(جسور للترجمة والنشر، عمّان، 2024)
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): تبلورت فكرة الكتاب، ضمن اهتمامي بالكتابة عن الجسد وعلاقته بالفضاءات من حوله، والذي شجعني أكثر على على الكتابة، حالة الموات السياسي، الفكري والتنظيمي، التي أصابت المجتمع المصري بسبب قمع النظام الحالي. ومن هنا، حاولت الإجابة عن سؤال، كيف وصلت مصر إلى هذه السُلطوية؟ وهذا من خلال الاشتباك مع الجسد وتمثِيله المُتعدد، عبر استدعاء تاريخيّة فلسفة "حق امتلاك" السُلطوية في مصر لأجساد المواطنين، كيف بدأت سيادتها وسياستِها، في استخدام أجساد المواطنين وتسخيرها وعزلها وفنائها، من أجل بقاء السُلطوية وهيمنتها، مع التركيز على سُلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، مُستندا على الكثير من المرويات الميدانية والنظرية الشاهدة على هذه السُلطوية والمُفسّرة لها، كي أبحث من خلالها في رؤى مُختلفة فيما يخص السياسة والاستهلاك وتمثيلاتهِم وتفاعلاتِهم المُتداخلة والمتباينة على الجسد.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(أ. ع.): سُلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، ركّزت على امتلاك الجسد، من خلال تقسيمه إلى مُعارض وتابع ومؤيد (مُحايد) وفائض. القتل أو الإخفاء أو العزل (السجن) في حالة الجسد المُعارض. الصناعة والتدريب والتجهيز في حالة الجسد التابع، وهو بمثابة أداة لتفعيل الاستثناء. والتدجين من نصيب الجسد المُحايد، كي يُصبح مؤيدا أو على الأقل يحتفظ بحياديّته، واللوم والتحذير من نصيب الجسد الفائض. ومن هنا، رأيت السياسة في الجسد منذ بدء تأسيس الدولة الحديثة في مصر، ولا سيما سياسة السُلطوية الحالية، تحديداً، كانت هي الأكثر تمركزاً على الجسد، من السُلطويات السابقة لها.
هذا التمركز، جعل السياسة فضاء مجففا بعيدا، لا يقترب منه أحد، خوفا على الجسد. هذا لأن الاقتراب من السياسة، تناسب طرديا من الاقتراب بهلاك الجسد، سواء بموته، أو إخفائه أو عزله (سجنّه) أو تشويهه (تعذيبه). أو حتى هندسته، أي هدمِه كذاتٍ وإعادة بنائه مرّة اُخرى، كما يحدث داخل الفضاء السِّجنّي. وخلال السنوات الماضية، وإلى الآن، كان الحديث السياسي الشاغل عن "السجن". تصريحات سُلطوية تنفي وجود سجناء سياسيين أو حتى توعد بإطلاق سراحهم، وجماعات ومنظمات سياسية وحقوقية تُطالب بخروج هؤلاء السياسيين من السجن، ما عنى أن السياسة كان جزءا أساسيا منها هو السجن. والسجن ما هو إلّا جسد مُقيد مُراقب مُهندَس مُعاد إنتاجه، فكانت السياسة في الجسد. والسياسة ذاتها، وبفعل أدواتٍ عدة، باتت استهلاكية. والاستهلاك تتشكّل تمثُلاتِه عبر الجسد، أي تَمظهره وتسلّعه. ومن هنا حاولت تفكيك وقراءة التقاطع الراسخ بين السياسة والاستهلاك، كما انتقال الجسد بينهُما عبر تمثّيلاته المُتباينة.
هذه القراءة، انطقلت من الممارسة، الممارسة هي نقطة الارتكاز، كما هي الانطلاق نحو الاشتباك والنقاش والتحليل. وأقصد بـ"الممارسة"، أي الذاتية، المُتمثلة في التجربة الشخصية الواقعية، من احتجاج وسجن ورقابة ومَنفى ومن ثم قراءةٍ ونقاش، وممارساتٍ "ذاتيات" أُخرى كان الجسد فيها، فاعلا هاما في كل تلك المشاهد.
سمّيت الذاتية "ممارسة"، لأنها ليست ذاتية فردية تخصني وحدي، بل ذاتية انطلقت ولم تقف مُتمحورة حولي، وجمعتْ ذاتيّات جماعاتية معها. إذ وفي خلال السنوات الماضية، أجريت عشرات المُقابلات، نتج منها عشرات الحوارات والشهادات، في موضوعات كثيرة.
هذه الذاتية الجماعاتية، حاولت حفظها، كي تُصبِح تاريخا اجتماعيا بشكل أساسي، وكجزء رئيسي لا ينفصل عن التاريخ السياسي لسلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو. هذه الشهادات، والتي اعتبرها شهادات من واقع الحياة بأوجهه، السياسي والاجتماعي والفكري والنفسي، لا تؤرِخ فقط لما حدث، بل هي إضاءة أساسية لتحليل منهجية هذه السُلطوية، المَنهجية الغير مرئية "غير المُعلنة" حول فلسفة الحق في امتلاك الجسد، كما هي نقطة انطلاقة لفهم أكثر إدراكا واتساعا، عن الدولة المصرية وتاريخية علاقتها بالأجساد من حولها، الجسد الأساسي دائماً، والسياسي منه في حالة الاستثناء.
كما كانت خطابات وتصريحات رئيس ومفكر السُلطوية العُليا عبد الفتاح السيسي، محل إضاءة أساسية للإجابة على سؤال، كيف تعمل السُلطوية؟ في الأفضية المُتباينة للمجتمع، بما أنّها سُلطوية غلبتْ عليها الطابع الفرداني الشخصاني، المتمثل في رأسها الأعلى، لآخذ هذا الخطاب وأضعه محل اشتباك وتحليل لمنهجية هذه السُلطوية ونظرتها وطريقة عملها حيال السياسة والمجتمع، كما استعرض بعض منه، في خاتمة الكتاب.
