ألمى راشيل هكمان
(دار نشر جامعة ستانفورد، 2021)
جدلية (ج): ما الذي دفعك إلى كتابة هذا الكتاب؟
ألمى راشيل هكمان (أ.ر.هـ.): سافرت إلى المغرب للمرّة الأولى سنة 2009 بمنحة من فولبرايت لدراسة المواقع الأثريّة اليهوديّة المغربيّة. هناك، تطوعت للعمل مع "مؤسّسة ومتحف التراث اليهودي المغربي" في ضاحية "الواحة" أو "لوازيس" في الدار البيضاء، حيث كنت أقوم أساساً بتصنيف الوثائق الأرشيفيّة. وكان مؤسس المتحف ومديره هو سيمون ليفي (1934-2011)، وهو مغربي يهودي كان ناشطاً على امتداد عقود في الحزب الشيوعي المغربي، وقد ناضل من خلاله من أجل التحرّر الوطني من الحكمين الاستعماريين الفرنسي والاسباني (1912-1965). كنت قد تخرجّت حديثاً من الجامعة ولم أكن قد سمعت من قبل عن يهود في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا يناضلون من أجل الاستقلال- كنت أعرف فقط عن يهود يغادرون بلادهم الأصليّة في أعقاب تداعيات النزاعات المعادية للاستعمار في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. كنت أريد أن أعرف مدى استثنائيّة قصّة ليفي، فبدأت أتحرّى أكثر. وقادت هذه التحريات في النهاية إلى سرديّة جديدة للتاريخ السياسي لليهود المغاربة في القرن العشرين، مع ما لذلك من تبعات على التاريخ اليهودي الحديث كما تاريخ المنطقة الحديث كما هو مدوّن، بشكل عام.
تاريخياً، أهمل التأريخ اليهودي التاريخ السياسي اليهودي في المنطقة في سرديته المعهودة، فيما أهمل التأريخ الحديث للمنطقة في الغالب مساهمات الأقليّات في التنظيمات الوطنيّة. إن تاريخ الشيوعيين اليهود المغاربة يتقاطع مع هذه الدوائر التأريخية كلّها.
(ج): ما هي الموضوعات والمسائل والأدبيات التي يتناولها الكتاب؟
(أ.ر.هـ.): يستكشف هذا الكتاب المشاركة اليهودية المغربيّة في حركة مناهضة الاستعمار المغربية ويتابع قصص يهود مغاربة ناشطين سياسياً بقوا في البلاد بعد الاستقلال سنة 1956 وصولاً إلى التسعينيات. وهو يعد بذلك جزء من مجموعة متنامية من المؤلفات التي تناقش (علاقة) يهود منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمشاريع الوطنية للقرن العشرين. وتتضمن هذه المؤلفات أعمالاً لكل من جويل بينين ورامي غينات عن مصر، وأوريت باشكين عن العراق، ليور سترنفلد عن إيران، بيار جان لو فول لوتشياني عن الجزائر، وكاميليا رحموني عن تونس.
وحتى وقت قريب نسبياً، لم يكن التأريخ المهيمن ليهود المنطقة يأخذ في عين الاعتبار مسارات اليهود الذين حاربوا الاستعمار وسعوا للمساهمة في المشروع الوطني لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الاستقلال. عوضاً عن ذلك، شدّدت غالبيّة السرديات على الهجرات الجماعية لليهود وعلى العداوات بين فئات المجتمع. عبر هذا الكتاب، أقوم بالتدخّل بهذه السردية التي كانت سائدة من قبل لكشف تاريخ من الوطنية اليهودية المغربية والمثاليّة السياسيّة التي صمدت في وجه المطبّات التقليدية الناجمة عن تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، وعن الاستقلال المغربي سنة 1956، وعن الحروب الإقليمية مع إسرائيل في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وبالنسبة لليهود المسيّسين في المغرب، كما هو الحال بالنسبة لليهود في أماكن أخرى في العالم، وفّرت الشيوعية أكثر السبل عمليّة وإقناعاً للمساهمة في حركة التحرر الوطني حيث أنّها كانت الحركة السياسيّة الوحيدة التي لم تركّز على أي هوية إثنية أو دينية وطنية محدّدة.
