شاعرة وباحثة أميركية من السكان الأصليين، والدها لبناني وأمها تنحدر من شعب اللاغونا-سيو. توفيت سنة 2008 بعد صراع طويل مع المرض في سن الثامنة والستين. كانت من الأصوات الأولى والبارزة في أدب السكان الأصليين تأليفاً ودراسة. تُعد أيضاً أماً مؤسسة للحركة الروحانية للنساء المعاصرات.
نشرتْ عدداً من الدراسات النقدية والأنطولوجيات التي عززت وروجت لثقافة وأدب السكان الأصليين.
كانت باولا غون آلن كاتبة غزيرة، نشرت ست مجموعات شعرية من بينها الحياة مرض قاتل: قصائد مجموعة 1962-1995 (1997)، جلود وعظام (1988)، بلاد مظللة (1982)، مدفع بين ركبتي (1981)، أسد أعمى (1974) وكان آخر كتاب أصدرته بعنوان ”أميركا الجميلة“.
حصلت على إجازة في اللغة الإنجليزية سنة 1966 وعلى ماجستير في الكتابة الإبداعية في 1968 من جامعة أوريغون، كما حصلت على الدكتوراه في الدراسات الأميركية من جامعة نيو مكسيكو سنة 1976.
حصلت على جوائز عديدة منها وسام هوبل على ما أنجزته في فترة حياتها في الدراسات الأدبية الأميركية من رابطة اللغة الحديثة، وعلى جائزة المُنجز الحياتي من دائرة الكتاب المنحدرين من السكان الأصليين في الأميركيتين، وعلى جائزة سوزان كوبلمان وجائزة الكتاب المنحدرين من السكان الأصليين في أميركا.
تجمع في شعرها بين تأثيرات الحركة النسوية وتراث السكان الأصليين.
أنشودة الخلق
بهيامٍ، تضفرُ غايا١ أنشودتها
من جميع الخيوط الخضراء المائلة إلى الزرقة.
تستطيع سماعها في منتصف الليل تتنهد
وهي تتسلق إلى داخل الأرض،
سريرها المنسوج،
إنها تحلم الآن، بالمد والجزر.
من الشمال تنسجُ أغنيتها ناويةً
أن تطلع كالبدر في الغرب
عاكسةً الضوء الفضي على أمواج المحيط
هامسة ألغازاً عميقة
باركتْها
إنها تحلم الآن،
تحلم بالنار
إنها حارّة!
تشعل بريجيت٢ النار
خالقةً المكان الذي بدأت منه
وترقص مرة ثانية بقدمين حمراوين حارتين
على الإيقاع الذهبي للنار
بطبْلها
تدعو النار
تدعو من النار
مثيرةً الريح
تنشد النسيم الجنوبي مرتبطة
بالحياة التي تعود إليها بعد كل موت
شاقة طريقها شرقاً إلى الفجر الشاحب.
يولد طلوع الفجر
في أنفاسها
وهي الآن تحلم، تحلم….
تحلم بالأرض
سابحةً في المد والجزر
مناديةً من النار
مثيرةً الريح
حالمةً بهذا العالم.
عزيزي العالم
أمي مصابةٌ بداء الذئبة الجلدي
قالت: إنه مرضٌ
تهجمُ فيه على نفسكَ
كلصٍّ يقتحم البيت
وحين تتصل بالشرطة
ويصلون، يهجمون عليك
بدلاً من الهجوم على المعتدين.
قالت: هذا مفهوم.ٌ
إنه في الدم،
في الدينامية.
امرأة نصف مهجنة
لا تكاد تستطيع فعل أي شيء
إلا أن تهاجم نفسها.
دمها يهاجم نفسه.
وهناك أسباب تاريخية لهذا.
أعرف أنك لا تستطيع صناعة السلام.
إن كونك هندياً وأبيض
يلغيان بعضهما
لا يتركان أحداً في مكانه.
يجب أن يكون هناك أحد
كي يعتني بالمنزل،
كي يقدم الطعام.
إذا ضُربتْ وسُرقتْ
إذا هاجمها الجميع
واجتاحتها، واحتْلتها ودمرتها
سلالاتُ دمها المختلفة،
ولطخاته المتصارعة
ماذا نفعل أيها العالم؟
ننتظر كي نرى فحسب
ما الذي سيحدث تالياً.
ولّتْ الطرق القديمة،
وفيما تتعذب أمي في نيران المرض
عيناها تحترقان
تمزقان نفسيهما إرباً.
جلدها يسودّ في حرارة نارها،
مفاصلها تنتفخ إلى نقطة الانفجار والاندفاع،
آه، الألم يزداد، رئتاها
ترفضان أن تتنفسا المزيد من الهواء،
المزيد من الأوكسجين:
في ظروف كهذه،
حين تتشابك المواد المتطايرة
حين تلتقي المتناقضات التي لا تُصالح،
يتبخّر المصهر ومحتوياته.
