على الرغم من أن الأفكار التي تدعو لحماية البيئة والتنمية المستدامة تطورت بشكل كبير خلال العقود الماضية، واستندت إلى دراسات علمية عديدة، إلا أن الاعتقاد السائد أن حماية البيئة تقتصر على تقليل الملوثات للهواء والمياه وزيادة الغطاء الشجري والتعامل مع النفايات، وهي أهداف مهمة وأساسية، لكنها لا تعكس بشكل دقيق الوعي البيئي، ولا تأخذ اعتبارات التنمية المستدامة الكامنة وراء الدعوات لحماية البيئة. في هذا المجال أجريت عدة دراسات حول الوعي البيئي لدى الطلبة وفئات أخرى، من بينها دراسة أجراها باحثون من الأردن وسلطنة عمان، وأكدت الرأي باقتصار الرؤية البيئية على التلوث والغطاء الشجري[1].
إن التنمية المستدامة مفهوم عالمي يشير إلى دمج الاعتبارات البيئية في التخطيط التنموي، عبر التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة، فلا يمكن أن يتحقق الاقتصاد المستدام بدون أن يكون النمو الاقتصادي مستداماً ويضمن للرجال والنساء الحق في الحصول على الموارد، فمن أجل إنجاز تنمية مستدامة، واقتصاد أخضر يراعي البيئة وصحة الإنسان والتنوع البيولوجي، لا بد من مجتمعات يسود فيها السلام والعدل والمساواة واحترام القانون، وحق الجميع في التقاضي بدون عراقيل، وهي معايير لا بد لها من مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة، فلا يمكن لأي اقتصاد سليم أن ينشأ في ظل الفساد والفقر والرشوة، أو غياب الحريات، أو تحت حكم العصابات والترهيب.
يعتبر القضاء على الفقر شرطاً أساسياً للتنمية المستدامة، ولا تعتبر الأرقام الخاصة بالفقر سارةً أو مبشرة، فنحو 10% من سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر المدقع بحسب البنك الدولي، إذ يعيش 15.7% من الأردنيين و 16.6% من التونسيين وحوالي 30% من المصريين تحت خط الفقر، والحال كذلك في بلدان مستقرة أمنية بشكل عام في المنطقة العربية.
إن التعليم الجيد مدخل أساسي للقضاء على الفقر، بالإضافة لكونه حقاً من حقوق الإنسان، ومن المهم أن يكون التعليم متساوياً للذكور والإناث بما يضمن تكافؤ الفرص، وأن يقدم التعليم المهارات اللازمة لاندماج الأفراد في سوق العمل وبما يضمن لهم وظائف مستدامة.
إن من أهداف التنمية المستدامة وحماية البيئة ضمان توافر المياه والصرف الصحي، وهي عوامل مؤثرة في الأمن الغذائي، والصحة العامة، وفرص التعليم. بحسب الأمم المتحدة فإن 2.2 مليار شخص يفتقرون إلى نظام آمن لإدارة المياه، وأكثر من 700 مليون شخص محرومون من المياه، ونحو 3.5 مليار شخص يفتقرون لنظام صرف صحي، و 2.2 مليار شخص يفتقرون لمرافق أساسية لغسل اليدين.
ومن أهداف التنمية المستدامة الحق في الحصول على خدمات الطاقة بكلف معقولة، ووفرت مصادر الطاقة المتجددة فرصة لتحقيق هذا الهدف، عبر نشر ألواح الطاقة الشمسية في القرى والأماكن النائية والمناطق الأكثر فقراً، بما يضمن حصول السكان طاقة نظيفة ومستدامة، لكن البلدان التي كانت رائدة ضمن المنطقة وسباقة في تبني تكنولوجيا الطاقة الشمسية، مثل الأردن والمغرب، منحت كبار المستثمرين الحق في بناء محطات الطاقة الشمسية، ما أسهم في استغناء كبار المستثمرين مثل البنوك وشركات الاتصالات عن شبكة الكهرباء العامة، مما سيسهم في زيادة الضغط على الفقراء والمشتركين الصغار الذين سيضطرون لتحمل كلف إضافية لإصلاح الشبكات. إن هذه المشكلة مثال جوهري لفهم كيف يمكن أن تكون الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية مخالفةً للتنمية المستدامة، ومسببة للمزيد من الاختلال في توزيع الثروة.
إن حماية البيئة جزء من نظرة شمولية تتضمن الأخذ بالاعتبار الاستدامة، وفي القلب من التنمية المستدامة المساواة، عبر القضاء على الفقر، وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، وتوفير فرص العمل اللائق والآمن للجميع من أجل الحفاظ على نمو اقتصادي يناسب الزيادة السكانية ويحقق هدف القضاء على الفقر.
إن كل هذا لا يمكن أن يتحقق بدون اتباع سياسات شاملة تحد من أوجه التمييز وانعدام المساواة، من قبل مؤسسات تخضع للرقابة وتعزز سيادة القانون، حيث أن تلك السياسات الشاملة يجب أن تمر عبر إصلاحات قانونية وتشريعية، من أجل ضمان الشفافية وحق الحصول على المعلومات، بالإضافة إلى حماية الحريات الأساسية. ومن هنا يتداخل سؤال الديمقراطية مع التنمية المستدامة وحماية البيئة، فلا يمكن أن يكون هناك مساواة بدون حق مشاركة الجميع في السلطة والموارد، وبطريقة ديمقراطية وفعالة، وبما يضمن تساوي الجميع والتزامهم بالقانون، فالأنشطة الاقتصادية بدون رقابة ومؤسسات قوية ومعايير صارمة وضمانات، من السهل أن تتجه نحو تعظيم الأرباح على حساب حقوق العمال أو التمييز في الأجور بين الرجال والنساء، أو على حساب الموارد الطبيعية عبر استنزافها والإخلال بالتنوع البيولوجي وتعريض حياة الغالبية المهمشة للمزيد من الأخطار، وهو ما نراه يحدث فعلاً الآن في بلداننا.
إن حماية البيئة والتنمية المستدامة تعني أيضاً الاهتمام بالإنسان وتعليمه ومستقبله وكرامته وبالبيئة التي يعيش فيها، وباعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي فإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية ركن أساسي من أركان التنمية المستدامة، ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال المساواة والسلام والعدل وتكافؤ الفرص والديمقراطية، وهو ما تحتاجه مجتمعاتنا، سواء المستقرة أمنياً تحت أنظمة سلطوية، أو تلك التي عانت ولا زالت تعاني من انهيار المؤسسات والحروب الأهلية.
هامش:
[1]: Awad et al . (2022). A Study of Environmental Awareness among Primary School Students in Some Schools in the Hashemite Kingdom of Jordan and the Sultanate of Oman for the Academic Year (2019/2020): A Comparative Study. Dirasat: Educational Sciences, 49(2), 119–138.