سالم بن سليم
(مسار للنشر والتوزيع، القاهرة، 2022)
[سالم بن سليم، قاص وروائي يمني، من مواليد محافظة حضرموت، 1989. صدرت له رواية "النوافذ الصفراء" عن دار "فكرة" للنشر والتوزيع، مصر. حاصل على جوائز محلية في مجال القصة القصيرة: "جائزة رئيس الجمهورية للشباب"، 2009، على مستوى وادي حضرموت؛ "جائزة قاص الكلية"، 2014، كلية التربية- وادي حضرموت].
جدلية (ج): كيف ولدت فكرة النصوص؟ ما هي منابعها وروافدها، ومراحل تطوّرها؟
(س. س.): النصوص لم تُكتب دفعة واحدة، وهذا يعني أن أفكارها أيضاً لم تولد دفعة واحدة. كل نص يمثل فكرة، وكل فكرة كانت وليدة تجربة أو ملاحظة؛ أو موقف معين. وأحياناً تنبع الفكرة كقبسة ليس هناك تفسير لحدوثها. تتخمر -في حال تم الاعتناء بها- ثم تتضخم لتجبرك على إخراجها كنص.
(ج): ما هي الثيمات الرئيسية، ما هو العالم الذي تأخذنا إليه المجموعة؟
(س. س.): تغلب على الرواية الثيمة الاجتماعية، الجزء الأكبر منها تحتله قصص تحكي معاناتنا مع الحرب والحياة بشكل عام. ولكن هناك قصص أخرى هي عبارة عن أفكار متنوعة، شخصية، أو حتى ميتافيزيقية.
(ج): كتابُك الأخير مجموعة قصصيّة، هل لاختيارك جنسًا أدبيًا بذاته تأثير فيما تريد أن تقول، وما هي طبيعة هذا التأثير؟
(س. س.): هناك دائماً مواضيع أقل من أن تسمح لك بتحويلها إلى رواية، ليس لأنها ضعيفة ولكن لأن خامتها لا تتحمل الإطالة والمط، وهناك أيضاً ما نريد أن نرصد وأن نوثقه، وليس لدينا وقت كاف لتحويله إلى رواية، وهذا يعني أنه من الممكن في المستقبل تحويل فكرة بعض القصص إلى روايات.
(ج): ما هي التحديات والصعوبات التي جابهتك أثناء الكتابة؟
(س. س.): واقعنا الصعب هو أكبر تحد يمكن أن يواجهه أي كاتب. حين يجب عليك أن تختار ما بين الكتابة وطعام أطفالك فهذا شيء صعب بالنسبة لكاتب.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الإبداعية؟
(س. س.): هذا الكتاب هو كتابي الثاني بعد روايتي "النوافذ الصفراء".
(ج): هل هناك نصوص كانت ذات تأثير خاص، أو قرأتها أثناء إنجاز النص؟
(س. س.): باعتقادي أن الإنسان أو الكاتب على وجه الخصوص بحاجة إلى التغذية العقلية الأدبية أو أي مجال هو يكتب فيه لكي يستمر في الكتابة. وهذا يعني أنه يجب على الكاتب أن يكون قارئاً في المقام الأول. وأما بالنسبة لي فقد قرأت في مجال القصة الكثير من النصوص المتفرقة والمتنوعة.
(ج): هل تُفكّر بقارئ محدّد أثناء الكتابة، صفه لنا؟
(س. س.): لا، في الواقع لا أفكر في قارئ محدد لأن هذا سوف يعيقني ويقيدني، وأنا أحب أن أكتب بأريحية. بمعنى أنني أكتب الفكرة التي أرى إنها مناسبة من دون أن أفكر في ما قد يقال عنها.
(ج): ما هو مشروعك القادم؟
(س. س.): رواية جديدة، بثيمة مختلفة.
مقتطف من الكتاب
السرير 13
أنا الآن أجلس على هذا الكرسي الحديديّ بلا مساند للأيدي ومسند ظهر معوج.
أعتمد -بثقلي وهمومي وكومة الإحباط والحنق التي تملأ دماغي وكل حيز متاح في صدري- على زنديّ النّحيلين أغرسهما بلا شعور فوق فخذيّن وفوق سرير بلا تنجيد وضعت لحافاً مزهراً؛ لأجعله مناسباً للاستخدام الآدمي، تتمدّد ابنتي كأنَّها جسد، وفي أنفها الصَّغير أنبوبة بلاستيكيَّة تمنحها دفقاً ضئيلاً من الحياة، وأنبوبة أخرى تسكب مزيداً ومزيداً من السَّوائل التي تخلو منْ أكثر ممّا أوصى به الطَّبيب، وعلى امتداد هذه الصَّالة ترتصّ أسرّة أخرى، معظمها شاغرة، على بُعد سريرين، رجل خمسينيّ استرخى وحيداً وهو ينظر إلى السَّقف بعدما فشل في لفت انتباه الممرضين، لا أستطيع أنْ أكترث له الآن، فقط كلّ ما أراه هو ابنتي.
أراقب عينيها الغائرتين في محجرين داكنين، وأنا أمتعض مِنْ خفوت أحلامي للحدّ الذي أرغب فيه أنْ تحرِّك جفنيها فقط.
أجرجر نظراتي عنها، الذّبابات هناك تحتفل حول بقعة بجانب صندوق النُّفايات البلاستيكي الصَّغير، المروحة تنتحب على طريقتها الخاصة، تمزِّق بشفراتها الصَّدئة أنسجة أحشائي، العجز يسكنني عما يمكنني فعله لقتله، للانتصار عليه حتى لهذه المرَّة فقط "أقسم ألّا أطلب شيئًا آخر" توسلته.
استند إلى مسند كرسيي، تهالكتُ أكثر، وفي محاولة يائسة ألملم هلام الانهزام من رئتيّ، ومفاصلي، وأنتحب بين كفيّ المرتعشين، لا شيء يجدي.
عزرائيل، إنْ أتيت، أقسم لكَ أنَّك لنْ تأخذها وحيدة.