أما عن بنية الكتاب، ففي الفصل الأول، وضعت تمهيداً في البحث عن تاريخيّة العلاقة بين السُلطوية وأجساد مُواطنيها، عبر تاريخ الدولة المصرية الحديث والمُعاصر. إذ عاملته السُلطوية الأولى، ضمن أدواتها الحيوية، كأنّه آلة إنتاج، تُساعدها في البقاء والهيمنة، ما عرّفه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو بالبيوسُلطة (PIO POWER). جسد (رقم) وسط أجساد (أرقامٍ) أُخرى، في تشابه كبير في فلسفة تُعامل السُلطة السِّجنّية حيال أجساد سُجنائها، حيث تستفيد منهم قدر إمكانها كونهم أجساداً خاضعة لها. ومن هنا، ناقشت كيفية هذا التعاطي تاريخياً وفلسفياً وممارساتياً، مع التركيز على سُلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو، بما أنّ سياستها (سيادَتها بوصف المفكر الإيطالي جورجو أغامبين) جمعت بين إدارة الأجساد كُلها، بل وقسّمتهم إلى أربعة أنماط جسدية معارضة وتابعة ومؤيدة وفائِضة. وعزلت الجسد السياسي (المعارض) منها، من خلال مُخاصمته عبر قتله أو احتجازه أو ابتلاعه كُلّية. وأهّلَت التابع لها لاستخدامه في فرض الهيمنة، وأرهَبت المؤيد لبقائه على التأييد أو على الأقل الحياد، وحذرت الفائض من زيادته. ومن ثم انتقل، لتوضيح ما هو التمييز كما الاستثناء في القمع، الذي فعّلته السُلطوية بحق فئات مُتباينة من المُجتمع. أيضاً شملت السُلطوية مُستندة على تطويع التشريع، قمع الاحتجاج الحركي، إذ أرصده وأتتبع تفصيلاته، عبر القوى الإسلامية وغير الإسلامية، كما فضاءات أُخرى، عمرانية وصحافية وإعلامية وجامعية ومؤسساتيّة تابعة للدولة، أيضاً فئات آُخرى كمُوظفي الدولة، وروابط الأولتراس الرياضي والسياسي. وكما استندت أن سياستها، أي السُلطوية قامت عبر تفعيل حالة استثناء على الجسد السياسي، بقتله وإخفائه وسجنه، فَأقرأ تمثّلات ما بعد هذا الاستثناء، تحديداً ما بعد السجن، حول كيف أصبح خروج الأجساد المصرية "المعارضة" من السجن أصعب من دخولها، وعن المُنعتقّين منه، كيف دخلوا في فلكة الأمننة التي وظّفتها السُلطوية ورعتها بدقّة، بهدف إخضاع الأجساد وتأميم أي فكر أو ممارسة قد تصدر منها.
وفي الفصل الثاني، ناقشت الهُوية التائهة للسُلطوية، فيما افترضت أن هذه السُلطوية لا تعتني أو تُمثل هُوية مُستقلة بحد ذاتها، فلا هي امتداداً ناصرياً عروبياً قومياً، ولا ساداتيّاً أو مباركاتيّاً، ولا حتى فرعونياً، بل تأخذ ما يناسبها من كل السرديات المصرية السُلطوية السابقة، لكن كانت هُويتها الأساسية تتمثل في الاستثناء، أيديولوجية وعقلية وسرديةٍ وممارسة تُبرر سُلطويتها، ومن ثم بقائها وهيمنتها على الحكم. هذا الاستثناء، قرأت تمثيله، في تأميم السردية الثقافية "الغير حركية" بالمعنى الاحتجاجي المباشر، بما تشمل فضاءات عدة، فنية تخص الدراما تحديداً، كما تعليمية وتربويّة كالمدارس الحكومية والغير حكومية.
وفي الفصل الثالث، ناقشت التجلّيات المُباشرة التي أحدثتها السُلطوية، والتي طالت مئات الآلاف من المصريين المُعارضين، خاصة الشباب منهم. إذ ناقشت تحولات المشاعر والأفكار داخل سنوات السجن، ومن ثم انتقلت إلى خارج السجن بل وخارج مصر (المنفى)، كي أرى جزءاً من الشباب، أي المُنتمي إلى الإخوان المُسلمين، كيف كانت تجلّيات المرحلة عليهم. ومن ثم خرجت من الخاص إلى العام، لأرى اتجاهات ومسارات الشباب الخارج من الاستثناء ومن السياسة كُلّية، سواء من بقيَ منهم داخل مصر أو من خرج منها. كما ناقشت الاستثناء في المُعارضة، فيما يخص فلسفة السُلطوية في التعامل مع المُعارضة، الإسلاميين كأخصام سُلطة، ومستقبلهم في الحياة الاجتماعية ومنها السياسية، كما مستقبلهم داخل سجون سُلطوية السيسي. وعن غيرهم كمُعارضة من التيارات الغير إسلامية، والتي يمكن الحديث معها والعفو عنها، كما التلاعب بها، لأرى تمثلات ما بعد مشهد الحوار الوطني، التي أطلقته السُلطوية مع المعارضة المدنية في أواخر شهر نيسان/أبريل 2022. بعد ذلك، اتجهت إلى تمظهرات الاستهلاك وصعوده مُقابل مَوات السياسة وفكرها وتنظيمها وممارساتها، بل وتحوّل السياسة ذاتها إلى سياسة استهلاكية. هنا ضربت المثل، بالمعارضة المصرية، خاصة المُقيمة خارج مصر، كي أرصد وأحلل كيف تحولت إلى مُعارضة وظيفية استهلاكية من حيث التنظيم والفكر والممارسة، لا مُعارضة ثقافية صلبة إصلاحية أو ثورية. ومن ثم ناقشت مفهوم الذات السياسية وتحولاتها من الواقعي إلى الافتراضي، وما تجلّيات هذا التحول على ماهية السياسة في راهن المشهد المصري ومُستقبله، كما ضمّنت سؤال كيفية انتقال الجسد من كونه جسداً سياسيّاً إلى جسداً استهلاكياً. ومن ثم وضعت بدلاً من خاتمة، تحاول نقاش ما هو قادم حول مشهدية السُلطوية في مصر، بعد هيمنة الرئيس السيسي على الحكم إلى عام 2030.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(أ. ع.): المقابلات بشكل أساسي، كانت من ضمن تحدياتي، كما ذكرت اعتمد بشكل أساسي في كتاباتي على سماع سرديات الناس، الذين تعاملوا أو مورس عليهم أفعال السُلطوية، أيضا بسبب الوضع الأمني في مصر، وهو وضع شديد القمع والترهيب، كان يخاف الكثير من إجراء أي مقابلات أو إدلائهم أي شهادات ناقدة للنظام. كذلك تحدي النشر، إذ حاولت نشر الكتاب في مصر، لكن لم تأخذه أي دور نشر، لأن محتواه ناقدا لممارسات السُلطوية ورئيسها، وتخاف دور النشر من القمع بسبب نشرها هذا المحتوى، كما تخاف من خسارتها المادية، فلو منع الكتاب، ستخسر الدار حق طباعته. ولذا، كان لا مفر من نشر الكتاب خارج مصر، وكانت بيروت هي الحاضنة، كما اشتهر عنها تاريخيا بأنها مكان نشر نصوص الأدبية والبحثية الممنوع إصدارها.