اجتماع الأرواح
لأننا نعيش في فصل
التحول إلى البنيّ
هواءٌ ثقيلٌ يسدّ أنفاسنا،
وفي وقتٍ يكون فيه العيش
مجرد بقاء على قيد الحياة،
نشككُ بأصوات
تأتي مظللة في الهواء،
تنسج داخل أدمغتنا
أفكاراً معينة،
حركة ناعمة،
غير قابلة للإدراك،
مطراً شفقياً
سقوط ريشة ناعمة،
جسداً صغيراً يدخل
عشه، يُصدر حفيفاً، يتمتم، يستقر
في الليل.
لأننا نعيش في فصل قاس
يصبح فيه البلاستيك هشاً
ويتوهج الوميض
وفي هذا المكان المسور
الذي يشكل زاوية،
لا نلاحظ البلل، الندى، القطرات المهمة
التي تتساقط في أجواء تامة
التي هي القياسات المحددة لعقولنا،
تقريباً لامرئية، تلك الدموع
ناعمة كالندى، هشة، تتمسك بالأوراق،
البتلات، الجذور، لطيفة وواثقة،
كل صباح.
نحن نساء ضوء النهار،
نساء الساعات والمسابك الفولاذية،
نساء الصيدليات
ومصابيح الشوارع،
الطرق السريعة
التي تشطر أيامنا إلى اثنين.
نمتطي حيواتنا مغلفاتٍ بالبلاستيك والفولاذ
نخبئ أعيننا خلف نظارات عاتمة
أفكارنا مظللة، تبدو غامضة.
الدخان يملأ عقولنا،
الويسكي تخشن أغانينا،
البوليستر يفصلنا عن أجسادنا
أقدامنا تنفصل عن الأحجار المرحبة للأرض،
أحلامنا ذكريات شاحبة عن نفسها
والشك المزعج هو القياس المزيف
لأيامنا.
وبالرغم من هذا،
أصوات الروح غناء
أفكارها ترقص في الجو المتسخ،
أقدامها تلمس الإسمنت، متعة الإسفلت،
ما تزال تنسج أحلاماً على جماجمنا المظللة،
لو كان بوسعنا أن نرى
لو كان بوسعنا أن نسمع.
لنذهب إذاً
لنعثر عليهم.
لنصغ إلى الماء، إلى
القطرات المتوهجة الحذرة
التي تلمع على الأوراق،
والأزهار. لنركب
منتصف الليل، أوائل الفجر،
لنشعر بالريح تهب عبر شعرنا،
لنرقص رقصة الريش
رقصة الطيور.
أصغوا، أتسمعونه؟
ليس شلال ماء، بالرغم من أن له صوتاً عذباً مثله،
ليس نَفس خَشْفٍ وليس تمتمة طائرِ شفقٍ
يرتب ريشه حوله من أجل قضاء الليل،
ليس الرذاذ الذهبي للفجر الذي يلمع بحدة منذراً
بضوء نهار كامل
في مكان أرضي، على البحيرات أو الجداول الفانية.
الصوت الذي أتحدث عنه
ليس حفيف أوراق الربيع الجديدة الرقيقة والناعمة،
إنه صوت شيء ما رحل إلى الأبد،
شيء ما، عادَ وكرر عودته،
شيء ما، كصوت الحب، فاتن،
صوت تدفق، صوت تردد، متبرعم، ساحر
منصبّ، مسفوح،
صوت محدد، ساقط من مكان آخر،
حكاية مسافر ما
جاءت من مكان كالحلم،
ليس سريالياً، ليس شيئاً من هذا القبيل،
لكنه عطر مسفوح
مذاق العسل حين يلمع في الخلية،
صوت يتم تذكره تقريباً، شبه ضائع، حي أبداً.
في يوم كهذا
في هبوب مألوف لهواء جديد
من مكان ما غير هنا،
أسمع الصوت ثانية
وأتوقف،
أحبس نَفَسي في صدري
كأم تحمل طفلاً بهدوء
محاولةً أن تسمع همسة ما
لا تستطيع سماعها تماماً
وتصغي بعينين دامعتين، متعجبة،
وهكذا تم إيقاظي مرة ثانية
على شيء تم التعرف عليه هذا الصباح
شيء ما نستْهُ أزمنة أخرى.
أهذا هو الذي يتحرك مثاراً
كتويجات تتموّج في ريح هادئة،
شيء ما ليس هواءً ولا فكرة
قفز من الظل، ويفيض بالنعمة
يدخل مدى البصر،
حاداً وعزيزاً للحظة
مخادعاً كالذاكرة،
واضحاً ككريستال الفضاء
إشعاع أطلق بغزارة
رؤية شبه ملتقطة لمكان شبه متذكر،
إنه يشبه ولا يشبه المكان الذي أجلس وأتأمل فيه.