(ج): كيف يرتبط هذا الكتاب أو يبتعد عن عملك السابق؟
(أ.ر.هـ.): هذا هو كتابي الأوّل. معظم المقالات والفصول التي نشرتها لها علاقة بهذا الكتاب بشكل ما، وهي تتناول موضوعات متعدّدة. فمثلاً، نشرت عدداً من الفصول والمقالات عن الحرب العالمية الثانية في المغرب وتسييس اليهود المغاربة، لاسيما في إطار السياسات الشيوعيّة. إن القضيّة الأساسية للكتاب ولمنشورات متّصلة أكثر إيجازاً، هي مسألة الانتماء السياسي اليهودي في المغرب وموقع اليهود في سياسات التحرر الوطني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
(ج): من تأملين أن يقرأ هذا الكتاب، وما نوع التأثير الذي ترغبين أن يخلّفه؟
(أ.ر.هـ.): حاولت أن أكتب "شيوعيو السلطان" بأسلوب سردي ميسّر، وهو يتتبع قصص خمسة يهود مغاربة راديكاليين (ليون رينيه سلطان، إدمون عمران المالح، أبراهام سرفاتي، سيمون ليفي وسيون أسيدون)، كما حاولت صياغة كل فصل بحسب المواضيع والتسلسل الزمني. آمل بذلك أن يجد الكتاب قراء إضافيين من خارج الإطار الأكاديمي وأن يصل إلى كلّ المهتّمين بالتاريخ اليهودي في المنطقة، وبتاريخ اليهود والسياسات الراديكاليّة، وبتاريخ اليهود المناهض للصهيونيّة في المنطقة، وتاريخ الحركات المناهضة للاستعمار.
بصورة أساسيّة، آمل أن يستخرج القارئ من الكتاب إدراكاً بتنوّع المسارات التاريخية السياسيّة ليهود الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، مستخدمة المغرب كنموذج دراسي.
(ج): ما هي المشاريع الأخرى التي تعملين على إنجازها الآن؟
(أ.ر.هـ.): أعمل مع كل من ناثانييل دويتش من جامعة "كاليفورنيا في سانتا كروز" وطوني ميتشلز من جامعة "ويسكنسن" في ماديسون، على المشاركة في تحرير مجلّد عن اليهود والسياسات الراديكاليّة حول العالم. ففي حين لاحظ العديدون الانخراط غير المتكافئ لليهود في السياسات الراديكاليّة اليساريّة في عدد من المجالات المحدّدة، نسعى من خلال هذا المجلّد إلى دراسة هذه الظاهرة عبر هذه المجالات، ومن ضمنها السياقات الاستعمارية التي كانت مهملة سابقاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للإضاءة أكثر على التاريخ السياسي اليهودي الحديث.
بالإضافة إلى هذا المجلّد، بدأت البحث من أجل مشروع كتاب ثان. ويستكشف هذا المشروع مشاركة اليهود والمسلمين في منظمات مناهضة للفاشيّة في المنطقة خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، مع تركيز خاص على "الرابطة الدولية المناهضة لمعاداة الساميّة". وقد أسّس الرابطة في 1928 برنار لوكاش وهو يهودي فرنسي، وكان لها فروع في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واشتّدت فعالية عملها خاصة في الثلاثينيات.
(ج): ما هي مصادر الكتاب، وبأي لغات؟
(أ.ر.هـ.): مصادر الكتاب هي مجموعات أرشيفية مختلفة بعضها رسمي وبعضها شخصي، بالإضافة إلى شهادات شفهيّة، ومؤلفات أدبية ومناشير سياسيّة. عملت على المحفوظات الأرشيفية في كل من المغرب وفرنسا وإسرائيل وإسبانيا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. ومواقع المحفوظات الأرشيفيّة، كما هو الحال بالنسبة للكثير من الموضوعات البحثية عن الاستعمار والمراحل التالية للاستقلال، تعكس الأنماط السياسية وتلك المتعلقة بالهجرة للمواد المعنية، وهي في هذه الحالة التاريخ السياسي اليهودي المغربي في القرن العشرين.