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(أ. ع.): الكتاب يتبع حقل الاجتماع السياسي، ويمكن أن نعتبره أيضا، ضمن دراسات الجسد. على ما أظن، سيتفاعل معه، كل من يهتم بمعرفة علاقة الجسد بالسلطة السياسية، لاسيما في البلاد القمعية، التي تتشابه أدوات سيطرتها وإخضاعها لأجساد مواطنيها، خاصة الأجساد التي تمارس عملا معارضا، سواء سياسيا بشكل مباشر أو غير مباشر.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(أ. ع.): الكتاب هو مؤلفي الخامس، والرابع من حيث التركيز على موضوعات الجسد، حيث نشرت من قبل رواية قصيرة بعنوان "أجساد راقصة" (أمم للتوثيق والأبحاث، بيروت، 2021)، تناولت حركة الجسد وتشكّله داخل السجن. كذلك كتاب من يمتلك حق الجسد: قراءة في الحياة السجنية"، عن ذات الناشر (2022)، وقد تناول، بشكل بحثي، صور الجسد المُشكّلة في تباينها وتشابهها داخل السجن كنتاج لمرئيات الحياة السجنّية. أيضا نشرت كتاب "تمثلات المُجتمع المصري: في الذات والجسد والهُوية" عن دار رياض الريس، بيروت، 2023، وهو كتاب يناقش ويقرأ التمظهرات والمتغيرات التي طرأت على المُجتمع المصري في فضاءات مختلفة، مثل التقنية (وسائل التواصل الاجتماعي)، السينما، الإعلام، النيوليبرالية، العمران. لذا كان هذا الكتاب، ربما، مكملاً لتلك الفضاءات، بما أنه اشتبك مع فضاء السياسة وسُلطويتها في مصر.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(أ. ع.): كل من يهتم بالسياسة في مصر، وطرق إدارتها، لاسيما بعد منتصف 2013، كما كل من يهتم بالجسد وعلاقته بالسياسة في مصر، فضلا عن مجتمعات البحث والأكاديميا والسياسة وحقوق الإنسان وغيرهم، وبشكل أساسي، من القراء الذين لا ينتمون إلى أي تصنيفات، غير أنهم مواطنون مصريون، يتعاملون مع السُلطة السياسية والأمنية، وربما مورس على أجسادهم أفعال كثيرة من قبل السُلطوية في مصر.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(أ. ع.): في الوقت الحالي، أعمل على كتابة رواية بعنوان "التابع وسليمان: ثرثرة في المنفى"، أحاول من خلالها توضيح العلاقة بين التابع (المهمَّش)، بوصف أنطونيو غرامشي، وبين رئيس الدولة المُستبد، الفيلسوف، "الفهمان كل شيء"، عبر العقود الماضية في مصر، من خلال سرد روائي، يتمثل في حكايات التابعين، كما حكايات السياسة، السجن، المنفى، الحب، الجنس، السلطة، الاستهلاك، وغير ذلك من مفاهيم وتمثلات.
مقتطف من الكتاب
"ليس القمع فقط، هو الذي يُجفف منابع السياسة عند الناس، بل بالتوازي معه، عملت الثورة التقنية وعرض الحيوات المرئية، على تغيير اتجاه الناس نحو السياسة. بمعنى، أن العمل سواء السياسي أو الثوري وتداخلاتِهما من أجل الإصلاح والتغيير السياسي، كان المخرج الوحيد لفئات عمرية متباينة، غير مرئية ومهمشة وغير مهمشة. حاليا، هذه الفئات تجد في عرض حيواتها، بوابة للخروج من الزاوية "المهمشة" إلى المركز ونيل الاعتراف الاجتماعي، منذ ولادتهم، لم يحظَ هؤلاء الناس بأي اعتراف اجتماعي، سواء من الدولة أو مؤسساتها الاجتماعية أو الثقافية، بل الغالبية منهم، تُنسب إلى التابع (Subaltern) بوصف الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي،أي الذين ليست لهم انتماءات فكرية أو تنظيمية، وفي الغالب يتبعون الدولة ودوائرها السلطوية من الاجتماعات العُليا في القرار السياسي كمقامٍ أول[1]. لذلك كان بث يومياتهم، ووجودِهم ولو على سبيل الصدفة كـ"ترند" (TREND)، أعطى لهم فرصة لا تُعوض أو بمثابة فعل استراتيجي، ثوري اجتماعي، إن جاز التعبير، تمسّكوا به مثل محمد عامل النظافة، أو هيثم "ويجز الغلابة" وغيرهم المئات، الذين يناضلون من أجل الاعتراف (The Struggle for Recognition)، وهذا للانتقال من الحياة اللامرئيّة (Invisible Life) إلى الاعتراف الاجتماعي وسط الفئات المُختلفة المتواجدة في الفضاء الافتراضي، كي تعرفها وتتفاعل معها، بل وتحبها، وهذا ضمنيّاً ما اعتبره الفيلسوف الألماني أكسل هونيث شكلاً من أشكال السعي للاندماج والظهور من أجل الاعتراف[2]؛ إذ ومن خلال عرض هذه اليوميات ووصولها للجمهور، يبدأ الجمهور في مشاهدتهم ومعرفتهم والحديث معهم وعنهم. كذلك الخروج من التهميش من خلال كسب المال، عن طريق مشاهدات يوتيوب أو إعلانات فيس بوك واستضافات البرامج المتنوعة على القنوات التلفزيونية، ويصبح هذا الظهور (الترند)، بديلاً نضاليّاً لهم، وتُحل الشاشة كفضاء بديلاً من مقرّات الأحزاب والعمل السياسي.
هذا أيضاً تداخل مع صعود الفردانية كفلسفة وممارسة، الالتفاف حول الذات "الجسد"، وحصر وجودها وبقائها بالإنجاز، ضمن ما يُعرف بـ"مجتمع الاحتراق النفسي"، الذي يعيش فيه الإنسان صراعاً مع الزمن، احتراقاً عقليّاً ونفسيّاً من أجل الإنجاز الذي لا يرضى عند محطة بعينها[3]. "أسطورة البطل التي اخترعتها الرأسمالية وتروّج لها، في ما سمّاه أستاذ علم النفس برايان ليتل بـ"أسطورة البطل المُنفرد" الذي يلهث الجميع من أجل الوصول إليه، لا عن إبداع حقيقي في مجال بعيّنه، بل عن فردانية شوّهت، ومن خلال النرجسية الشديدة، تُحب أن يَنظر إليها الجميع في هوسٍ بها[4]. هذا بدوره، فكك العمل ضمن التنظيم الجماعي، الذي يعني العمل من أجل الجماعة/الآخرين، لا العمل من أجل الذات وفقط. لذلك تبنى الكثير مقولة "لا حاجة لنا للتنظيم وللسياسة وأوجاعها"، خصوصاً إن كانت السُلطة تدير الحياة بالقمع، وبما أن تمثيل الذات في أحيانٍ كثيرة، يتشكّل عبر تمثيل الجسد ذاته، وجوده المثالي، وهذا ما يخلق تضاداً آخر للوجود السياسي، حيث السياسة في ظل الاستثناء تقضي على الجسد، بقتله أو سجنه أو ابتلاعه، ومن هنا هوس الحفاظ على الجسد، بما أنّه "رأس مال رمزي" للذات، وافتقاده يعني افتقاد الذات وجودها تحت هيمنة الفردانية ومنظومتها[5].
