهم فئة استهدفها حسن الصباح وخلفاؤه داخل الدولة السلجوقية. ولأن السلاطين السلاجقة قاتلوا الإسماعيليين في الغالب من خلال وزرائهم، فقد تم استهداف الوزراء بشكل مباشر. وفي الواقع، يظهر ذلك بوضوح في مثال نظام الملك الذي مارس العديد من الضغوط على الإسماعيليين. وإلى جانب نظام الملك، هناك وزير سلجوقي آخر قُتل، وكان وزيراً لسنجر، وهو الكاشاني. دخل الكاشاني في صراع جدي مع الإسماعيليين وأمر بقتل الإسماعيليين أينما قُبض عليهم، وبنهب بضائعهم وأسر عائلاتهم. وقد أرسل حسن الصباح، الذي لم يغض الطرف عن هذا الهجوم، اثنين من رجاله لاغتيال الوزير. تسلل الحراس إلى القصر بصفتهم سائسي الخيول في الاسطبل، وتمكنوا من كسب تأييد الجميع من خلال التظاهر بالتدين، وبدأوا في انتظار الوقت المناسب لاغتيال الوزير.
قاموا بطعن الوزير الذي دخل الاسطبل ليختار حصاناً يهديه للسلطان سنجر بمناسبة عيد النيروز، وهو يفحص الخيول (1127م). وبالمثل، قُتل فخر الملك، وهو وزير آخر لسنجر وابن نظام الملك، بخنجر أحد الفدائيين وهو يقرأ (1106-1107م). كما قُتل عبد الرحمن سميرمي، وزير زبيدة خاتون والدة السلطان بركياروق، بنفس الأساليب على يد إسماعيلي اقترب منه، وقُبض عليه عندما فشل في الهروب.
وبلا شك، فإن اغتيال أحمد بن نظام الملك، وزير محمد تابار، على يد بعض الفدائيين، كان بسبب رغبتهم في الانتقام من السلطان والوزير اللذين عادا من حملة على قلعة آلموت، وهجموا على الوزير بالخناجر. لكن الوزير نجا من هذا الهجوم مصاباً بجروح عديدة. وهناك وزير مهم آخر، وهو أبو الفضل، من بين الذين اغتالهم الإسماعيليون. وقد اغتيل نتيجة تعاون الدرجيزي والإسماعيليين، لأن أبو الفضل لم يرغب في أن يكون الدرجيزي، الذي كان متعاوناً مع الإسماعيليين النزاريين، وزيراً في العراق. وبحسب الروايات، تم تعيين أحد الفدائيين سائس خيول للوزير. وفي أحد الأيام، عندما جاء أبو الفضل إلى الاسطبل لتفقد الخيول، انتهز الفدائي اللحظة المناسبة، وأخرج الخنجر الذي كان يخفيه في جبهة الحصان، وقفز وطعن الوزير. (1127).
النقاط المشتركة لعمليات الاغتيال
عند دراسة الاغتيالات الإسماعيلية بشكل عام، تظهر بعض النقاط المشتركة. وبالنظر إلى الأشخاص الذين اغتالوهم في هذا السياق، نجد أنه تم اختيارهم بشكل خاص. ونُفِّذت هذه الاغتيالات أمام أكبر عدد ممكن من الشهود، وسط الحشود، في المساجد مثلاً، وفي الأسواق والقصور وغيرها، ليرهبوا الناس وتكون عبرة لرجال الدولة والجماهير. لأن اغتيال شخص واحد أمام الحشود من شأنه أن يسبب الخوف والرعب لمئات الأشخاص، فتصبح قضيتهم أكثر صخباً. وقد تم تكليف الفدائيين بمهمة تنفيذ عملية الاغتيال داخل التنظيم. وكان الخنجر هو السلاح المفضل في الاغتيالات والأكثر ترجيحاً، لأنه من السهل حمله وإخفائه والاتصال الوثيق بالضحية عندما يحين الوقت.
ومن السمات المشتركة الأخرى للاغتيالات، هي العمليات التي نُفِّذت على سبيل الانتقام والتحذير. وفي واقع الأمر، فإن الهجمات على علماء الدين السنة الذين تحدثوا ضد الإسماعيليين أو عارضوهم في مساجدهم هي أفضل الأمثلة على ذلك.
كان الفدائي عادة ما يقترب من ضحيته دون جذب الانتباه، لأسباب مثل طلب الصدقة أو تلقي الدعاء، أو إحضار رسالة، وأثناء طعن الضحية بالخنجر، لم يهرب الفدائي أبداً وكان حراس الضحية يهاجمونه ويقطعون رأسه على الفور ليكون عبرة للعالم ثم يحرقونه. على سبيل المثال، يروي ابن القلانسي اغتيال الأمير مودود على النحو التالي: "في سنة 1113-1114، جاء الأمير مودود مع مُربيِّه من معسكره إلى المسجد في السهل خارج باب الحديد. وبعد أن فرغ من صلاته وأدى النافلة خرج مع مربيه. وكان حوله أهل الديلم والأتراك وأهل خراسان وشباب وقناصة مسلحون بالخناجر والأسلحة المختلفة. وعندما وصلوا إلى باحة المسجد، خرج رجل دون أن يلفت انتباه أحد، واقترب من الأمير مدود وكأنه سيدعو له ويطلب صدقة. وسرعان ما أمسكه من الحزام وطعنه بخنجره تحت السرة مرتين. ضرب أحدهما جانبه والآخر ضرب ساقه. وبينما كان الفدائي يطعن طعنته الثانية، انهالت عليه السيوف من جميع الجهات، وضُرب بجميع أنواع الأسلحة، وقُطع رأسه ليُعرف من هو، ولم يمكن التعرف عليه، ثم أُلقي في النار. (ابن القلانسي، 2015: 96).
كما كان الفدائي الذي ينفذ عملية الاغتيال يتبع ضحيته لأيام أو حتى أشهر، ويرتدي ملابس مناسبة، ويتجنب الحركات التي تلفت الانتباه، وينفذ فعلته عندما يحين الوقت. وكان من المستحيل أن يهرب الفدائي الذي ينفذ عملية اغتياله بين الحياة والموت. وبمساعدة الإسماعيليين المختبئين في وحدات مهمة من الدولة، كان يتولى مهاماً قريبة من ضحيته، كما نرى في العديد من أمثلة الاغتيالات، ويكتسب الثقة كحارس أو سائس أو خادم، وينتظر الوقت المناسب، دون أن يلفت الانتباه، بلفظ أو سلوك، وفي أغلب الأحيان كان يقفز ويطعن الخنجر في صدر ضحيته بحركة مفاجئة.