جميل وبخفة يطلق عطراً مألوفاً
يسقط شفيفاً كالضباب على حياتي،
العالقة لوقت وجيز
في نوع معين من الضوء.
أصوات
-١-
في يومٍ كهذا
شيءٌ ما مجهول، مألوف، يولّدُ إثارة.
أهو فكرة؟ نسمة؟
صوتٌ يمرّ عبْر
الاتساع الهائل للفضاء
بين هناك وهنا؟
انظروا إلى هناك فحسب
إلى الأمام الذي يتبدى؟
إلى منعطفٍ في الطريق،
تماماً تحت تلك الأغصان
المُثقلة بالأخضر،
تتكوم على الأرض الإبرُ،
أكوامُ أوراق قديمة،
أشنات متنوعة
سماء عميقة ملأى بالغيوم،
رذاذ مطر،
صوته الناعم؟
نموّ زاخر متشابك للشمس،
مشاغبٌ ومنسجم،
كمثل الأشياء المبعثرة لحياة طائشة
للأفعال والأفكار والرغبات
والحب والغضب والمتع والتخيلات والأحزان
الساقطة بنعومة مع مرور أعوام على
بقعة متآكلة مظللة، غنية بالحديد، على أرض مبددة
في عناقات مختلفة، قوتها الحيوية
متناثرة، متشظية في الجو.
كيف أتيتُ إلى هنا؟
هل حُكي عن هذا منذ وقت طويل
هل رُوي في حكايات إنجليزية
عن رحلةٍ يقوم بها فارسٌ أخضر ما
كي يعثر على شيء ما يتوهج بضوء غير أرضي،
كي يعثر عليه في مكان غير أرضي؟
هل الحزامُ المانح للحياة شيءٌ يجب أن أخترقه؟
هل أواجه الآن شروقاً جديداً
حين يتسلق ينظرُ إلى بلد آخر بعيد في الأسفل
حيث توجد الكائنات غير البشرية التي نعرفها
تسير، تغني أحجيات، تنادي، تتجنب الرؤية؟
ما الذي يتحرك؟ غصنٌ نحيل، مُثْقل بالعطر،
تتعلق عليه ورقة وبرعمٌ تلمس الريح بتلاته،
تهب عليه وتميّله
يرنّ بنعومة في أذني؟
هل هو ضوء الأوراق، حياة الشمس،
منحدر من السماء،
ساقط على الأوراق
تحول إلى خشب كئيب وبذور شاردة،
سقط ثانية في ظل مظلم،
جرى إلى الأسفل
كما لو عبْر حيوات متعاقبة،
كي يصل أخيراً إلى مجثم، مستنفداً، في التربة
كي يخدم أخيراً كنشارة ومعدن للأشجار؟
(هل يستطيع الضوء أن يرمي جذوراً
في الطين دون مساعدة، وخالياً من الشوائب؟)
وحيدة وطويلة بين الأشجار الباسقة
آمنة في الظل، أراقب توهجاً مرفرفاً
يتصفى عبر قمة النظر الضيقة بين الأوراق،
أسير على معبر يلطّخ الأرض قليلاً،
طريق غزال، طريق راكون، طريق فأر، انزلاق ثعبان ناعم.
كان خفيفاً جداً المسار الذي سلكتهُ،
منشطرة إلى نصف من الإيمان ونصف من الخوف والغضب.
عثرتُ على طريق متشابك، مظلل، تعرش عليه النباتات بكثرة،
سرتُ على رؤوس أصابع قدمي
كما لو أن عينيّ هما اللتان تسيران
بإصغاء داخلي متوحد مع أذن خارجية.
أرهفت السمع إلى أصوات مألوفة من وقت آخر
سقوط مياه، تموج، رذاذ همس، زبد صاعد:
لا أنين، لا تنهيدة، لا صوت أستطيع أن أصفه
إلا كي أقول إنه صوت سقوط بتلة،
على طول ذلك الخط،
أو اندفاع سريع لريح نحو الداخل،
يصعد ويدور،
كما لو أن الهواء له صوت
كي يمنح فكرته شكلاً،
كي يصنع ويطلق الخلايا العصبية لندائه،
كي يصوغ الطين الحي المرمي والمطلق في تناغم
مع عالم آخر من الحاجات والأذواق،
مع عقول دنيوية أخرى.
هوامش
١- جايا هي إلهة الأرض في الميثولوجيا اليونانية
٢- في الميثولوجيا الإيرلندية، بريجيت إلهة الخصب والشعر.