وهذا ما ترجم واقعيّاً، عبر إحصاءات قامت بها مجموعة من الباحثين في عام 2016 تحت رعاية مؤسسة فريدريش إيبرت ومعها مجموعة من الشركاء، في إثر مقابلات مع تسعة آلاف شاب من ثمانية بلدان عربية، هي مصر والأردن والبحرين ولبنان وفلسطين واليمن وتونس والمغرب، إضافة إلى "اللاجئين" السوريين في لبنان، في ما يخص اهتمامهم ونظرتهم إلى عدة قضايا، منها الاهتمام بالسياسة بكل أبعادها. وجاءت النسبة الإجمالية أن 18 في المئة من الشباب إجمالاً مهتمون بالسياسة. في مصر كانت النسبة 23 في المئة فقط، ما عكس عزوف معظم الشباب في مصر عن السياسة وكل ما يخصّها[6]. هذا العزوف، جاء بشكل أساسي نتيجة قمع سُلطوية ما بعد 3 تموز/يوليو، والتي أجهضت أحلام الشباب المصري في التغيير والإصلاح والمشاركة السياسية، بل حتى الاهتمام بالسياسة كُلّها.
وهنا أخذ الجسد تمثيله في الاستهلاك بدلاً من السياسة، إذ انتقلت العلاقات التي كانت تتأسس وفقاً لروابط أخلاقية وفكرية وممارسات ثقافية وسياسية، إلى مأسسة على سلوكيات استهلاكية، ومقاربات من حيث المادة ونوعها وإلى أي براند تنتمي، بل واستبدلت العلاقات الإنسانية ذاتها بلذة الاستهلاك التي أعطت مكانة نفسية واجتماعية ورمزية بدلية عنها أيضاً. ومن مقاربةٍ تاريخيّة سياسيّة، يمكن تشريح حالة الغوص في كافّة اللذات، "أنّها صُنعت من نتاج يأس" وُلّدَ لدى الكثيرين بدافع الظروف الصعبة التي مرّوا بها، سواء كانت حروب أو نزاعات مُسلّحة أو ثورات فاشلة أو قمع شديد عبر السُلطوياتٍ، خصوصاً إن خرجت الناس من تلك الأحداث بنتائج مُخيّبة للآمال وفشل ذريع، مثلما حدث مؤخراً في الكثير من البلدان، استمرار وتوسّع طغيان واحتلال الكيان الصهيوني لأرض فلسطين، الحرب الأهلية اللبنانيّة 1975-1990، الثورة السورية التي بدأت في آذار/مارس 2011، ثورة يناير في مصر عام 2011. جُل هذه الأحداث تركت - بعد معاناتها وفشلها وارتباكها - تأثيراً نفسيّاً بالسلب على الشعوب العربية، والتي استقطبته فضاءات الاستهلاك المُتعددة لدى نفسيّات واجتماعات وفضاءات إنسانيّة وعمرانيّة مُتعددة.
بل وتنتقل السياسة وأجسَادها ومُفرداتها من أماكنها المعتادة إلى ساحات الاستهلاك، من مقرات العمل السياسي والفضاءات الشارعية إلى فضاءات الترفيه والسهرات الليلية. لبنان نموذجاً على هذا الانتقال، ما يُسمّيه أستاذ الاجتماع اللبناني سمير خلف، الانتقال "من ساحة المعركة إلى ساحة اللعب"[7]. في ظل عيش لبنان حالة جمود سياسي تحُكمه الطائفية وسُلطوياتها المُتعددة، سُلطوية أوصلتْ البلد وشعبِها إلى حالة من التردي المعيشي اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً. وعلى الرغم من ذلك، اعتادت بعض الأجساد على الترفيه، كجزء أساسي من أنماط الحياة الاستهلاكية، فتأخذ السياسة معها، في مفردات إيقاعية، أغنيات ومعازف تسبّ السُلطوية وتتراقص الأجساد في فضاء مُغلق لا تراه السُلطوية، اعتراض عاطفي لا يغيّر من الحقيقة السياسية شيء، لكنه يُشبع الذات بشكلٍ مؤقتْ بطعم الاحتجاج، الاحتجاج الاستهلاكي. وهذا لا يعني أن العمل السياسي الواقعي في لبنان أو مصر أو سُلطويات أُخرى أمر هين، بل هو أمر شديد الصعوبة، لكن هذه هي تكلفة التغيير، ومعوّقاته. سُلطويات شديدة التصلّب والتجذّر، من الصعب اقتلاعها إلى عبر عمل سياسي وثوري طويل المدى".
هوامش:
[1]: يمثل التابع الفئات المُهمّشة، من الطبقات الفقيرة والأَدقع فقراً، بمختلف حِرفهم وأعمارهم ووجودهم الجغرافي في العاصمة والأقاليم. كَثُرت الدراسات التي تتمحور حول "التابع" كمفهومٍ وممارسة، على السواد الأعظم من الشعب الهندي المُستغَل من الطبقات البرجوازية الهندية المُتعاونة مع الاحتلال البريطاني، والحاكمة بعد زواله. مع بداية الثمانينيات برز حقل دراسات التابع، من أشهر منظّريه المؤرخ الهندي "رانغيت غوها" ولحقه شهيد أمين وغيانيندرا باندي وسوميت ساركار ودايفيد هادريمان، وبفضل تنظيرهم المبدئي، اهتم آخرون وصدرت مجلة دراسات التابع (Subaltern Studies). كما في مصر أيضاً تواجد بعض المُهتمين بـتأريخ حياة التابعين، أبرزهم أستاذ التاريخ خالد فهمي، كما في أطروحته "كل رجال الباشا" عن حياة فلاحي مصر، أوائل القرن التاسع عشر، وكتاب السعي إلى العدالة: الطب والفقه والسياسة في مصر الحديثة.
[2]: أكسل هونيث، الصراع من أجل الاعتراف: القواعد الأخلاقية للمَآزم الاجتماعية، ترجمة جورج كتورة (بيروت: المكتبة الشرقية، 2015)، ص 121.
[3]: بيونغ- شول هان، مجتمع الاحتراق النفسي، ترجمة بدر الدين مصطفى (السعودية: دار معنى للنشر والتوزيع، 2021)، ص 58.
[4]: برايان ليتل، أنا ونفسي ونحن: علم الشخصية وفن الرفاه، ترجمة وسام رجب (السعودية: دار معنى للنشر والتوزيع، 2021)، ص 180.
[5]: حسني إبراهيم عبد العظيم، "الجسد و الطبقة ورأس المال الثقافي: قراءة في سوسيولوجيا بيير بورديو،" إضافات: المجلة العربية لعلم الاجتماع (مركز دراسات الوحدة العربية)، مج 2011، العدد 15 (تموز/ يوليو 2011)، ص 65.
[6]: مجموعة مؤلفين، مأزق الشباب العربي في الشرق والأوسط وشمال إفريقيا، تحرير رالف هِكسل ويورغ غرتل؛ ترجمة ماريا الدويهي (بيروت: دار الساقي، 2019)، ص 327.
[7]:
Samir Khalaf, Lebanon Adrift: From Battleground to Playground (London: Saqi Books, 2012), p. 27.
