جوي هارجو (١٩٥١-) شاعرة وموسيقية ومؤدية، تنحدر من أمة المسكوجي (كريك) وحصلت على لقب الشاعرة المتوجة للأمة، وكانت أول شاعرة من السكان الأصليين تنال هذا اللقب في الولايات المتحدة الأميركية. صدر لها تسعة دواوين شعرية، وحظيت بشهرة عالمية.
نيو أورليانز
ها أنذا في الجنوب.
أبحثُ عن أدلّةٍ،
عن آثار كريكيين آخرين،
عن بقايا أصواتٍ،
عن عظامٍ صار لونها بنياً من التبغ
تأتي كي تتسكع في شارع كونتي ورويال أو دكاتور
قرب السوق الفرنسي.
أنظرُ إلى حصان أزرق
عالق ومتجمد في الحجر وسط ساحةٍ
أحضرهُ الأسبان في رحلة بلا نهاية
عبْر المحيط أصابتْهُ بالجنون.
قال إنهم قيّدوه في صخرة زرقاء وهو صامت.
أعرف أنه ليس حصاناً مسّه الجنون فحسب.
في الجوار، في حانوت فيه عاجٌ وسكاكين
هناك صخورٌ حمراء.
إذا كان لدى الرجل الذي خلف طاولة المحاسبة
أحجار سحرية، يجب أن يكتشف
ذلك قبل أن تقضي عليه.
تمتلك هذه الأشياء ذاكرة كما تعرفون.
أمتلكُ ذاكرة،
تغوصُ عميقاً في دمي
تُشكّلُ دلتا في جلدي.
تسبحُ خارجةً من أوكلاهوما،
عميقاً في نهر المسيسيبي
تحمل قدميَّ إلى هذه الأمكنة:
إلى الحي الفرنسي،
إلى الغرف القديمة المتآكلة،
إلى الشمس خلف سحبٌ كثيفة وندية،
حيث أسمع القوارب تعلو وتهبط في النهر.
تأتي روحي إلى هنا كي تشرب
تأتي روحي إلى هنا كي تشرب
الدم هو التيار التحتي.
هناك أصواتٌ مدفونةٌ
في طين نهر المسيسيبي.
هناك أسلافٌ وأطفال مستقبليون مدفونون
تحت التيارات التي تثيرها
زوارق المتعة التي تروح وتغدو.
ثمة قصص هنا
مصنوعة من الذاكرة.
أتذكر ديسوتو
الذي دُفن في مكان ما
في هذا النهر،
غاصت عظامه
ككنز الذهب الذي اجتاز
نصف الكرة الأرضية للعثور عليه،
جاء كي يبحث عن مدن الذهب،
عن شوارع براقة
من الذهب المطروق
وكي يرقص مع السيدات المكتسيات بالحرير.
كان يجب أن يبقى في وطنه.
(عرف الكريكيون به من أميال
قبل أن يصل إلى البلدة.
حلموا بأنصال فضية وصلبان).
عرفوا أنه أحد الأشخاص الذين يتوقون
لشيء ما، وليست قلوبهم كبيرة بما يكفي للتعامل معه.
(ظن ديسوتو أنه الذهب)
كان الكريكيون يعيشون في بلدات من الطين،
لا من الذهب، ينسجون الأطفال لا الذهب
لم يكن هناك ما ظنّ ديسوتو أنه سيعثر عليه.
عرف الكريكيون ذلك، وأغرقوه
في نهر المسيسيبي
كي لا يضطر إلى إغراق نفسه.
ربما كان جسده هو ما أبحث عنه كدليل كي
أعرف بطريقة أخرى أن ذاكرتي حية
لكن من المحتمل أنه ذهب بعيداً،
لأنني رأيت نيو أورليانز
أبنية المخرمات والحرير
عربات الترولي على ممرات من الفضة المرقّقة
قبوراً ترتفع من التراب الناعم تحت المطر
حوانيت تبيع دمى سوداء تحمل أطفالاً بيضاً.
