مضى قرابة عقد منذ أن قابلتْ يافا، فتاة فلسطينية في الخامسة والعشرين من عمرها، لأول مرة جدار الفصل العنصري في صيف 2010. لم تخف يافا، المولودة والمغتربة في دولة الإمارات العربية المتحدة، من المنظر الخارجي للجدار فحسب؛ بل تذكرت الأحداث العنيفة التي أدت لوجوده أصلًا. كحال الكثير من الفلسطينيين القابعين في الشتات، أرادت يافا أن تتغلب على المسافة من خلال التجوال في فلسطين والتعرف على تاريخها وتاريخ أجدادها. خلال رحلتها (التعريفية) من رام الله إلى كنيسة المهد في بيت لحم، تعرفت يافا على قساوة وجه الحياة اليومية تحت الاحتلال الإسرائيلي عند مرور "الفورد" التي كانت تستقله من جانب حاجز قلنديا الإسرائيلي. تدريجيًّا، انتقل تركيز يافا من الجدار نفسه إلى الرسومات المنتشرة على الجدار. على الجدار، لمحت يافا جداريتين مرسومتين: إحداهما لياسر عرفات والأخرى لمروان برغوثي؛ شخصيتين فلسطينيتين كان التعرف إليهما لحظيًّا وسريعًا. بجانب هاتين الجداريتين، خُطّت عبارتان على الجدار؛ إحداهما تنادي بـ"تحرير فلسطين" والأخرى بتحقيق "السلام". إضافة إلى ذلك، شاهدت يافا جدارية لفلاح فلسطيني يرتدي لباسه التقليدي الفلسطيني ويحمل مفاتيح داره؛ مما ذكّر يافا بقصة كانت قد روتها جدتها عن مفاتيح دارها التي ما زالت بحوزتها حين أُجبرت على تركها في يافا (المدينة) خلال حرب عام 1948. على نفس الجهة من الجدار، رُسمت خريطة فلسطين متوشحة بالكوفية. لفت نظر يافا جدارية أخرى لطفل يحمل مقلاعًا ليرمي "قلبًا أحمر". ذكرتها رمزية الجدارية بما سمعته عن الانتفاضة الفلسطينية الشعبية الأولى أو انتفاضة الحجارة. خُطَّ بجانب الطفل عبارة "من فلسطين مع الحب". رؤية يافا لكلمات جدتها مرسومة على الجدار قد هوّن لقاءها غير المحبب معه وغذاها بشجاعة لحظية. تاريخ امتد لأكثر من سبعة عقود تمثّل أمام عيني يافا في ومضة عبور مركبتها من أمام الجدار. كلما استمرت مركبتها في التحرك، كلما تخافتت صور الغرافيتي على الجدار وبقي الجدار يمتدّ لكيلومترات أخرى يلاحق المركبة على طول الطريق ومدةً أطول في ذاكرة يافا. تدرك يافا أن تجربتها مع الجدار "مؤقتة" مقارنة بتجارب الفلسطينين الذين عاشوا الاجتياح الإسرائيلي للمدن الفلسطينية عام 2002 (الحدث الرئيسي المسبّب لوجود الجدار حسب ما يدعي الاحتلال) ويعيشون آثاره إلى يومنا هذا.
[الشكل 1: جدار الفصل العنصري جانب معبر قلنديا في مدينة رام الله. المصدر: ساحرة بليبلة، 2015]
منذ نشأتها في مترو أنفاق نيويورك في سبعينيات القرن الماضي، أصبح الغرافيتي لغة ثقافية وشعبية نابضة بالحياة، جغرافيًّا واجتماعيًّا. اهتمام الأكاديميين في دراسة هذه الظاهرة الحضارية أنتج موسوعة علمية كبيرة متعلقة بدراسة الغرافيتي من وجهات نظر تحليلية مختلفة. على سبيل المثال، ركز الباحثون المعاصرون على موضوعات مثل الهوية الحضرية، والسياسة الحضرية، والذكورية، والآخرية، والتكوين الذاتي، والمطالبات الإقليمية، وتواصل العصابات وسيادتهم على المناطق، والمقاومة السياسية، والثقافات الفرعية، وسوء السلوك المكاني، والاستطباق (gentrification)، والصور المتضاربة. رغم الاهتمام بدراسة ظاهرة الغرافيتي، القليل من الأكاديميين فقط هم من درسوه على أنه بناء تفاعلي ومنتج اجتماعي. لذلك، يتناول هذا المقال دراسة لوظيفة أو دور ظاهرة الغرافيتي الفلسطينية على جدار الفصل العنصري الإسرائيلي. إذ يقدم وجهة نظر تحليلية للعنف المكاني الحضري ونستكشف الغرافيتي كـ"عملية" اجتماعية. على وجه الخصوص، من خلال هذا المقال نناقش دور الغرافيتي في تمكين حق الناس في مواجهة الآثار الاجتماعية والمكانية للعيش تحت فضاء عام مضطهِد ومضبوط من خلال تشكيل وإعادة تشكيل ميزان القوى القائم.