(جسور للترجمة والنشر، عمّان، 2024)
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): تبلورت فكرة الكتاب، ضمن اهتمامي بالكتابة عن الجسد وعلاقته بالفضاءات من حوله، والذي شجعني أكثر على على الكتابة، حالة الموات السياسي، الفكري والتنظيمي، التي أصابت المجتمع المصري بسبب قمع النظام الحالي. ومن هنا، حاولت الإجابة عن سؤال، كيف وصلت مصر إلى هذه السُلطوية؟ وهذا من خلال الاشتباك مع الجسد وتمثِيله المُتعدد، عبر استدعاء تاريخيّة فلسفة "حق امتلاك" السُلطوية في مصر لأجساد المواطنين، كيف بدأت سيادتها وسياستِها، في استخدام أجساد المواطنين وتسخيرها وعزلها وفنائها، من أجل بقاء السُلطوية وهيمنتها، مع التركيز على سُلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، مُستندا على الكثير من المرويات الميدانية والنظرية الشاهدة على هذه السُلطوية والمُفسّرة لها، كي أبحث من خلالها في رؤى مُختلفة فيما يخص السياسة والاستهلاك وتمثيلاتهِم وتفاعلاتِهم المُتداخلة والمتباينة على الجسد.
جدلية (ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): سُلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، ركّزت على امتلاك الجسد، من خلال تقسيمه إلى مُعارض وتابع ومؤيد (مُحايد) وفائض. القتل أو الإخفاء أو العزل (السجن) في حالة الجسد المُعارض. الصناعة والتدريب والتجهيز في حالة الجسد التابع، وهو بمثابة أداة لتفعيل الاستثناء. والتدجين من نصيب الجسد المُحايد، كي يُصبح مؤيدا أو على الأقل يحتفظ بحياديّته، واللوم والتحذير من نصيب الجسد الفائض. ومن هنا، رأيت السياسة في الجسد منذ بدء تأسيس الدولة الحديثة في مصر، ولا سيما سياسة السُلطوية الحالية، تحديداً، كانت هي الأكثر تمركزاً على الجسد، من السُلطويات السابقة لها.
هذا التمركز، جعل السياسة فضاء مجففا بعيدا، لا يقترب منه أحد، خوفا على الجسد. هذا لأن الاقتراب من السياسة، تناسب طرديا من الاقتراب بهلاك الجسد، سواء بموته، أو إخفائه أو عزله (سجنّه) أو تشويهه (تعذيبه). أو حتى هندسته، أي هدمِه كذاتٍ وإعادة بنائه مرّة اُخرى، كما يحدث داخل الفضاء السِّجنّي. وخلال السنوات الماضية، وإلى الآن، كان الحديث السياسي الشاغل عن "السجن". تصريحات سُلطوية تنفي وجود سجناء سياسيين أو حتى توعد بإطلاق سراحهم، وجماعات ومنظمات سياسية وحقوقية تُطالب بخروج هؤلاء السياسيين من السجن، ما عنى أن السياسة كان جزءا أساسيا منها هو السجن. والسجن ما هو إلّا جسد مُقيد مُراقب مُهندَس مُعاد إنتاجه، فكانت السياسة في الجسد. والسياسة ذاتها، وبفعل أدواتٍ عدة، باتت استهلاكية. والاستهلاك تتشكّل تمثُلاتِه عبر الجسد، أي تَمظهره وتسلّعه. ومن هنا حاولت تفكيك وقراءة التقاطع الراسخ بين السياسة والاستهلاك، كما انتقال الجسد بينهُما عبر تمثّيلاته المُتباينة.
هذه القراءة، انطقلت من الممارسة، الممارسة هي نقطة الارتكاز، كما هي الانطلاق نحو الاشتباك والنقاش والتحليل. وأقصد بـ"الممارسة"، أي الذاتية، المُتمثلة في التجربة الشخصية الواقعية، من احتجاج وسجن ورقابة ومَنفى ومن ثم قراءةٍ ونقاش، وممارساتٍ "ذاتيات" أُخرى كان الجسد فيها، فاعلا هاما في كل تلك المشاهد.
سمّيت الذاتية "ممارسة"، لأنها ليست ذاتية فردية تخصني وحدي، بل ذاتية انطلقت ولم تقف مُتمحورة حولي، وجمعتْ ذاتيّات جماعاتية معها. إذ وفي خلال السنوات الماضية، أجريت عشرات المُقابلات، نتج منها عشرات الحوارات والشهادات، في موضوعات كثيرة.
هذه الذاتية الجماعاتية، حاولت حفظها، كي تُصبِح تاريخا اجتماعيا بشكل أساسي، وكجزء رئيسي لا ينفصل عن التاريخ السياسي لسلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو. هذه الشهادات، والتي اعتبرها شهادات من واقع الحياة بأوجهه، السياسي والاجتماعي والفكري والنفسي، لا تؤرِخ فقط لما حدث، بل هي إضاءة أساسية لتحليل منهجية هذه السُلطوية، المَنهجية الغير مرئية "غير المُعلنة" حول فلسفة الحق في امتلاك الجسد، كما هي نقطة انطلاقة لفهم أكثر إدراكا واتساعا، عن الدولة المصرية وتاريخية علاقتها بالأجساد من حولها، الجسد الأساسي دائماً، والسياسي منه في حالة الاستثناء.
كما كانت خطابات وتصريحات رئيس ومفكر السُلطوية العُليا عبد الفتاح السيسي، محل إضاءة أساسية للإجابة على سؤال، كيف تعمل السُلطوية؟ في الأفضية المُتباينة للمجتمع، بما أنّها سُلطوية غلبتْ عليها الطابع الفرداني الشخصاني، المتمثل في رأسها الأعلى، لآخذ هذا الخطاب وأضعه محل اشتباك وتحليل لمنهجية هذه السُلطوية ونظرتها وطريقة عملها حيال السياسة والمجتمع، كما استعرض بعض منه، في خاتمة الكتاب.
