شهادة مسافر من غزة الى مصر

[المصدر: موقع فلسطين الآن] [المصدر: موقع فلسطين الآن]

شهادة مسافر من غزة الى مصر

By : Mostafa Nabih مصطفى النبيه

هذه شهادتي عن سفري من غزّة/ فلسطين إلى القاهرة/ مصر صيف 2018

وُلدت في غزة، وعشت كل واقعها، لكن السنوات الأخيرة، كانت الأسوأ. الناس هنا يعيشون مأساة مختلفة، ويبحثون عن بطل من ورق ليمنحوه الأمان والكرامة.

بدأت حكايتي التي سأكتبها هنا منذ حاولت ممارسة حقي بالسفر كإنسان والخروج من قفصي (غزة) إلى العالم. بعد محاولات شاقة حصلت على تأشيرة إلى دولة عربية، لكن لا مطار ولا ميناء في غزة، والطريق الوحيد هو معبر رفح باتجاه مطار القاهرة، وفي الأول من رمضان (أيار/ مايو 2018)، ذهبت لتسجيل إسمي في كشوف المسافرين. توجّهت إلى ما يعرف بـ “مجمع الوزارة – أبو خضرة في الرمال” مقابل السرايا، فقالوا لي إن التسجيل عبر موقع الوزارة الإلكتروني.

تسجّلت على الموقع ومرّت الأيام من دون أن أسمع شيئاً، وبعدما يئست، أخبرني جميع الأصدقاء أن من يريد السفر من غزة، عليه أن يدفع ما يسمّى (تنسيق للطرف المصري) أي “رشوة”، وأن ذلك يتم بواسطة الطرف الفلسطيني، وأن هناك حافلة خاصة لفئة التنسيق تخرج يومياً. والمبلغ ألف و400 دولار وما فوق، ما يضمن لك الوصول إلى “معبر رفح”. وجميع الفلسطينيين الداخلين في “لعبة التنسيق” يدّعون أن مبالغ الرشوة كلّها للطرف المصري، لكن عليك ألا تصدّق كل ما يقال. 

معبر خان يونس

دفعت ألف و400 دولار مقدماً، وقيل لي إن بإمكاني السفر بعد يومين. لكن مرّ يومان، ومرّ أسبوع، من دون جدوى، فشممت رائحة نصب. طلبت أن أسترد المبلغ، فاتّصلت بالرجل الوسيط، فقال لي عليك أن  تتوجّه الآن إلى دوار النصيرات في وسط قطاع غزة وسيأتي إليك من يعيد لك المبلغ، فانطلقت ووقفت حيث طلب، وبعد نصف ساعة قدم شخص وسيم وأبلغني اعتذاره، وقال لي إن اللواء المصري مضغوط بسبب كم المسافرين الذين دفعوا، وعلي الانتظار حتى الأسبوع المقبل إن كنت أرغب في السفر، فقلت له إنني لا أريد السفر، وأريد المبلغ، أعطاني المبلغ ثم كرّر السؤال: إن كنت تريد أن تسافر “غداً” عليك أن تدفع مبلغ ألف و700 دولار، وهذه المرّة لن تتأخّر فهناك سيّدة موثوق بها لها علاقة جيّدة بلواء مصري بإمكانه تسهيل أمورك غداً. رفضت الفكرة وأخذت النقود وعدت إلى بيتي مهموماً. 

بعد يومين حدّثني صديقي من ماليزيا عن شخص “خارق” بالتنسيق وموثوق به وبالمبلغ ذاته (1400 دولار)، وزوّدني برقم هاتفه. اتّصلت به وأصغيت إلى صوت يتصنّع التهذيب الشديد، وطلب مني، كرجال المخابرات، أن أنتظره الساعة العاشرة صباحاً عند دوار الصاروخ في نهاية شارع الجلاء في حي الشيخ رضوان. توجّهت إلى هناك وانتظرته، حدّثني من بعيد عبر هاتفه النقال وعندما تأكّد مني، اقترب واستلم المبلغ، وقال لي: “اتّصلت بأكثر من منسّق لمساعدتك للسفر غداً بمشيئة الله، ستسافر وستشكرني، وعليك الآن انتظار مكالمتي”. 