كان الأرشيف الشخصي لسيمون ليفي في غاية الأهميّة، وأنا ممتنة لأسرته لأنها منحتني حق الاطلاع على هذه المواد التي تتضمن وثائق داخلية للحزب الشيوعي المغربي، ومواد ترويجية، وعرائض وغيرها. معظم المواد التي قدّمها اليهود المغاربة كانت بالفرنسيّة، مع القليل جداً من المواد المطبوعة بالعربية، وهو دليل على السياسات التربوية التي بدأت في القرن التاسع عشر وتم تكثيفها خلال الحكم الاستعماري. ومن اللغات البحثية الأخرى العربية والعبرية والإسبانية والعربية المغربية اليهودية.
مقتطفات من الكتاب
تشظي: الخذلان والحياة السياسية اليهودية في المغرب الجديد
أبي، رحمه الله، كان يقول لي دوماً: "إن المغرب هو أسد يجب توجيهه برسن. يجب ألّا يشعر أبداً بالقيد (...) حين يسحب هو كثيراً، أُرخي قليلاً، وحين يهدأ، أشدُ قليلاً. إنّها مساومة دائمة، مشتركة وفي اللاوعي. نحن غارقون في المغطس نفسه، وهو مغطس من الحب ومغطس من النزاع. تحوّله هذه العلاقة إلى تضامن مثالي حين تكون الأمّة في خطر"... الملك الحسن الثاني
خلال الانتفاضة الدامية في الدار البيضاء في آذار 1965، اعتقلت الشرطة سيمون ليفي. تم تعذيبه على امتداد ثمانية أيام، فيما كانت زوجته انكارنايشن تعاني من القلق البالغ. لم تكن تعرف مكان زوجها، إلا أنها كانت تخشى الأسوأ. انتظرت في البيت مع ابنيهما حتى تم أخيراً اللقاء بسيمون، عرضاً، عند سلم مبناهم عند الرابعة صباحاً، وهو مصاب بكسور وكدمات. بحسب فهد يعتة، وهو ابن علي يعتة (مسؤول الحزب الشيوعي المغربي) كما أنه ابن اخت سيمون، فإن ليفي قد ضُرب، وتعرض لصدمات كهربائية وأجبر على شرب سائل لغسيل الملابس. وأكّد ابنا سيمون هذه الرواية حول تعذيب والدهما. ولم يكن باستطاعة سيمون المشي حين وصل أخيراً إلى المنزل، كان قد ألقي من سيارة متحركة وظلّ يعاني من مشاكل معوية لبقية حياته.
بعد الحادثة، تضرّعت والدة سيمون لأسرته للانتقال إلى فرنسا، إلا أن سيمون كان صلباً في وفائه للمغرب. بعد إطلاق سراح ليفي بأشهر قليلة، قام الحزب الشيوعي المجري، وفي لفتة إزاء الرفاق في الخارج، بدعوة الأسرة لقضاء شهر على ضفة بحيرة بالاتون الريفية في بلدة سيوفيك الصغيرة. تتذكر انكارنايشن أنها لم تحب الطعام هناك.