أما عن بنية الكتاب، ففي الفصل الأول، وضعت تمهيداً في البحث عن تاريخيّة العلاقة بين السُلطوية وأجساد مُواطنيها، عبر تاريخ الدولة المصرية الحديث والمُعاصر. إذ عاملته السُلطوية الأولى، ضمن أدواتها الحيوية، كأنّه آلة إنتاج، تُساعدها في البقاء والهيمنة، ما عرّفه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو بالبيوسُلطة (PIO POWER). جسد (رقم) وسط أجساد (أرقامٍ) أُخرى، في تشابه كبير في فلسفة تُعامل السُلطة السِّجنّية حيال أجساد سُجنائها، حيث تستفيد منهم قدر إمكانها كونهم أجساداً خاضعة لها. ومن هنا، ناقشت كيفية هذا التعاطي تاريخياً وفلسفياً وممارساتياً، مع التركيز على سُلطوية ما بعد الثالث من تموز/يوليو، بما أنّ سياستها (سيادَتها بوصف المفكر الإيطالي جورجو أغامبين) جمعت بين إدارة الأجساد كُلها، بل وقسّمتهم إلى أربعة أنماط جسدية معارضة وتابعة ومؤيدة وفائِضة. وعزلت الجسد السياسي (المعارض) منها، من خلال مُخاصمته عبر قتله أو احتجازه أو ابتلاعه كُلّية. وأهّلَت التابع لها لاستخدامه في فرض الهيمنة، وأرهَبت المؤيد لبقائه على التأييد أو على الأقل الحياد، وحذرت الفائض من زيادته. ومن ثم انتقل، لتوضيح ما هو التمييز كما الاستثناء في القمع، الذي فعّلته السُلطوية بحق فئات مُتباينة من المُجتمع. أيضاً شملت السُلطوية مُستندة على تطويع التشريع، قمع الاحتجاج الحركي، إذ أرصده وأتتبع تفصيلاته، عبر القوى الإسلامية وغير الإسلامية، كما فضاءات أُخرى، عمرانية وصحافية وإعلامية وجامعية ومؤسساتيّة تابعة للدولة، أيضاً فئات آُخرى كمُوظفي الدولة، وروابط الأولتراس الرياضي والسياسي. وكما استندت أن سياستها، أي السُلطوية قامت عبر تفعيل حالة استثناء على الجسد السياسي، بقتله وإخفائه وسجنه، فَأقرأ تمثّلات ما بعد هذا الاستثناء، تحديداً ما بعد السجن، حول كيف أصبح خروج الأجساد المصرية "المعارضة" من السجن أصعب من دخولها، وعن المُنعتقّين منه، كيف دخلوا في فلكة الأمننة التي وظّفتها السُلطوية ورعتها بدقّة، بهدف إخضاع الأجساد وتأميم أي فكر أو ممارسة قد تصدر منها.
وفي الفصل الثاني، ناقشت الهُوية التائهة للسُلطوية، فيما افترضت أن هذه السُلطوية لا تعتني أو تُمثل هُوية مُستقلة بحد ذاتها، فلا هي امتداداً ناصرياً عروبياً قومياً، ولا ساداتيّاً أو مباركاتيّاً، ولا حتى فرعونياً، بل تأخذ ما يناسبها من كل السرديات المصرية السُلطوية السابقة، لكن كانت هُويتها الأساسية تتمثل في الاستثناء، أيديولوجية وعقلية وسرديةٍ وممارسة تُبرر سُلطويتها، ومن ثم بقائها وهيمنتها على الحكم. هذا الاستثناء، قرأت تمثيله، في تأميم السردية الثقافية "الغير حركية" بالمعنى الاحتجاجي المباشر، بما تشمل فضاءات عدة، فنية تخص الدراما تحديداً، كما تعليمية وتربويّة كالمدارس الحكومية والغير حكومية.
وفي الفصل الثالث، ناقشت التجلّيات المُباشرة التي أحدثتها السُلطوية، والتي طالت مئات الآلاف من المصريين المُعارضين، خاصة الشباب منهم. إذ ناقشت تحولات المشاعر والأفكار داخل سنوات السجن، ومن ثم انتقلت إلى خارج السجن بل وخارج مصر (المنفى)، كي أرى جزءاً من الشباب، أي المُنتمي إلى الإخوان المُسلمين، كيف كانت تجلّيات المرحلة عليهم. ومن ثم خرجت من الخاص إلى العام، لأرى اتجاهات ومسارات الشباب الخارج من الاستثناء ومن السياسة كُلّية، سواء من بقيَ منهم داخل مصر أو من خرج منها. كما ناقشت الاستثناء في المُعارضة، فيما يخص فلسفة السُلطوية في التعامل مع المُعارضة، الإسلاميين كأخصام سُلطة، ومستقبلهم في الحياة الاجتماعية ومنها السياسية، كما مستقبلهم داخل سجون سُلطوية السيسي. وعن غيرهم كمُعارضة من التيارات الغير إسلامية، والتي يمكن الحديث معها والعفو عنها، كما التلاعب بها، لأرى تمثلات ما بعد مشهد الحوار الوطني، التي أطلقته السُلطوية مع المعارضة المدنية في أواخر شهر نيسان/أبريل 2022. بعد ذلك، اتجهت إلى تمظهرات الاستهلاك وصعوده مُقابل مَوات السياسة وفكرها وتنظيمها وممارساتها، بل وتحوّل السياسة ذاتها إلى سياسة استهلاكية. هنا ضربت المثل، بالمعارضة المصرية، خاصة المُقيمة خارج مصر، كي أرصد وأحلل كيف تحولت إلى مُعارضة وظيفية استهلاكية من حيث التنظيم والفكر والممارسة، لا مُعارضة ثقافية صلبة إصلاحية أو ثورية. ومن ثم ناقشت مفهوم الذات السياسية وتحولاتها من الواقعي إلى الافتراضي، وما تجلّيات هذا التحول على ماهية السياسة في راهن المشهد المصري ومُستقبله، كما ضمّنت سؤال كيفية انتقال الجسد من كونه جسداً سياسيّاً إلى جسداً استهلاكياً. ومن ثم وضعت بدلاً من خاتمة، تحاول نقاش ما هو قادم حول مشهدية السُلطوية في مصر، بعد هيمنة الرئيس السيسي على الحكم إلى عام 2030.
جدلية (ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): المقابلات بشكل أساسي، كانت من ضمن تحدياتي، كما ذكرت اعتمد بشكل أساسي في كتاباتي على سماع سرديات الناس، الذين تعاملوا أو مورس عليهم أفعال السُلطوية، أيضا بسبب الوضع الأمني في مصر، وهو وضع شديد القمع والترهيب، كان يخاف الكثير من إجراء أي مقابلات أو إدلائهم أي شهادات ناقدة للنظام. كذلك تحدي النشر، إذ حاولت نشر الكتاب في مصر، لكن لم تأخذه أي دور نشر، لأن محتواه ناقدا لممارسات السُلطوية ورئيسها، وتخاف دور النشر من القمع بسبب نشرها هذا المحتوى، كما تخاف من خسارتها المادية، فلو منع الكتاب، ستخسر الدار حق طباعته. ولذا، كان لا مفر من نشر الكتاب خارج مصر، وكانت بيروت هي الحاضنة، كما اشتهر عنها تاريخيا بأنها مكان نشر نصوص الأدبية والبحثية الممنوع إصدارها.
جدلية (ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): الكتاب يتبع حقل الاجتماع السياسي، ويمكن أن نعتبره أيضا، ضمن دراسات الجسد. على ما أظن، سيتفاعل معه، كل من يهتم بمعرفة علاقة الجسد بالسلطة السياسية، لاسيما في البلاد القمعية، التي تتشابه أدوات سيطرتها وإخضاعها لأجساد مواطنيها، خاصة الأجساد التي تمارس عملا معارضا، سواء سياسيا بشكل مباشر أو غير مباشر.