وأعرف أنني شاهدت ديسوتو،
يتناول كأساً في شارع بوربون
وبدا مجنوناً ومخبّلاً
يرقص مع امرأة كالذهب
كقاع النهر.
تحولات
هذه القصيدة رسالتي التي أبلّغكَ فيها أنني
شممتُ رائحة الكراهية التي حاولتَ العثور عليَّ بها.
يا من تريد القضاء عليَّ،
إذا ما تشظّى عَظْمٌ في عين شخص
اخترتَ أن تسمّيه عدواً لك
لن يساعدكَ هذا على الرؤية.
يمكن أن يستغرقَ الأمرُ ألف عام
إذا نظرتَ إلى الأمر بهذه الطريقة،
لكن حينها، إذا رأيت بعد ذلك الوقت،
لن يكون أي شيء واضحاً.
للذاكرة أشكال كثيرة
حين أفكّر بأوائل الشتاء أفكّر بشحرور
يضحك في الهواء البارد،
يحرس قطعةً من الليل.
رأيت العالم كله
عالقاً في ذلك الصوت.
توقفت الشمس للحظة بسبب إيمان صارم. لا
أعرف ما علاقة هذا
بما أحاول قوله لكم،
باستثناء أنكم تستطيعون
تحويل قصيدة إلى شيء آخر.
يمكن أن تكون هذه القصيدة
دباً يخطو على الأراضي الجرداء
الشمالية البعيدة،
يشم الهواء بحثاً عن لحم حي عذب أو
قطعة من عشبة بحرية تتقلب في البحر
أو شحروراً يضحك.
ما أعنيه هو أن الحقد
يمكن تحويله إلى شيء آخر، إذا
امتلكتم الكلمات المناسبة، والمعاني المناسبة،
مدفونة في ذلك المكان الرقيق
في قلبكم، حيث تعيش الحيوانات الأغلى.
في نهاية الشارع سيارة إسعاف
جاءت كي تنقذ عجوزاً يفقد حياته ببطء.
لا يستطيع كثيرون أن يروا أنه
صار شجرة الفناء الخلفي
التي اعتنى بها لسنوات، قبل أن ينتقل.
ليس حزيناً، لكنه متعاطف
مع المخاوف التي تتحرك حوله.
هذا ما أقصد قوله لكم،
في الجانب الآخر من المكان
الذي تعيشون فيه امرأة سوداء
كانت تحاول التحدث معكم لسنوات.
ناديتم الاسم نفسه وسط
كابوس، من مركز المعجزات،
إنها جميلة،
هذه هي كراهيتكم في طريق العودة.
إنها تحبكم.
أغنية النسر
حين تُصلّي
تفتحُ نفْسَكَ بشكل كامل
للسماء والأرض والشمس والقمر
لواحدٍ صوتُه هو أنت.
تعرف أن هناك
أكثر مما تقدر على رؤيته وسماعه
لا تستطيع معرفته إلا في لحظات
تنمو بثبات وفي لغات
ليست دوماً صوتاً
بل دورات أخرى من الحركة،
كمثل النسر في صباح يوم الأحد ذاك
فوق نهر سولت. دار في سماء زرقاء في الريح،
كنسَ قلوبنا ونظّفها بجناحين مقدسين.
نراك، نرى أنفسنا ونعرف
أننا يجب أن نكون في غاية الحرص
ولطيفين مع كل الأشياء.
نتنفس، عارفين أننا مصنوعون من كل هذا، ونتنفس
عارفين، أننا مباركون حقاً لأننا
وُلدنا، وسنموت حالاً داخل دائرة حقيقية من الحركة،
كالنسر الذي يدور حول الصباح داخلنا.
نصلي أن يتم هذا
بجمال
بجمال.