انتظرت الاتّصال، وبعد ساعتين أخبرني أن هناك ضغطاً على حافلات التنسيق بسبب كم المسافرين، وبإمكانه أن يخرجني من غزة “قريباً” بشرط عدم تحديد الوقت الزمني. رفضت الفكرة وطلبت منه أن يعيد إلي أموالي، وبذكاء أخبرته أنني أعرف من هو وأنه كان يعمل بالأمن الوطني بالسلطة القديمة. حينها أخبرني أنه سيعيد المبلغ وعلي أن أذهب إلى بيته في بيت لاهيا وأعطاني العنوان. 

وعندما وصلت المكان، اتّصلت به فأخبرني أن أتقدّم باتجاه الغرب، فاتّجهت حتى وصلت بيته، فخرج ابنه الصغير وطلب مني الدخول إلى البيت فدخلت والتقيت به. حدّثني عن بطولاته الوهمية، وأخبرني أنه لا يعمل في مافيا “التنسيق”، وهو تطوّع  لمساعدتي فقط من أجل صديقه الذي زوّدني باسمه. علمت من كلامه أنه يريد أن يخصم جزءاً من المبلغ، شربت فنجان القهوة غاضباً، وعندما علمت أن ما يريد خصمه لا يتجاوز الخمسين دولاراً وافقت.   

ندمت على محاولتي اللّجوء إلى “الرشوة” وبدأت الاتصال بالكثير من المسؤولين الفلسطينيين، وأخبرتهم بحاجتي إلى السفر من أجل المشاركة في مؤتمر علمي، وزوّدتهم بالدعوة، وبعد مجهودات شاقة وعدوني بالمساعدة فبقيت أياماً أراقب كشوف السفر ليلاً نهاراً. 

فلسطينيون ينتظرون إذن العبور من السلطات المصرية عبر معبر رفح

مرّت الأيام والأسابيع ثقيلة بعد أن طفح الكيل، وحفظت أسماء المسافرين عن ظهر قلب، وأخيراً كانت المفاجأة السعيدة حين وجدت اسمي في كشف المسافرين، بعد 3 أشهر من نيتي الأولى بالسفر، كان ذلك في آب/ أغسطس 2018، فطرت فرحاً وحمدت الله على نعمته. 

أعددت الحقيبة وودّعت العائلة والأصدقاء، فلا يعرف المسافر من غزة متى يمكنه العودة. صلّيت الفجر، وحملت حقيبتي وانطلقت إلى ما يعرف بـ”صالة أبو يوسف النجار” في خان يونس. وصلت باكراً، ووجدت المئات غيري، عائلات، ونساء وأطفال، وجرحى مصابين من جرّاء القصف الاسرائيلي، كانوا مسافرين بهدف العلاج، ومن الآن سأنسى أنني فرد، وسنكون مجموعة تحاول الفكاك من القفص.   

استقبلنا الباعة في المكان، ومن يحملون الحقائب (الشيالين)، وكي نجلس على مقاعد، مجرّد الجلوس، يجب أن ندفع، فدفعنا. وبعد نصف ساعة قدمت شرطة المعبر (على الجانب الفلسطيني الذي تسيطر عليه حركة حماس) وبدأوا المناداة على أسماء الحافلة الأولى، وبقدرة قادر وجدنا بعض الأفراد من خارج الكشوف تزاحم أصحاب الحق وتعتلي الحافلة. التزمنا الصمت على أمل بأن يتحقّق حلمنا بالسفر، وتسير الأمور ولا تتم معاقبتنا.  بعد الانتهاء من الحافلة الأولى بدأوا سرد أسماء الكشف الثاني، وكان رقمي أربعين في الكشف الثاني، لكن الشرطي لم يلتزم بترتيب الأسماء وفق الكشف، فرفعت صوتي منبّهاً إياه، لأني أحفظ أسماء جميع المسافرين، على أمل باسترداد حقي، لكنه صرخ بي: “اكتفينا اليوم بنصف الكشف الثاني، وجاء دور حافلة التنسيقات فانصرفوا إلى بيوتكم”. دب شجار بيني وبينه لكن من دون جدوى. 

أدركت أنني حرمت من السفر اليوم، فعدت إلى بيتي أجر خيباتي. وفجر اليوم التالي تكرّر المشهد ذاته. إلا أنني لم ألتزم النظام، زاحمت حتى اعتليت الحافلة، وسارت بنا إلى مدينة رفح، حيث توقّفنا عند نقطة ثانية (فلسطينية – تسيطر عليها أيضاً حماس)، سلّمنا أوراقنا، وتكرّر المشهد ذاته، وسألت نفسي ما الهدف من تكرار الإجراءات ذاتها عند نقطتين فلسطينيتين، ولم أفهم إلا عندما عدنا إلى الحافلة ووجدنا مسافرين جدداً لا أعلم من أين أتوا ولم تكن أسماؤهم في الكشوف! 

