تولا أونانوغا
أيام نشأة صناعة ألعاب الفيديو في سبعينيات القرن الماضي، صمم المهندس جيري (جيرالد لاوسن) واحدة من أولى أجهزة الألعاب، تشانل أف (Channel F)، كما كان قائد الفريق المخترع لشريط الألعاب، اختراعٌ أعاد تعريف كيفية صناعة الألعاب وبيعها. عمل جيري كثيرًا على مشاريع الألعاب في كراج منزل العائلة في كاليفورنيا، كما يذكر ابنه أنديرسون لاوسن، ويضيف: "كانت هناك العديد من المحادثات مؤخرًا عن المشكلات التي قد واجهته بسبب لون بشرته وقتها. هل كان الأمر صعبًا عليه؟ نعم، بالتأكيد. لكنني لم أسمعه يتذمر يومًا. كما أنني متأكد من أنه نال الاحترام الذي يستحقه. والدي ذو بشرة سوداء، وأعتقد أن هذا سيلهم الشباب اليوم ليبدأوا مسيرتهم ويساهموا في تطوير صناعة الألعاب".
ما يزال السود، والنساء منهم على وجه الخصوص، غير ممثلين بشكل كافٍ في صناعة ألعاب الفيديو. إذ تشير أرقام الاتحاد المستقل لمطوّري الألعاب إلى أن السود يشكلون 2% فقط من مطوري الألعاب في أميركا، بينما يشكّل السود والآسيويون والأقليات العرقية 10% من العاملين في صناعة ألعاب الفيديو في بريطانيا، حسب إحصائيات UKIE لعام 2020. لا يوجد تقدير كاف لإنجازات المبدعين السود أمثال جيري رغم حضورهم وتأثريهم في صناعة ألعاب الفيديو منذ نشأتها.
ظهر لاوسن في مسلسل نتفلكس الوثائقي High Score عن تاريخ ألعاب الفيديو العام الماضي. ولد في نيويورك عام 1940، ونما اهتمامه الشديد بالإلكترونيات في شبابه عندما كان يصلح أجهزة جيرانه الإلكترونية كهواية، الأمر الذي ألهمه ليصير مهندسًا. انضم لنادي سيلكون فالي المنزلي للحاسوب؛ مجموعة من الهواة ضمت مؤسسين شركة أبل، ستيف جوبز وستيف وزنياك، كما كان جيري رائدًا في عمله كمهندس في شركة Fairchild Semiconductor في سان خوسيه. لاحقًا، ابتكر لعبة Demolition Derby التي تعمل بالعملات المعدنية كمشروع جانبي، مما جعل مدراءه يتواصلون معه ليكون المهندس الرئيس في قسم الألعاب الجديد للشركة. توفي لاوسن عام 2011 عن عمر يناهز 70 عامًا إثر مضاعفات مرض السكري.
عقب انتقاله من Fairchild عام 1980، أسس لاوسن شركة Video Soft التي صنعت الألعاب لأتاري 2600. رغم أن هذه الألعاب لم تطلق/تبث للعلن، إلا أن لاوسن أغلق متجره عام 1984 وعمل كمهندس استشاري بعد انهيار سمعة ألعاب الفيديو في أميركا الشمالية عام 1983. يقول أندرسون لاوسن "كان الكونسول فكرة شركة أخرى، إلا أن Fairchild هي من سوقت له. أبي كان المسؤول عن تكوين الفريق الذي حقق إنجازات عدة نُسيت منذ زمن بعيد".
توسعت شركات مثل APF في مجال الألعاب في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي وفر الفرص للمهندسين الموهوبين. في ذات الوقت، كان إد سميث، مهندسًا متقاعدًا ساعد في تطوير APF Electronics’ Imagination Machine؛ وهي وحدة تحكم مهجنة ونظام حاسوب منزلي. أخبرني سميث قائلًا: "بصفتي ذا بشرة سوداء، تمحور الأمر حول فرصة العمل بأجر، أيًا كان المجال الذي أعمل به. كان لدي طفل صغير وكل ما شغلني حينها هو الحصول على عمل جيد، ولحسن الحظ دخلت مجال التكنولوجيا، وبدأ كل شيء من هناك".
تضمن عمله على الجهاز تطوير الرسومات البيانية التخطيطية واختبار الألعاب بالإضافة إلى الهندسة. عمل سميث الإبداعي في شركة APF كان مؤثرًا كبيرًا للأجيال القادمة، لكن الشركة لم تصمد أمام انهيار ألعاب الفيديو. يقول سميث "ظننت أن لعبتنا ستكون إحدى الألعاب الكثيرة في السوق لسنوات قادمة، وتوقعت أنني سأبقى في هذا المجال لفترة طويلة، لكنني اضطررت للذهاب والعمل في مجالات أخرى بعد انهيار السوق".
وفي النهاية، وجد سميث عملًا طويل الأجل في مجال المبيعات التقنية، وتقاعد بعد سنتين تقريبًا للتركيز على إنجاز كتابه "تخيّل ذلك!" (Imagine That!) الذي يتمحور حول حياته. يروي الكتاب معاناته كشابٍ ذو بشرة سوداء في ستينيات القرن الماضي في أميركا. يضيف "حينذاك، كنا نتشارك الأمور التي دفعتنا للتظاهر والاحتجاج، الأمور نفسها التي نعيشها اليوم للأسف".