الغرافيتي واستعادة المكان في فلسطين
أَطَّرَ، أو "بَرْوَزَ"، الاحتلال الإسرائيلي ذكرى اجتياحه للمدن الفلسطينية عام 2002 من خلال بنائه جدار الفصل العنصري عازلًا بذلك المناطق الفلسطينية المحتلة منذ نكبة 1948 مع مدينة القدس عن باقي المدن الفلسطينية في الضفة الغربية. منذ بنائه، يواجه الفلسطينيون تقييدًا على حركتهم في مدنهم من وإلى "داخل" الجدار. محكومين بأوامر وتصاريح الدخول الإسرائيلية، يعاني الكثير من المزارعين الفلسطينيين صعوبة الوصول لأراضيهم "خلف" الجدار، عدا عن الوقت الضائع في العبور من خلال الحواجز الإسرائيلية. يواجه الفلسطينييون أيضًا صعوبة الوصول إلى مدينة القدس شخصيًّا وبصريًّا. إضافة إلى ذلك، أصبح الجدار هو المنظر الخارجي لكثير من نوافذ المنازل الفلسطينية والفضاءات الخارجية العامة. يؤكد ما سبق "الحقائق على الأرض" وهي أن الاحتلال العسكري الإسرائيلي قد نجح في بناء وتصميم الفضاءات العامة والخاصة بطريقة تفرض هيمنته على الحياة الفلسطينية مكانيًّا وزمانيًّا ونفسيًّا.
[الشكل 2: أحد المعابر الإسرائيلية في جدار الفصل العنصري في مدينة بيت لحم. المصدر: ناجح هشلمون/Flash90 ، 23 أغسطس 2010]
يصعب تجاهل هذا الجدار خصوصًا مع حجمه غير الإنساني والارتياب الذي حققه، وما زال يحققه، في البنى التحتية الفلسطينية المادية والاجتماعية. وعليه، يُجبَر الفلسطينيون على التعامل مع الجدار يوميًا بشكل يستحيل تفاديه. كردة فعل لوجوده القصري، استُخدم الجدار كمساحة رسم من قبل فنانين فلسطينيين، مثل تقي الدين سباتين، ودوليين، مثل بانكسي. من خلال لوحاتهم والغرافيتي، يعكس هؤلاء الفنانون الرواية الفلسطينية لتجاربهم المعيشية مع الجدار، مسلطين الضوء على الظلم الناتج عن وجوده. فعلى الجدار الإسرائيلي، رُسم العلم الفلسطيني، والعديد من الرموز الفلسطينية (مثل مفتاح العودة، وشجرة الزيتون، والكوفية، وغيرها)، وبعض الشخصيات الفلسطينية (مثل ليلى خالد) وبعض الشهداء (مثل رزان النجار وإياد حلّاق)، ومسجد قبة الصخرة، وغيرها من الصور الرمزية. بينما تعبّر بعض الجداريات عن الذاكرة الجماعية والهوية القومية الفلسطينية، تعبر أخرى عن المعاناة اليومية للمعيشة تحت الاحتلال الإسرائيلي وأخرى عن الطموحات الشعبية بمستقبل عادل ومحرر. عدا عن ذلك، توجه جميع الجداريات المرسومة رسالات لمستخدمي الفضاء العام للجدار، وللمجتمع الدولي، وللمحتل الإسرائيلي أيضًا.