“في حاجز يسمّى “حاجز الريسة” ألقوا حقائبنا على الأرض بشكل استفزازي، وبدأوا ينفضون الملابس قطعة قطعة، يفتّشون في أرواحنا نحن المنهكين الذين أعيتهم فكرة السفر”

تحرّكت الحافلة أمتاراً عدّة ثم توقّفت عند نقطة ثالثة، فشاهدت صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وصورة الراحل ياسر عرفات، فأدركت أننا خرجنا من دائرة حماس ووصلنا إلى دائرة فتح، حيث تم تدقيق الأوراق مجدداً، وسارت الحافلة حتى وصلنا إلى النقطة الرابعة وهي فلسطينية أيضاً، وتم فيها ختم الجوزات (للعلم جوازاتنا الفلسطينية ليست جوازات بالمعنى المعروف، لكنها أقرب إلى وثائق سفر). وعندما اعتلينا الحافلة بعد ست ساعات من بدء رحلتنا مع الفجر، صدمنا بمجموعة من المسافرين (الجدد) تجلس في أماكننا، وعلينا أن نصمت ونجلس في أماكن أخرى، فلا حول لنا ولا قوة، وهنا أدركت أين يكمن سر النقاط الفلسطينية الأربعة، إذ إنها صراع بين تنظيمين متناحرين ضحيتهما مواطن مسحوق قضى ست ساعات وهو ينتظر أن يصل المعبر المصري والذي لا يحتاج الوصول إليه من نقطة الانطلاق الأصلية، أكثر من نصف ساعة. 

خرجنا ممّا يعرف بـ”الصالة الفلسطينية” باتجاه “الصالة المصرية”، وصلنا النقطة المصرية الأولى، عند الحادية عشرة والنصف قبل الظهر، وكنا أول حافلة تصل في ذلك اليوم، الا أن الجنود المصريين لم يكونوا مستعدّين لاستقبالنا. بعدما انتظرنا واقفين في الحافلة أكثر من 15 دقيقة سمحوا لنا بأن ننزل، وتم تفتيشنا والتدقيق بالأوراق والحقائب، ثم دخلنا الصالة المصرية وتخيّلنا أن الغيمة زالت وأننا سنسافر كالبشر. 

تسابقنا لملء بطاقات البيانات فقال الضابط المصري: “اجلسوا، الوقت مبكر. هذه الإجراءات ستتم بعد قراءة أسمائكم من الكشوف، بعدها بإمكانكم تقديم البيانات مع الجوازات”، وانتظرنا، ربع ساعة، نصف ساعة، مرّت ساعة، وساعتان وثلاث ساعات، ونحن ننتظر. 

جلسنا على مقاعد غير مريحة إطلاقاً، وكان باستضافتنا أسراب من الذباب والروائح الكريهة! وقفت أراقب وجوه الفلسطينيين الهاربين من القصف الإسرائيلي والألم والجوع في غزة، الحالمين بالسفر، أتأمّل ملابسهم الزاهية التي اختاروها ليوم السفر، وكيف بدأت فرحة  السفر تذوب مع طول الانتظار. حتى دورات المياه أبوابها مخلوعة لن تسترك، هجرتها النظافة، رائحتها تصيبك بالغثيان، ونحن تحت الأمر الواقع نطحن وليس بيدنا شيء. حين يضطر مسافر إلى استعمال دورة المياه، يحمل بعض الشباب الأبواب المخلوعة ويقفون وراءها، كي تكون له خصوصيّته! حمدت الله أنني لم آكل ولم أشرب ذاك اليوم، تعاملت مع نفسي كأنني صائم، واكتشفت أن من دفع “الرشاوى” بآلاف الدولارات، أقصد التنسيق، ونحن من لم ندفع شيئاً، يستوي أمرنا وأمره في هذا المكان، فلا فرق بين مذبوح ومذبوح في هذا القبر. 