واصلي النزيف
لا أؤمن بالوعود،
لكن ها أنتَ هنا،
تتوازن على حبل مشدود من الصوت.
تدخل متسللاً إلى العالم
داخل متاهة من اللهب
تحطم الجدران تحت أضلاعي.
أتوق كي أغني،
لحناً معيناً يستطيع أن يحلق حول النجوم
أو يحرف توازن العالم.
داخل قرنك تعيش امرأة سرية
تقول إنها تعرف قوة الرحم.
تستطيع أن تحوّل المجازر إلى ذهب وألمَ قلبها|
إلى حجر من الياقوت.
غضبُها لك وحين تعضُّ أسنانها على
خيط من الزجاج تستيقظ.
ليس هذا حلماً آخر بل ذراعاك
حول امرأة
كانت مرة خنجراً بين ساقيك.
هناك دوماً طرق للنوم
لكن أن تكون حياً هو أن تهجر
خوف الدم.
لم تعد الأحلام عذراً.
لست خلف مرآة مدخنة
بل داخل طقس من الجلاميد التي نجت
من ميتاتك الكثيرة.
ليست مصادفة أنك تراقب الشمس
تصبحُ قلبكَ، تغوص في بطنك،
ثم تعاود الظهور في بلدة تجذبك مغناطيسياً.
ما يجذب لا يمكن أن يفصل بشكل طبيعي.
ثقب أسود معكوس هو نجم حار أبيض،
يكشف هذا الليل
داخل أغنية هي الصرخة الباكية نفسها للزرقة.
ليس هناك كلمات،
بل أصوات فحسب
تقودنا إلى الليالي الأكثر ظلمة،
حيث تحترق النجوم
وتصبح ثلجاً
حيث ينهض الموتى ثانية
كي يسيروا على شواطئ النار.
قصيدة للتحرر من الخوف
أحرّركَ
يا خوفي الجميل والرهيب.
أحرّركَ.
كنت توأمي الذي أحببتهُ وكرهتهُ،
لكنني الآن
أجهلكَ كما أجهل نفسي.
أحرّرك بالرغم مما شعرتُ به من ألم
بسبب موت بناتي.
لم تعد دماً لي.
أُعيدكَ إلى الجنود البيض
الذي أحرقوا بيتي،
وقطعوا رؤوس أطفالي،
ولاطوا بأشقائي واغتصبوا شقيقاتي.
أعيدكَ إلى الذين سرقوا
الطعام من صحوننا
حين كنا نتضور جوعاً.
أطلقُ سراحكَ أيها الخوف لأنك
تُكرّر هذه المشاهد أمامي
ولأنني ولدتُ
بعينين لا تستطيعان الإغماض أبداً.
أخرجكَ مني، أيها الخوف،
كي لا يكون بوسعك
أن تبقى عارياً ومتجمداً في الشتاء،
أو مختنقاً تحت الأغطية في الصيف.
أحرّرك
أحررك
أحررك
أحرركَ
لست خائفة من أن أغضب،
ولا خائفة من أفرح.
لا أخشى أن أكون سوداء
ولا أخشى أن أكون بيضاء
لا الجوع يرهبني ولا الشبع،
لا يروعني أن أُكره
أو أن أُحب، أن أُحب، أن أُحب
أيها الخوف.
آه، لقد خَنقْتني،
لكنني منحتكَ القياد.
قطعْتَني
لكنني قدَّمتُ لك السكين،
التهمتني،
لكنني مدّدْتُ نفسي على النار،
أستعيد نفسي أيها الخوف،
لم تعد ظلاً لي،
لن أمسك بك بيدي.
لا تستطيع أن تعيش
في عينيَّ وأذنيّ وصوتي
في بطني أو في قلبي قلبي
قلبي قلبي
لكن تعال إلى هنا أيها الخوف
أنا حية وأنت خائف جداً من
الموت.
[ترجمة: أسامة إسبر]
[المصدر: دواوين متفرقة]