جدلية (ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): الكتاب هو مؤلفي الخامس، والرابع من حيث التركيز على موضوعات الجسد، حيث نشرت من قبل رواية قصيرة بعنوان "أجساد راقصة" (أمم للتوثيق والأبحاث، بيروت، 2021)، تناولت حركة الجسد وتشكّله داخل السجن. كذلك كتاب من يمتلك حق الجسد: قراءة في الحياة السجنية"، عن ذات الناشر (2022)، وقد تناول، بشكل بحثي، صور الجسد المُشكّلة في تباينها وتشابهها داخل السجن كنتاج لمرئيات الحياة السجنّية. أيضا نشرت كتاب "تمثلات المُجتمع المصري: في الذات والجسد والهُوية" عن دار رياض الريس، بيروت، 2023، وهو كتاب يناقش ويقرأ التمظهرات والمتغيرات التي طرأت على المُجتمع المصري في فضاءات مختلفة، مثل التقنية (وسائل التواصل الاجتماعي)، السينما، الإعلام، النيوليبرالية، العمران. لذا كان هذا الكتاب، ربما، مكملاً لتلك الفضاءات، بما أنه اشتبك مع فضاء السياسة وسُلطويتها في مصر.
جدلية (ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): كل من يهتم بالسياسة في مصر، وطرق إدارتها، لاسيما بعد منتصف 2013، كما كل من يهتم بالجسد وعلاقته بالسياسة في مصر، فضلا عن مجتمعات البحث والأكاديميا والسياسة وحقوق الإنسان وغيرهم، وبشكل أساسي، من القراء الذين لا ينتمون إلى أي تصنيفات، غير أنهم مواطنون مصريون، يتعاملون مع السُلطة السياسية والأمنية، وربما مورس على أجسادهم أفعال كثيرة من قبل السُلطوية في مصر.
جدلية (ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
أحمد عبد الحليم (أ. ع.): في الوقت الحالي، أعمل على كتابة رواية بعنوان "التابع وسليمان: ثرثرة في المنفى"، أحاول من خلالها توضيح العلاقة بين التابع (المهمَّش)، بوصف أنطونيو غرامشي، وبين رئيس الدولة المُستبد، الفيلسوف، "الفهمان كل شيء"، عبر العقود الماضية في مصر، من خلال سرد روائي، يتمثل في حكايات التابعين، كما حكايات السياسة، السجن، المنفى، الحب، الجنس، السلطة، الاستهلاك، وغير ذلك من مفاهيم وتمثلات.
مقتطف من الكتاب
"ليس القمع فقط، هو الذي يُجفف منابع السياسة عند الناس، بل بالتوازي معه، عملت الثورة التقنية وعرض الحيوات المرئية، على تغيير اتجاه الناس نحو السياسة. بمعنى، أن العمل سواء السياسي أو الثوري وتداخلاتِهما من أجل الإصلاح والتغيير السياسي، كان المخرج الوحيد لفئات عمرية متباينة، غير مرئية ومهمشة وغير مهمشة. حاليا، هذه الفئات تجد في عرض حيواتها، بوابة للخروج من الزاوية "المهمشة" إلى المركز ونيل الاعتراف الاجتماعي، منذ ولادتهم، لم يحظَ هؤلاء الناس بأي اعتراف اجتماعي، سواء من الدولة أو مؤسساتها الاجتماعية أو الثقافية، بل الغالبية منهم، تُنسب إلى التابع (Subaltern) بوصف الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي،أي الذين ليست لهم انتماءات فكرية أو تنظيمية، وفي الغالب يتبعون الدولة ودوائرها السلطوية من الاجتماعات العُليا في القرار السياسي كمقامٍ أول[1]. لذلك كان بث يومياتهم، ووجودِهم ولو على سبيل الصدفة كـ"ترند" (TREND)، أعطى لهم فرصة لا تُعوض أو بمثابة فعل استراتيجي، ثوري اجتماعي، إن جاز التعبير، تمسّكوا به مثل محمد عامل النظافة، أو هيثم "ويجز الغلابة" وغيرهم المئات، الذين يناضلون من أجل الاعتراف (The Struggle for Recognition)، وهذا للانتقال من الحياة اللامرئيّة (Invisible Life) إلى الاعتراف الاجتماعي وسط الفئات المُختلفة المتواجدة في الفضاء الافتراضي، كي تعرفها وتتفاعل معها، بل وتحبها، وهذا ضمنيّاً ما اعتبره الفيلسوف الألماني أكسل هونيث شكلاً من أشكال السعي للاندماج والظهور من أجل الاعتراف[2]؛ إذ ومن خلال عرض هذه اليوميات ووصولها للجمهور، يبدأ الجمهور في مشاهدتهم ومعرفتهم والحديث معهم وعنهم. كذلك الخروج من التهميش من خلال كسب المال، عن طريق مشاهدات يوتيوب أو إعلانات فيس بوك واستضافات البرامج المتنوعة على القنوات التلفزيونية، ويصبح هذا الظهور (الترند)، بديلاً نضاليّاً لهم، وتُحل الشاشة كفضاء بديلاً من مقرّات الأحزاب والعمل السياسي.
هذا أيضاً تداخل مع صعود الفردانية كفلسفة وممارسة، الالتفاف حول الذات "الجسد"، وحصر وجودها وبقائها بالإنجاز، ضمن ما يُعرف بـ"مجتمع الاحتراق النفسي"، الذي يعيش فيه الإنسان صراعاً مع الزمن، احتراقاً عقليّاً ونفسيّاً من أجل الإنجاز الذي لا يرضى عند محطة بعينها[3]. "أسطورة البطل التي اخترعتها الرأسمالية وتروّج لها، في ما سمّاه أستاذ علم النفس برايان ليتل بـ"أسطورة البطل المُنفرد" الذي يلهث الجميع من أجل الوصول إليه، لا عن إبداع حقيقي في مجال بعيّنه، بل عن فردانية شوّهت، ومن خلال النرجسية الشديدة، تُحب أن يَنظر إليها الجميع في هوسٍ بها[4]. هذا بدوره، فكك العمل ضمن التنظيم الجماعي، الذي يعني العمل من أجل الجماعة/الآخرين، لا العمل من أجل الذات وفقط. لذلك تبنى الكثير مقولة "لا حاجة لنا للتنظيم وللسياسة وأوجاعها"، خصوصاً إن كانت السُلطة تدير الحياة بالقمع، وبما أن تمثيل الذات في أحيانٍ كثيرة، يتشكّل عبر تمثيل الجسد ذاته، وجوده المثالي، وهذا ما يخلق تضاداً آخر للوجود السياسي، حيث السياسة في ظل الاستثناء تقضي على الجسد، بقتله أو سجنه أو ابتلاعه، ومن هنا هوس الحفاظ على الجسد، بما أنّه "رأس مال رمزي" للذات، وافتقاده يعني افتقاد الذات وجودها تحت هيمنة الفردانية ومنظومتها[5].