وبعد ثلاث ساعات نادونا بأسمائنا، فقمنا بتعبئة البيانات، وسلّمنا جوازات السفر، وبقينا ننتظر، ومرّت ساعة وساعتان، وثلاث وأربع، حتى الساعة السابعة مساء، في تلك الظروف المذلّة المقيتة، حتى نادونا بأسمائنا من جديد، ووقفنا طابوراً للقاء المخابرات المصرية، والسؤال عن أسباب السفر، بعدها تم السماح لـ127 شخصاً بدخول مصر ذلك اليوم، نصفهم تقريباً دفع رشى (التنسيق) أي أنه في يوم واحد كان المبلغ الذي يصل إلى “التنسيق” يبلغ نحو 100 ألف دولار. 

“شابّة أخرى في الصالة تودّع زوجها بعد أن سمحوا لها بالسفر هي وأطفالها الصغار، ومنعوا الزوج”

ثلاثة رجال آخرين وأنا لم يسمح لنا بدخول مصر، والسبب وراء ذلك ليس أمنياً أو سياسياً، فنحن نحمل تأشيرات لبلدان عربية أخرى، ومعنا تذاكر السفر من مطار القاهرة، لذا ممنوع “أن ندخل مصر آمنين” ويجب أن نخضع لما يعرف بـ”الترحيل”، وهذا يعني ترحلينا كاللصوص إلى المطار مباشرة وممنوع أن نحيد عن الطريق إلى هناك أو ندخل أي مكان في مصر. وعلى رغم مأساة الترحيل فرحنا أننا سنتجاوز “الصالة المصرية” ونسافر، وانتظرنا أن ينفّذ الأمر لنخرج من هذا الجحيم، لكنهم تناسونا تماماً كما تناسوا الآخرين من المسافرين إلى مصر (غير طريق الترحيل). 

جاء الليل، وتعالت الآهات، وبدأ الأطفال من الإرهاق يبكون، وتحامل الجرحى على آلامهم، على رغم أنهم يجلسون على مقاعد غير مريحة أو يفترشون الأرض. 

توجّهت إلى المقصف في “الصالة المصرية” لشراء فنجان قهوة، فصدمت من الأسعار المرتفعة جداً.   

بقيت طول الليل مستيقظاً، وعند الساعة الواحدة صباحاً (بعد منتصف الليل)، سمعنا صوت الميكرفون ينادي على بعض أسماء المسافرين، وعلمنا أن هذه الأسماء سترجع من حيث أتت، إلى غزة، بعد محاولة سفر وانتظار قارب 24 ساعة، وكل المبالغ المالية التي دفعت، فهؤلاء منهم من هو “ممنوع من السفر” لأسباب أمنية أو سياسية أو مجهولة، أو لم تأتِ الموافقة عليهم، وقد تأتي لاحقاً! 

وقفت مشدوهاً أراقب تعابير العائلات، وهم يفترقون عن بعضهم بعضاً. فهناك زوج يجب أن يرجع إلى غزة، لكن زوجته يمكن أن تسافر، أو العكس! كان رجل عجوز يبلغ من العمر 70 سنة، يريد أن يرافق زوجته المريضة للعلاج، والتي تجرّ نفسها على جهاز للمشي (ووكر)، فبدأ يستغيث ويبكي لعل التوسّل يرحمه، لكنه غير مرغوب به في مصر، بينما مسموح للزوجة لأنها مصرية. لكن الزوجة المصرية حسمت الأمر بقرارها العودة مع زوجها الفلسطيني إلى غزة. 

شابة أخرى في الصالة تودّع زوجها بعد أن سمحوا لها بالسفر هي وأطفالها الصغار، ومنعوا الزوج. انهمرت دموعها حتى أغرقت الجميع ألماً وحسرة. ولواء متقاعد جوازه ديبلوماسي منع من مرافقة ابنه الصغير، على رغم كل الاتصالات الهاتفية التي قام بها والتي باءت بالفشل. 

عاد المحرومون من السفر إلى غزة. وبقينا نحن في الصالة، نبحث عن قطعة كرتون نضعها على المقاعد لنتحمّل الإبر المنبعثة من أسفلها. 

استمرّ الليل، واشتدّ الحر، وهبّت معه عاصفة من البعوض. تعالت آهات الجرحى فتطوّعنا أن نحمل قطع كرتون صغيرة، ونحرّك الهواء لنخفّف عنهم الحر ونبعد البعوض. 