[الشكل 3: رسومات غرافيتي مختلفة على جدار الفصل العنصري في مدينة بيت لحم. المصدر: ألاء شويكي، 21 يوليو 2019]
ممارسة فن الغرافيتي على جدار الفصل يمثّل تحديًا واضحًا لهيمنة الاحتلال الإسرائيلي المفروضة على الفضاء العام الفلسطيني. فعندما يرسم الفنان على الجدار فهو يقاوم بشكل مباشر أبراج المراقبة الموزعة على كل 250 متر منه، ويتحدى أيضًا جنود الاحتلال المتواجدين دومًا في تلك الأبراج. برغم الاعتقالات والمخالفات التي يمكن أن يفرضها الاحتلال على كل من يقوم بعمل مشابه تحت بند "تخريب" الجدار، يستمر الفنانون بالكتابة فوقه. في عام 2018، تعرض فنانان إيطاليان بجانب فنان فلسطيني للاعتقال من قبل قوات الاحتلال لرسمهم جدارية لعهد التميمي في مدينة بيت لحم.
عهد التميمي فتاة فلسطينية كانت قد اعتقلت من قبل جيش الاحتلال وهي في السابعة عشر من عمرها لصفعها جنديًّا إسرائيليًّا، دفاعًا عن نفسها، عندما حاول اقتحام منزلها في قرية النبي صالح. بينما حكم القضاء الإسرائيلي بترحيل الفنانين الإيطالين وإبعادهم 10 سنوات عن الأراضي المحتلة، وبقي مصير الفنان الفلسطيني مجهولًا. بالنسبة للشارع الفلسطيني، من خلال الكتابة على الجدار "يعلّم [الفلسطينيون] عليهم" وفقًا لما قالته لمى، فتاة فلسطينية كانت قد شاركت رأيها خلال دراسة ميدانية في شوارع مدينة بيت لحم عام 2019. في المقابل، روى لنا نضال، شاب فلسطيني في السابعة والعشرين من عمره، تجربته بالعيش مع جدار الفصل العنصري:
"عندما كنت صغيرًا، ربًاني والداي على عدم الاقتراب من الجدار أو الجنود الإسرائيليين. لكنّي لا أنسى اليوم الذي تماديت فيه مع مجموعة من أصدقائي عندما اتجهنا إلى الجدار ولمسناه. لم أكن أعلم لماذا كان هذا الجدار هنا أو ماذا كان سيحصل لي يومها لأني لمسته" (مقابلة، بيت لحم، 23 يوليو/تموز 2019).
كما هو موضح، فن الغرافيتي الفلسطيني قد أصبح لغة ثقافية مقاومة استطاعت أن تغير موازين القوى في الفضاء الفلسطيني العام المحتل. كان نضال يجهل حقيقة أن الجدار وُجد لتقييد حرية وحركة الفلسطينيين. لكن، مظهر الجدار الخارجي قد نجح بزرع الخوف في قلبه وقلوب آخرين. بناءً على رواية نضال، يعتبر الاحتلال الاقتراب من الجدار عملًا متمردًا، بينما يراه الفلسطينيون عملًا شجاعًا يتغلب على مخاوفهم من الاحتلال ويتغلب على "النظام" التأديبي للظالم، ويكسر شوكة/حدّية القوى المسيطرة على المكان. وعليه، فإن موازين القوى في الفضاء العام قد مالت لصالح الفلسطينيين، لحظيًّا أو جزئيًّا، من خلال استخدام الفضاء العام بحرية وتغيير معالم المكان بشكل يعكس مشاعر وقيم الشعب الفلسطيني، ضاربين بعرض الحائط قوانين المحتل، كما وضّحت لنا رواية يوسف:
"حسّنت الغرافيتي الحياة اليومية بجانب الجدار. يستخدم الشباب هذا الفن كأداة للتعبير عن أنفسهم كلما أحسوا بالملل أو الغضب. هم أيضًا يرسلون رسالات للاحتلال الإسرائيلي بذلك" (مقابلة، بيت لحم، 23 يوليو/تموز 2019).