المبدعة الثالثة في صناعة ألعاب الفيديو منذ بدايتها هي مورييل تراميس، والتي تعتبر أول مصممة ألعاب فيديو سوداء البشرة. تعيش تراميس في فرنسا، ونشأت في جزر الكاريبي، وعملت على برمجة الطائرات العسكرية بدون طيار في بداية عملها كمهندسة. انضمت بعد ذلك لشركة French developer Coktel Vision عام 1986 حيث تركت أولى بصماتها في ألعاب الفيديو.
تقول تراميس أن هذه كانت من أسعد أوقاتها من الناحية المهنية، وتضيف "وجدت طريقة للجمع بين تكنولوجيا المعلومات والإبداع الأدبي. كلفني مدير التحرير بإدارة مشروع ألعاب المغامرة، لأن تدريبي الهندسي مكنني من فهم الجوانب التقنية للتطوير والبرمجة والمؤثرات بالإضافة إلى دمج الصوت والصورة. أعتقد أنه كان منفتحًا على التنوع لأنه ذو أصولٍ أرمنية".
إن لعبة الأتاري لعام 1987، ميويلو Méwilo، التي كتبتها وأخرجتها تراميس بالتعاون مع الكاتب باتريك شاموازا، مستوحاة من تاريخ جزر المارتينيك. تقول "عندما عملت على أول سيناريو لي، أردته أن يكون على طراز الرواية التاريخية. من الطبيعي أن تاريخ الجزيرة ألهمني لكونها لم تكن معروفة للعالم، وتمتلك جميع العناصر اللازمة للإثارة والدراما والغموض. تاريخ جزر الأنتيل هو جزء من تاريخ فرنسا، لكن هذه المنطقة عانت من العبودية والاستعمار، مما سبّب العديد من الصدمات النفسية الموجودة بوضوح في المجتمع الكريولي والمجتمعات المختلطة بشكلٍ عام".
توقفت تراميس عن العمل في Coktel Vision عام 2003، لكنها تفكر مليًا بالوقت الذي قضته هناك. تقول "أحببت تلك الفترة كثيرًا، فأنا أوشك على تأسيس استوديو تطوير ألعاب الفيديو الخاص بي بعد رحلتي في العالم الافتراضي المطبَّق على التخطيط الحضري. بعد مرور 30 عامًا على لعبتي الأولى، أعمل الآن على قصة من المستقبل". تتحدث لعبتها القادمة عن أبطال سود البشرة، وتبين كيف أن أصل/سبب التمييز في وقتنا الحالي هو التحيز للون البشرة.
حصلت أيضًا على جائزة Légion d’honneur في 2018، وتقول إنها لم تكن شرفًا لها فقط، بل لأصدقائها وعائلتها وبلدها و"أخواتها" التي تأمل بأن تكون مصدر إلهام لهن في جميع أنحاء العالم. تصر تراميس على تشجيع المزيد من النساء على العلم والتكنولوجيا، فبالنظر إلى العجز في المهارات في أوروبا؛ لو أن النساء يمثلن 50% من مستعملين الرقمنة، "فيجب أن يمثلنّ 50% من المصممين والمهندسين والتقنيين".
على الرغم من أن أسماء كلاوسن وسميث وتراميس تظهر أحيانًا في كتب تاريخ ألعاب الفيديو، إلا أن مساهمات العديد من ذوي البشرة السوداء في أيام نشأة صناعة ألعاب الفيديو اختفت كليًّا وذهبت هباءًا". تقول تريا أندريا روسورم، أستاذة لغة انجليزية مشاركة في جامعة ماساتشوستس التي ناقشت مساهمات النساء السود في الألعاب في مقالتها "إعادة كتابة تاريخ ألعاب الفيديو كسجلّ لفكر النسوية السوداء" الذي كتبته بالتعاون مع الزميلة الأكاديمية سوداء البشرة سمانثا بلاكمون. "بيّن لنا كتاب وفيلم Hidden Figures بوضوح حضور النساء السود آنذاك، إلا أنهن لم يتصدرن العناوين الرئيسة: لم يكنّ رائدات فضاء، بل كانوا حواسيب بشرية وقوى عاملة لا يمكن الاستغناء عنها في البرنامج، وعملن دون أن يلاحظهن أحد لسنوات عدة".
"في المتحف الأميركي الوطني للألعاب، حيث توجد أرشيفات Midway وAtari، يمكنك تصفح نشرات الشركتين، وستجد صورًا لنساء ذوات بشرة سوداء. ستجد في أحيان نادرة عنوانًا أو شرحًا للتعريف بهنّ. لكن في معظم الأحيان، لن تجد".
[ترجمة هنادي بني عيسى، عن موقع غيمز-موفيز].
[هذه المقالة جزء من ملف خصّصته جدلية لتناول موضوع الألعاب الرقمية].