يبدو أن الانتظار سيطول للصباح، لذا قرّرت أن آكل ولم يعد يهمّني الأمراض التي ستصيبني لو دخلت دورة  المياه، أو ماذا سيحدث لاحقاً. اشتريت الطعام بالثمن الباهظ، وجلست آكل وأتحاور مع والد شهيد وهو أيضاً والد جريح ينتمي إلى حماس، وشاب ينتمي إلى فتح، وناقشنا من يتحمّل مسؤولية هذا الذل على “معبر رفح” والسكوت عن هذا الواقع غير الإنساني، أهي حماس أم فتح أم الاثنان معاً.   

اقتربت الليلة السوداء على الانتهاء، واجتمعنا لصلاة الفجر. في البدء راودتني فكرة عدم المشاركة بسبب عدم طهر المكان وما اصابنا من تلوث في دورات المياه القبيحة، وفي النهاية صليت. 

وعند الساعة الخامسة والنصف صباحاً تم تسليم المسافرين لدخول مصر جوازات سفرهم. خرج الجميع، العائلات والجرحى، منهكين، لكن على وجوههم ابتسامة لأن الفرج بالوصول ونهاية هذه الرحلة، أصبح قريباً.

“لحظة صعود الطائرة إلى السماء، تمنّيت ألا تعود إلى الأرض. تمنّيت أن أقابل وجه الله وأتخلّص من شياطين الأرض”

وبقينا نحن الأربعة المرحلين ننتظر. سألنا: متى يحين دورنا؟ وقيل لنا: ستخرجون بعد نصف ساعة عندما يأتي مندوب من السفارة الفلسطينية. وقد اتصل شرطي المعبر المصري بالمسؤول، بعد أن قدّمنا له وجبة فطور وعلبة دخان، فسمعنا المسؤول يسأله عن عددنا وعندما علم أننا أربعة قال له: انساهم! وتناسونا. 

مرّت ساعة وساعتان، وخمس ساعات، أصبحت الساعة الحادية عشرة، في مثل هذا الوقت من أمس، دخلنا هذه القاعة، وما زلنا هنا. هجم الذباب والبعوض علينا أكثر!

وقدّمت حافلة من المسافرين الفلسطينيين الجدد، كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً. تأمّلت الوجوه المبتسمة وهي تتسابق لدخول القاعة المصرية، لا يدركون ما يخفي القدر لهم، وما ينتظرهم من لعنات في الساعات المقبلة التي ستطول حتى ساعات فجر اليوم التالي. لكني، لم أقل لأحدهم شيئاً. 

احتجاج فلسطيني لمطالبة السلطات المصرية بفتح معبر رفح

استمرّ اليوم الثاني، بالطريقة ذاتها بالضبط، وتكرّرت مأساة إرجاع أكثر من نصف المسافرين إلى غزّة بعد منتصف الليل، وكأن الأمر استمرار لتعذيب المقهورين في الأرض.

وبخصوصنا نحن الأربعة الذين يجب أن نخضع لـ “الترحيل” إلى مطار القاهرة، حاولنا بكل الطرائق أن نقرع أبواب جهنم لنخرج من هذا الموت المعد سلفاً، فكانت إجابة الشرطة المصرية المشكلة لا تكمن لدينا فنحن ختمنا جوازاتكم منذ الأمس، نحن ننتظر مندوب سفارتكم. 

عند الساعة الخامسة مساءً، ظهر مندوب السفارة، وقال لنا إنه سيحاول جاهداً أن يخرجنا في ذلك اليوم، ثم أخبرنا أن هناك سيارة إسعاف ستنقل ميتاً من غزة، وربما سيتم إخراجنا مع الميت حتى نصل العريش بعد التنسيق مع المسؤولين المصريين! 

وانتظرنا ساعة وساعتين وخمس ساعات، وجاء الليل، ونمنا في القاعة المصرية ليلة أخرى، نمت من التعب، على المقاعد، لعله كان تأقلماً مع الوجع. 

ظهر مندوب السفارة الفلسطينية مجدّداً الساعة الثامنة صباحاً، وتخيّلنا أن الغيمة انقشعت وسنخرج من بين أنياب الذل، لكننا أدركنا سريعاً أنه سيتم استغلالنا مادياً، وسندفع نقوداً مضاعفة إن رغبنا في الوصول إلى المطار سالمين. استسلمنا لواقع الاستغلال، كان أقصى طموحنا أن نغسل أجسادنا بالماء ونتطهّر من العفن وننسى لعنة “معبر رفح”. 