كما ذُكر سابقًا، الرسالات المرسومة على الجدار تعكس آراء وطموحات ومعاناة الفلسطينيين. امتد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين لأكثر من عقد، مما يعرّض ذكريات الحرب الأليمة والحقوق الفلسطينية لخطر النسيان بالرغم من الأثر الكبير المتروك في ذاكرة الفلسطينيين. على الرغم من ذلك، التجارب الفردية والجماعية للحياة اليومية الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي خلّفت كتابًا سميكًا من الذاكرة الشعبية الذي بدوره أصبح جزءًا لا يتجزأ من الهوية القومية الفلسطينية خلال 73 سنة فائتة. الأمر الذي من شأنه أن يخلق صعوبة في نقل ورواية الأحداث اليومية تحت الاحتلال. لذلك يعتبر نقل وتوريث الرواية الفلسطينية شكلًا من أشكال المقاومة. نجح الشباب الفلسطيني في تحويل الجدار المادي للفصل إلى دليل حي ولوحة تسلط الضوء على الذكريات المؤلمة المشتركة للفلسطينيين. الغرافيتي الفلسطيني حوّل أيضًا مستخدمي الفضاء العام إلى مستخدمين نشطاء واعيين ومشاركين في عملية المقاومة السلمية الحاصلة في الفضاء العام؛ إذ إنهم على الأقل يشاركون في التأمل والتفكير بما يرونه على الجدار من قصص وروايات جسّدها الغرافيتي. وبالتالي، فإن إحياء الذكرى الجماعية والتجارب المعيشية للفلسطينيين يمكن أن يساعد في تحفيز المحادثات العامة والاحتفاظ بسجل للانتهاكات الإسرائيلية. وفي هذا الصدد، يعد التواصل الحضري أحد أشكال التفاعل العلاجي داخل الفضاء العام بحيث يعزز الشفاء الجماعي ويدعم الرفاهية الاجتماعية للمجتمعات المتضررة. لذلك، وكما هو موضح في هذا المقال، فإن تعبيرات الغرافيتي الفلسطينية تجسّد "الحق في المدينة" (لوفيفر، 1968) وتعتبر خطوة فاعلة نحو استعادة الفضاء العام.
كتابة الرواية الفلسطينية على الجدار حفّزت أيضًا حوارات حضرية بين المجتمع المحلي والدولي ضد الاحتلال المهيمن. لطالما أثار جدار الفصل أسئلة حول النظام العنصري وراء وجوده، إذ أدانت القوانين الدولية والمجتمع الدولي بناءه. وعليه، انضم العديد من الفنانين حول العالم إلى الصورة لرسم اعتراضهم على وجود الجدار على الجدار نفسه ولمؤازرة الفلسطينيين. الداعي للدهشة هو أن العديد من لوحات الفنانين العالميين، مثل بانكسي، أصبحت وجهة سياحية لمحبي هذا النوع من الفن ولمحبي "السياحة المعتمة". الأمر الذي ساهم في نشر الوعي أكثر عن القضية الفلسطينية عالميًّا، وخلق فرص دخل لبعض العائلات الفلسطينية محليًّا. وبذلك تحوّل الجدار إلى مساحة تعبيرية أو خشبة مسرح يتبادل من خلالها العالم تجارب الظلم ويعكس الصوت الفلسطيني تضامنه أيضًا مع الحركات العالمية ضد الظلم. على سبيل المثال، في عام 2020، عندما أُعدم جورج فلويد من قبل الشرطة الأمريكية، أبدى الفنان تقي الدين سباتين تضامن الشعب الفلسطيني مع الحركة الأميركية "حياة السود مهمة" من خلال رسمه جدارية لفلويد على جدار الفصل بجانب عبارة كتبت باللغة الإنجليزية "لا أستطيع التنفس، أنا أحتاج للعدالة لا للأوكسجين". وضّح سباتين أن العنصرية التي قتلت فلويد في أميركا هي نفسها التي أنشأت جدار الفصل العنصري في فلسطين (ربتلي، 2020). وبذلك خلقت الغرافيتي الفلسطينية فرصًا لتوحيد جهود العالم نحو محاربة الظلم عالميًّا وأصبح الفضاء العام للجدار العنصري فراغًا لمقاومة الظلم والعنف المحلي والدولي. ونتيجة لعيش الفلسطينيين في مساحة محدودة ومسيطر عليها تبيّن أن ذلك لم يمنعهم من أخذ دور في محاربة الظلم عالميًّا. الأمر الذي يعزز حقيقة "أن الفلسطينيين موجودون هنا" رغم كل المحاولات الإسرائيلية لطمسهم واعتبارهم "غير مرئيين" (بليبلة، 2015) كما وضّح جهاد، فلسطيني يعيش بجانب الجدار في بيت لحم:
"الغرافيتي هي لغة يسهل قراءتها على الجميع. يستطيع العالم قراءة معاناة الفلسطينيين مع الجدار على الجدار نفسه" (مقابلة، بيت لحم، 24 يوليو 2019).