شكّل تأسيس دولة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي محنة بالنسبة للمغرب المستقل. كان النظام الملكي يسيطر على الدولة بقيادة الحسن الثاني بعد موت والده خلال تدخل جراحي بسيط نسبياً في 1961. واجهت الدولة اختبارات- تخللتها أحياناً عواقب عنيفة وقمعية إلى درجة كبيرة- إزاء توازن البرلمان والملكية الدستورية وحال الطوارئ، مراراً وتكراراً. تفككت الأحزاب السياسيّة، ثم عادت وتوحّدت، ثم تحدى بعضها البعض الآخر، كما تحدت السلطة المركزية بطريقة كانت مربكة بعمق للقصر. وكانت الجهود الأساسية في القصر تنصب، كما يظهر الاقتباس أعلاه للحسن الثاني، على توجيه "أسد" السلطة من دون أن يشعر بيد "المخزن" والقمع والسيطرة، حتى يتمكن أخيراً من استيعاب أي اعتراض سياسي. وفي غياب أي جهات سياسية متعاونة، قامت السلطة بتعذيب أفراد القوى السياسية الجامحة، أوبنفيهم وسجنهم و"إخفائهم" قسرا.ً
وعانت بعض الأحزاب، مثل "الاستقلال" والحزب الشيوعي المغربي على نحو مماثل. فقد تحوّل حزب "الاستقلال" ذو التوجّه اليساري بقيادة المهدي بن بركة (الذي اختطف في وضح النهار في باريس سنة 1965 ومن ثم اغتيل، وسط تكهنات أن الفاعل هو الجنرال أوفقير، مساعد الملك الحسن الثاني الذي عاد وقاد لاحقاً انقلاباً في 1972) إلى "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية". أمّا الحزب الشيوعي، فبعد حظره قانونياً بقرار من المحكمة سنة 1960، استمر يعمل سراً. ثم عاد وظهر باسم "حزب التحرر والاشتراكية" في 1968 ثم صار أخيراً باسمه الحالي "حزب التقدم والاشتراكية" منذ 1974.
واليسار نفسه بدأ ينقسم في نهاية الستينيات. في 1970، قام ابراهام سرفاتي وآخرون، بعدما اشمأزوا مما اعتبروه خيانة للمبادئ الشيوعية من قبل الحزبين الشيوعي والتحرر والاشتراكية، بتأسيس مجموعة أكثر يسارية، ماركسية لينينية، هي "إلى الأمام"، وأخذوا غالبية الطلاب معهم. وأدت هذه الخطوة إلى حنق مستمر بين سرفاتي وبين ليفي، الذي بقي مخلصاً بقوة لحزب التحرر والاشتراكية. وفي حين واجه الفصيلان الاضطهاد والملاحقة من حكم الملك الحسن الثاني في بداية "سنوت الرصاص" سيئة السمعة- وهي فترة من القمع السياسي امتدت نحو عقدين من الزمن- إلا أنه في النهاية، قام حزب التحرر والاشتراكية باختيار مسار من المهادنة فيما أعطى "إلى الأمام" الأولوية لأهداف أيديولوجية متطرفة. وهذه الانقسامات والانصهارات السياسية تشير إلى وجود خيار أساسي أمام قادة الأحزاب والمنتمين إليها، بعيداً عن أي منصة أو توجه سياسي: العمل مع النظام والإبقاء على وضعية قانونية أو العمل سراً. ويشهد ازدهار أدب المعتقلات والعمل على حقوق الانسان في المغرب على العواقب الوخيمة للخيار الثاني.
ومثلما انقسمت السياسات اليسارية، انقسمت الجالية اليهودية المغربية. وفي مواجهة غياب الاستقرار السياسي في الفترة التي تلت الاستقلال مباشرة إن كان في ما يتعلق بموقع المغرب في العالم العربي أو بالنسبة إلى المخاوف المتنامية من عدم استقرار نظام الملك، غادر اليهود المغاربة بمئات الآلاف. بين 1948، سنة قيام دولة إسرائيل، وبين 1956، سنة الاستقلال المغربي، غادر نحو تسعون ألف يهودي البلاد. ثم غادر 92 ألف مغربي يهودي بين 1961 و1964 في "عملية ياخين" وهي عملية هجرة جماعية لليهود المغربيين أدارتها إسرائيل ونفذت في إطار الموافقة الضمنية للمخزن. وغادرت الغالبية العظمى من اليهود إلى إسرائيل، إلا أن العديدين هاجروا إلى كل من فرنسا وكندا بالإضافة إلى دول في أميركا اللاتينية مثل وفنزويلا والبرازيل.