بعد ربع ساعة من مسيرنا بالحافلة، توقّفنا! عرفنا أن هذا أول حاجز مصري، وسيفتح الساعة الحادية عشرة صباحاً! وهكذا علينا الانتظار أمام الحاجز نحو ثلاث ساعات، وانتظرنا. 

على الحاجز التقينا بالمسافرين الآخرين الذاهبين إلى مصر، ومنهم من لم تحمِهم نقود التنسيق، فالحافلة التي خرجت بالأمس من المعبر وجدنا ركابها نائمين على الحاجز أكلتهم الأرض والانتظار.   

ثلاث ساعات عجاف امتصّت ما تبقّى لنا من كرامة، وأشعرتنا بأننا حشرات لا تستحق الحياة، بخاصة حين خرج مجنّد مصري يلعن ويهدّد بأنه لن يسمح لنا بالمرور! التزمنا الصمت قهراً حتى بدأ تحرّك الحافلات بعد الساعة الحادية عشرة، وبدأ مسلسل الحواجز المصرية المتتالية، وعلى كل منها التفتيش مجدّداً مع الإذلال والتحقير. كيف يتحوّل مجنّد “مسكين” إلى أداة في ترس الذل!

50 حاجزاً بالعدد، بين كل واحد والآخر أحياناً مسافة تجعلنا نرى بالعين الحاجز السابق! احترفوا تجريدنا من كرامتنا، كل حاجز يسلّمنا للآخر، وعند بعض الحواجز تتمّ مصادرة بعض ما في حقائبنا، زميلي أخذوا منه حذاء جديداً، والآخر زجاجة عطر، و”صمت المهانة” هو الواضح الوحيد في المعادلة. وفي  حاجز يسمى “حاجز الريسة” ألقوا حقائبنا على الأرض بشكل استفزازي، وبدأوا ينفضون الملابس قطعة قطعة، يفتشون في أرواحنا نحن المنهكين الذين أعيتهم فكرة السفر، والمسافرين على مدى ثلاثة أيام، مصلوبين تحت الشمس. 

وقد طمأننا مندوب السفارة أننا “الخاضعون للرحيل” أفضل حالاً من العائدين إلى غزة، والذين وجدناهم نائمين في العراء منذ ثلاثة أيام على حاجز “الريسة”! 

وكانت الطامة الكبرى عندما وصلنا ما يعرف بـ”المعدية”، وهناك نفض المصريون مجدّداً حقائبنا مرتين في المكان ذاته، في بداية المعدية وفي نهايتها، لم يتركوا قطعة إلا وألقوها على الأرض. 

وبعد هذا الكابوس انطلقت الحافلة إلى المطار في رحلة استغرقت 16 ساعة، ليتم بعدها تسليمنا إلى مندوب المطار، كالمتّهمين الخطرين، ونحن غير قادرين على التفكير، ننسل خجلاً من روائحنا الكريهة. ذهبنا إلى حمام المطار، وأعطيناهم مئات الجنيهات ليسمحوا لنا بأن نغتسل في دورة المياه، فما ذنب المسافرين معنا على الطائرة! ثم حجزت رحلة جديدة، فرحلتي السابقة ضاعت علي. وبقي جوازي مع مندوب المطار حتى اقترب موعد اقلاع الطائرة، وأخيراً صعدت الطائرة، وطارت الطائرة. 

لحظة صعود الطائرة إلى السماء، تمنّيت ألا تعود إلى الأرض. تمنّيت أن أقابل وجه الله وأتخلّص من شياطين الأرض. 

بعد أيام، سمعت أن ألف فلسطيني في طريق العودة إلى غزة ليكونوا في العيد مع أقاربهم وعائلاتهم، ينامون منذ ستة أيام في المعدية على الأرض ويلتحفون السماء، وسيحتاجون أيضاً ثلاثة أيام في المعبر، وتملّكني الرعب من رحلة العودة إلى غزة. كرهت نفسي وكرهت أولياء الأمر بعد أن علمت أن رئيس سلطتنا الفلسطينية وسفارتنا الفلسطينية في مصر تعاملت مع الحدث وكأنها تعالج حالات إنسانية، مجموعات من المتسوّلين يحتاجون طعاماً وشراباً، وليس “كرامة”. لقد أوصلوني وكثيرين في غزة إلى أننا لم نعد نريد حياة، إذ إن موتنا رحمة. ارحمنا يا الله. ارحمنا موتاً. 

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