لكن بالنسبة لآلاء، فتاة فلسطينية، "إسرائيل عمياء، بل ترفض أن ترانا"، وتوضح آلاء أكثر:
"عندما نتكلم معهم، نفترض أن الطرف الآخر يسمع، لكنهم ببساطة لا يسمعون. لو قرر الإسرائيليون ليوم واحد فتح أعينهم حقًّا لكان بإمكانهم رؤية ما يحدث على أرض الواقع، ويمكن أن يشعروا بضرورة إزالة هذا الجدار" (مقابلة، بيت لحم، 23 يوليو/تموز 2019).
[الشكل 4: جدارية للشهيد إياد حلّاق قام برسمها الفنان الفلسطيني تقي الدين سباتين، بجانب جدارية للمناضلة ليلى خالد. المصدر: هشام أبو شقرة، 15 يونيو 2020]
"الحق في المدينة"
يواصل الاحتلال الإسرائيلي، اعتبار الكتابة على جدار الفصل العنصري شكلًا من أشكال التخريب. ومع ذلك، في فلسطين، أصبحت الكتابة على الجدران ممارسة ثقافية لإعادة إنتاج أماكن ذات مغزى في المجتمع من خلال تدوين القيم والذكريات والهويات وكذلك تمثيلها على جدار الفصل العنصري ماديًّا. لقد تحدى الفنانون المحليون والدوليون بشكل إبداعي وحر مراقبة القوة العسكرية الإسرائيلية المحتلة ونظامها من خلال كتاباتهم ورسوماتهم الملونة. حفزت أفعالهم أيضًا المحادثات العامة ومكنت مستخدمي الفضاء العام من القراءة والتفكير والتأمل ومحاكاة التجارب المشابهة. وهي عملية تُحوِّل مستخدمي الفضاء من مارة فحسب إلى أعضاء نشطين في حركة المقاومة؛ وبالتالي، فإن الكتابة على الجدران هي بمثابة تعبير ومثال على دعوة لاستعادة "الحق في المدينة". في السياق الفلسطيني، تجاوز التواصل الحضري عبر الغرافيتي الجمهور المحلي واستهدف الجمهور العالمي. إن الوصول إلى المجتمع الدولي من خلال هذا الفن يضيف إلى استراتيجية المقاومة الفلسطينية، لا سيما في مواجهة الإقصاء والتجاهل.
باختصار، تعتبر الكتابة على الجدران الفلسطينية ممارسة إبداعية نابضة بالحياة تساهم في إعادة إنتاج المساحات الحضرية. شكل بناء جدار الفصل العنصري ظلمًا مكانيًّا. ومع ذلك، فإن الكتابة على الجدران نفسها قد أعادت توظيفها في فرصة لتحقيق العدالة. يعتبر الفلسطينيون الكتابة على الجدران وسيلة زمنية ويومية لاستعادة حقهم في المدينة، حيث لا يمكن تحقيق العدالة الحقيقية إلا من خلال تفكيك الجدار. وعليه، فإن الكتابة على الجدران وتفسيرها والتعرف عليها هو نتاج اجتماعي من خلال المشاركة النشطة في الحياة اليومية في فلسطين. هذا المقال يساهم في الجدل الأكبر حول "الحق في المدينة" والبيئات العادلة بحيث يقدم فهمًا أكثر تعمقًا لمقاومة الناس اليومية على الرغم من القيود الموجودة. علاوة على ذلك، تناقش التجربة الفلسطينية الفنية منظورًا جديدًا فيما يتعلق بالكتابة على الجدران كمنتج اجتماعي وعملية تهدف إلى إعادة تشكيل الفضاء العام في مواجهة الظلم المكاني والعنف الحضري.
ملاحظات
1. غُيّرت جميع أسماء الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إلى أسماء مستعارة لحماية سرية هويتهم.
2. استُخدمت جميع الصور بعد الحصول على إذن أصحابها، مع منح الحقوق.
المصادر والمراجع
Bleibleh, S. (2015). Walking through walls: The invisible war. Space and Culture, 18(2), 156–170.
Lefebvre, Henri (1996), "The right to the city", in Kofman, Eleonore; Lebas, Elizabeth (eds.), Writings on cities, Cambridge.
Ruptly (Director). (2020, June 10). Mural depicting George Floyd unveiled on West Bank “Apartheid Wall” [Video]. YouTube.
*صورة المقال: جدارية للشهيد إياد حلّاق قام برسمها الفنان الفلسطيني تقي الدين سباتين، بجانب جدارية للمناضلة ليلى خالد