على الرغم من أن المياه تغطي ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، إلا أن المياه العذبة تعد واحدة من الموارد النادرة، وأكثرها أهمية، حيث قامت الحضارات البشرية عندما اجتمعت أعداد كبيرة من البشر بالقرب من المناطق الغنية بالمياه مثل أنهار النيل ودجلة والفرات، وكان للمياه دوراً رئيسياً أيضاً في انهيار مجتمعات وحضارات بشرية حينما يساء إدارتها أو تتعرض لكارثة ما. والمياه عامل مهم من عوامل البيئة، وتلعب دوراً أساسياً في التنوع الحيوي، باعتبارها شرطاً اساسياً للحياة، وهي أيضاً حق من حقوق الإنسان في توافرها وجودتها وإمكانية الوصول إليها، فبحسب لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن لكل شخص الحق في الحصول على المياه بالكميات الضرورية التي تلبي احتياجاته الأساسية على أن يكون خاليًا من المواد الضارة مثل الكائنات المجهرية، والمواد الكيميائية والمخاطر الإشعاعية.
تعتبر المنطقة العربية من أكثر الدول في العالم من حيث الإجهاد المائي وندرة المياه، حيث تبلغ حصة الفرد من المياه نحو عُشر المعدل العالمي، ومن بين البلدان العشرين الأكثر فقراً بالمياه يوجد 13 بلداً عربياً، تبلغ حصة الفرد في ستة منها أقل من 100 متر مكعب أي أقل من 2 بالمئة من المعدل العالمي الذي يبلغ أكثر من 6000 متر مكعب سنوياً، ففي الأردن مثلاً تبلغ حصة الفرد من المياه 61 متراً مكعباً فقط. ومن بين أسباب معاناة العالم العربي من الناحية المائية أن ثلثي مصادره من المياه العذبة تقع خارج حدوده، هذا بالإضافة لانعكاس أزمة الاحتباس الحراري عليه على شكل انخفاض في نسبة الهطول المطري وزيادة كبيرة في نسب التبخر في منطقة تعتبر 70% من أراضيها قاحلة وصحراوية ويتوزع المطر فيها بشكل غير متوازن.
أن ندرة المياه السطحية في غالبية البلدان العربية قادها إلى استنزاف الخزانات الجوفية، فاستغلال المياه الجوفية بما يتجاوز النسب المأمونة يسهم في تلوث الخزانات الجوفية، وهي مشكلة متفاقمة وتتداخل مع عناصر مختلفة بالإضافة إلى تلوث الخزان الجوفي بمياه البحر، مثل ازدياد تصريف المياه العادمة غير الآمنة مثل المياه الصناعية والمنزلية بالإضافة إلى الاستخدام الجائر وغير الخاضع للرقابة للمبيدات الزراعية.
إن القطاع الزراعي الذي يظن الغالبية من الناس أنه صديق للبيئة جعلته السياسات غير المدروسة واحداً من القطاعات المضرة بالبيئة، عبر فتح الطريق أمام الشركات العالمية لتسويق مبيداتها وبذورها المعدلة. وعلى الرغم من أن إنفاق البلدان العربية على البنية التحتية وأعمال الصيانة لشبكات المياه والري تعتبر كبيرة نسبياً إلا أنه يسري عليها ما يسري على باقي القطاعات من انخفاض الكفاءة وسوء الإدارة، إذ تستهلك الزراعة في المنطقة العربية حوالي 85% من المياه، فيما يبلغ المعدل العالمي 70%، ويرجع ذلك إلى أساليب الري التقليدية التي تزيد من الهدر، حيث تبلغ كفاءة الري في البلدان العربية نحو 30% بينما يبلغ المعدل العالمي 45%.
لا يحتمل الوضع المائي في البلدان العربية خسارة نقطة ماء واحدة، غير أن الهدر المائي الناتج عن سوء صيانة شبكات المياه يتجاوز الخمسين بالمئة في بلد مثل الأردن، ولا يقف الضغط على الموارد المائية الشحيحة في المنطقة العربية على الزيادة السكانية والهدر وانعدام الكفاءة والمشكلات الهيكلية في قطاعات إدارة المياه والري، بل تصل إلى "تصدير المياه" للبلدان الأوروبية الغنية بالماء عبر فتح باب التنافس لتصدير المنتجات الزراعية التي تستهلك كميات كبيرة من الماء مثل الفلفل الحلو والبندورة والخيار وغيرها من بلدان عربية تعاني شحاً مائياً مثل الأردن والمغرب.
إن الضغط الكبير على الموارد المائية يلفت نظرنا إلى ضرورة اتباع الحلول للتغلب على المشكلة، مثل الحصاد المائي لمياه الأمطار ومعالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها، غير أن الأرقام في هذه المجالات غير مبشرة، فأكثر من 43% من المياه العادمة المنزلية والصناعية في البلدان العربية لا يتم معالجتها، وثلث المياه المعالجة فقط يتم استخدامها بالشكل الصحيح.
إن إدارة الموارد المائية بالشكل الأمثل ضرورة وجودية بالنسبة للبلدان العربية، وتداخل هذه الأزمة مع الأزمات البيئية الأخرى مثل التلوث والمبيدات والمياه العادمة الصناعية والاحتباس الحراري واضحة للعيان، بما يجعل السعي نحو سياسات بيئية متكاملة واقتصاد مستدام يراعي المخاطر البيئية والمائية ويدير الموارد بشكل كفؤ ضرورةً لا غنى عنها لاستمرار المجتمعات العربية واستدامة وجودها على أرضها، غير أن كل هذا الواقع لا يدخل ضمن نطاق اهتمامات الحكومات أو المعارضات العربية بوجه عام، فبقدر ما هي ضرورية بقدر ما هي غائبة، وهو ما يفتح أسئلة عن ضرورة المزيد من الاهتمام بالمشكلة واجتراح الحلول لها، وأسئلة أخرى حول تعبير سياسات الحكومات عن مصالح الشعوب في المنطقة، التي تقترن مصالحها بالاهتمام بالبيئة والصحة العامة وجودة الحياة، وحقوق الإنسان ومنها حقه في المياه توافراً وجودةً ووصولاً.