وكان سبب هذا التدفق في الهجرة يكمن جزئياً في المخاوف الداخلية والتهديدات بأعمال العنف، بالإضافة إلى المقاطعة الاقتصادية المرتبطة بالنزاع العربي الإسرائيلي البعيد جغرافياً ولكن المؤثر بعمق (على المغرب). كان العام 1961 نفسه نقطة تحول لهجرة اليهود المغاربة لثلاثة أسباب رئيسية. السبب الأول هو استضافة المغرب لقمة أفريقية واجتماعاً مشتركاً لجامعة الدول العربية حضره جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة في 1961، في حركة دبلوماسية عالمية دقيقة ضمن الحرب الباردة وقوى عدم الانحياز. اندلعت أعمال العنف ضد اليهود في الدار البيضاء خلال زيارة عبد الناصر، مما فاقم من قلق الجالية المتنامي. وكان السبب الثاني هو تحطم مركب تهريب للمهاجرين اليهود اسمه "الحوت" بعد مغادرة الأرجنتين ته المغرب، مسبباً ضجة وانتقاماً من نوع الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية بالإضافة إلى احتجاجات عالمية من جمعيات خيرية يهودية. أما السبب الثالث فكان موت الملك محمد الخامس بصورة غير متوقعة بسبب مضاعفات جراحة بسيطة، مما رفع ابنه الذي لا يتمتع بأي شعبية، من ولي العهد مولاي الحسن إلى الملك الحسن الثاني. فرحل اليهود المغاربة بدافع الخوف، مشككين بمستقبلهم السياسي وقدرة هذا الملك الجديد غير المحبوب على "حمايتهم" كما وعد.
ومع تقاطع الصراع العربي الإسرائيلي مع سياسات الحرب الباردة والأممية، وجد اليهود المغاربة المنتمون لأحزاب يسارية أنفسهم مستبعدين باستمرار عن الجالية اليهودية المغربية الأوسع. وكان اليساريون اليهود المغاربة، المخلصون للشيوعية بأوجهها كافة خلال الستينيات ومطلع السبعينيات، أكثر اتساقاً أيديولوجياً مع مواقفهم خلال العقود السابقة، إن لم يكن أكثر تناسقاً حتى من وطنتيهم التي كانت تستفز باستمرار أمام الهجرة الجماعية للأسر اليهودية وللأصدقاء.
يغطي هذا الفصل الفترة من الستينيات وصولاً إلى "المسيرة الخضراء" التي نظمت لمطالبة المغرب بالصحراء الغربية في 1975. وهو يشمل توترات الهويتين اليهودية والمغربية، الوطنية والأممية، الاستيعاب وأحلام ثورة ما بعد الاستقلال. وعلى الرغم من السياق السياسي المغربي الضبابي والقاتم، بقي الأعضاء اليهود في الأحزاب اليسارية مخلصين بقوة لمغربيتهم ولآمالهم إزاء وطنهم في وجه الهجرة الجماعية اليهودية والقمع السياسي.
يعالج القسم الأول الانقسامات السياسية في الأحزاب السياسية المغربية السائدة وقدرة المخزن على السيطرة عليها أو استيعابها قبل 1967، مناقشاً العنف الدموي لسنة 1965 الذي أدى إلى فتح هذا الفصل كما إلى اغتيال المهدي بن بركة. ويدرس الجزء الثاني الصهيونية، والهجرة السرية، والعلاقة المعقدة بين الحسن الثاني وإسرائيل والوكالة اليهودية. أما الجزء الثالث فيتناول التطورات في الأحزاب السياسية اليسارية المغربية بعد 1967 ، لاسيما تأسيس "إلى الأمام" والارتباطات مع الحركات العالمثالثية، وكيف تعقدت هذه الجهود وغيرها بسبب القمع في أعقاب محاولتي انقلاب فاشلتين في 1971 و1972. إنه فصل عن الآمال التي خابت، والتسويات، والهجرات وعلاقات التعاون. وهو أيضاً فصل عن المثابرة. ويجسد نضال سيمون ليفي هذه المثابرة.
بعد عودة سيمون ليفي وأسرته من الإجازة في المجر، رجعت الأسرة المناضلة (سوف يذكر أن شقيقة انكارنايشن، روزالي، تزوجت من علي يعتة) إلى نشاطاتها السابقة. وقصص الشيوعيين اليهود المغاربة خلال هذه الفترة من القمع في ما بعد الاستقلال استثنائية ورمزية في آن، تلقي الضوء على تاريخ المغرب السياسي وتاريخ يهوده في العون الذي توفره الهوامش.
[نشر في جدلية. ترجمة هنادي سلمان].