وهذا ما ترجم واقعيّاً، عبر إحصاءات قامت بها مجموعة من الباحثين في عام 2016 تحت رعاية مؤسسة فريدريش إيبرت ومعها مجموعة من الشركاء، في إثر مقابلات مع تسعة آلاف شاب من ثمانية بلدان عربية، هي مصر والأردن والبحرين ولبنان وفلسطين واليمن وتونس والمغرب، إضافة إلى "اللاجئين" السوريين في لبنان، في ما يخص اهتمامهم ونظرتهم إلى عدة قضايا، منها الاهتمام بالسياسة بكل أبعادها. وجاءت النسبة الإجمالية أن 18 في المئة من الشباب إجمالاً مهتمون بالسياسة. في مصر كانت النسبة 23 في المئة فقط، ما عكس عزوف معظم الشباب في مصر عن السياسة وكل ما يخصّها[6]. هذا العزوف، جاء بشكل أساسي نتيجة قمع سُلطوية ما بعد 3 تموز/يوليو، والتي أجهضت أحلام الشباب المصري في التغيير والإصلاح والمشاركة السياسية، بل حتى الاهتمام بالسياسة كُلّها.
وهنا أخذ الجسد تمثيله في الاستهلاك بدلاً من السياسة، إذ انتقلت العلاقات التي كانت تتأسس وفقاً لروابط أخلاقية وفكرية وممارسات ثقافية وسياسية، إلى مأسسة على سلوكيات استهلاكية، ومقاربات من حيث المادة ونوعها وإلى أي براند تنتمي، بل واستبدلت العلاقات الإنسانية ذاتها بلذة الاستهلاك التي أعطت مكانة نفسية واجتماعية ورمزية بدلية عنها أيضاً. ومن مقاربةٍ تاريخيّة سياسيّة، يمكن تشريح حالة الغوص في كافّة اللذات، "أنّها صُنعت من نتاج يأس" وُلّدَ لدى الكثيرين بدافع الظروف الصعبة التي مرّوا بها، سواء كانت حروب أو نزاعات مُسلّحة أو ثورات فاشلة أو قمع شديد عبر السُلطوياتٍ، خصوصاً إن خرجت الناس من تلك الأحداث بنتائج مُخيّبة للآمال وفشل ذريع، مثلما حدث مؤخراً في الكثير من البلدان، استمرار وتوسّع طغيان واحتلال الكيان الصهيوني لأرض فلسطين، الحرب الأهلية اللبنانيّة 1975-1990، الثورة السورية التي بدأت في آذار/مارس 2011، ثورة يناير في مصر عام 2011. جُل هذه الأحداث تركت - بعد معاناتها وفشلها وارتباكها - تأثيراً نفسيّاً بالسلب على الشعوب العربية، والتي استقطبته فضاءات الاستهلاك المُتعددة لدى نفسيّات واجتماعات وفضاءات إنسانيّة وعمرانيّة مُتعددة.
بل وتنتقل السياسة وأجسَادها ومُفرداتها من أماكنها المعتادة إلى ساحات الاستهلاك، من مقرات العمل السياسي والفضاءات الشارعية إلى فضاءات الترفيه والسهرات الليلية. لبنان نموذجاً على هذا الانتقال، ما يُسمّيه أستاذ الاجتماع اللبناني سمير خلف، الانتقال "من ساحة المعركة إلى ساحة اللعب"[7]. في ظل عيش لبنان حالة جمود سياسي تحُكمه الطائفية وسُلطوياتها المُتعددة، سُلطوية أوصلتْ البلد وشعبِها إلى حالة من التردي المعيشي اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً. وعلى الرغم من ذلك، اعتادت بعض الأجساد على الترفيه، كجزء أساسي من أنماط الحياة الاستهلاكية، فتأخذ السياسة معها، في مفردات إيقاعية، أغنيات ومعازف تسبّ السُلطوية وتتراقص الأجساد في فضاء مُغلق لا تراه السُلطوية، اعتراض عاطفي لا يغيّر من الحقيقة السياسية شيء، لكنه يُشبع الذات بشكلٍ مؤقتْ بطعم الاحتجاج، الاحتجاج الاستهلاكي. وهذا لا يعني أن العمل السياسي الواقعي في لبنان أو مصر أو سُلطويات أُخرى أمر هين، بل هو أمر شديد الصعوبة، لكن هذه هي تكلفة التغيير، ومعوّقاته. سُلطويات شديدة التصلّب والتجذّر، من الصعب اقتلاعها إلى عبر عمل سياسي وثوري طويل المدى".
هوامش:
[1]: يمثل التابع الفئات المُهمّشة، من الطبقات الفقيرة والأَدقع فقراً، بمختلف حِرفهم وأعمارهم ووجودهم الجغرافي في العاصمة والأقاليم. كَثُرت الدراسات التي تتمحور حول "التابع" كمفهومٍ وممارسة، على السواد الأعظم من الشعب الهندي المُستغَل من الطبقات البرجوازية الهندية المُتعاونة مع الاحتلال البريطاني، والحاكمة بعد زواله. مع بداية الثمانينيات برز حقل دراسات التابع، من أشهر منظّريه المؤرخ الهندي "رانغيت غوها" ولحقه شهيد أمين وغيانيندرا باندي وسوميت ساركار ودايفيد هادريمان، وبفضل تنظيرهم المبدئي، اهتم آخرون وصدرت مجلة دراسات التابع (Subaltern Studies). كما في مصر أيضاً تواجد بعض المُهتمين بـتأريخ حياة التابعين، أبرزهم أستاذ التاريخ خالد فهمي، كما في أطروحته "كل رجال الباشا" عن حياة فلاحي مصر، أوائل القرن التاسع عشر، وكتاب السعي إلى العدالة: الطب والفقه والسياسة في مصر الحديثة.
[2]: أكسل هونيث، الصراع من أجل الاعتراف: القواعد الأخلاقية للمَآزم الاجتماعية، ترجمة جورج كتورة (بيروت: المكتبة الشرقية، 2015)، ص 121.
[3]: بيونغ- شول هان، مجتمع الاحتراق النفسي، ترجمة بدر الدين مصطفى (السعودية: دار معنى للنشر والتوزيع، 2021)، ص 58.
[4]: برايان ليتل، أنا ونفسي ونحن: علم الشخصية وفن الرفاه، ترجمة وسام رجب (السعودية: دار معنى للنشر والتوزيع، 2021)، ص 180.
[5]: حسني إبراهيم عبد العظيم، "الجسد و الطبقة ورأس المال الثقافي: قراءة في سوسيولوجيا بيير بورديو،" إضافات: المجلة العربية لعلم الاجتماع (مركز دراسات الوحدة العربية)، مج 2011، العدد 15 (تموز/ يوليو 2011)، ص 65.
[6]: مجموعة مؤلفين، مأزق الشباب العربي في الشرق والأوسط وشمال إفريقيا، تحرير رالف هِكسل ويورغ غرتل؛ ترجمة ماريا الدويهي (بيروت: دار الساقي، 2019)، ص 327.
[7]:
Samir Khalaf, Lebanon Adrift: From Battleground to Playground (London: Saqi Books, 2012), p. 27.