بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تغيرت مواقف كثيرة، وثبتت أخرى، موجة التغيرات لم تنحصر في المستوى السياسي وفي نخبة المفكرين والشعراء فقط، بل امتدت بطبيعة الحال إلى المستوى الفني، وليس أدل على ذلك من تباين مواقف الممثلين السوريين أنفسهم، بين من انقلب موقفه ومن ثبت على التأييد ومن احتفل من المعارضين.
وعلى الغرار ذاته، بدت مواقف المغنين، من خلال أعمال فنية جديدة أطلقوها في المناسبة، ومن بين نماذج كثيرة، تجدر معاينة 3 نماذج مختلفة، وهي فضل شاكر وناصيف زيتون وإسماعيل تمر.
فضل شاكر
كان موقف فضل شاكر من الثورة السورية واضحا منذ البداية كمؤيّد لمطالب السوريين، لكنه سرعان ما تطور في مطالع الثورة، تصعيدا نحو مهاجمة النظام السوري، والدعاء عليه في حفله في المغرب، داعيا الجماهير للتأمين وراءه، وهو موقف دفع شاكر لقاءه ثمنا باهظا، حوله من مغنٍ إلى "مجاهد"، مما ورطه لاحقا في قضايا لم يكن يتخيل ربما أن يُقحم بها، لا سيما في بلد تغيب فيه سطوة القانون، خصوصا في تلك الفترة. أصبح فضل شاكر إذن ملاحقا قانونيا، وهو ما اضطره للاعتكاف في أحد مخيمات لبنان، حيث جرى العرف ألا تدخل الأجهزة الأمنية إلى مخيمات اللجوء هناك، وما تزال قضيته عالقة حتى الآن، فضلا عن تهديدات يواجهها من تيارات سياسية وأخرى عسكرية لبنانية، وظل الأمر كذلك حتى عاد شاكر إلى الغناء متكيّفا مع هذا الظرف، ومستثمرا في المنصات التي أصبحت بديلا عن الفضائيات ورديفا للحفلات.
كل هذه الحالة حوّلت الخصومة بين فضل شاكر والنظام السوري إلى خصومة شخصية، إذ أصبح الرجل منخرطا في الصراع، على خلفية التضحية بمشروع فني مميز، كلفه كثيرا قبل موقفه وبعده أيضا.
ومع ذلك لم يكن الموقف الفني لشاكر بعد سقوط النظام موسوما بالتشفي أو بلغة انتقامية، بل كان منحازا لموقف الشعب السوري واحتفائه بفرح تحقيق الحرية أخيرا بعد عقد ونيّف من التضحيات والصلابة.
قدم فضل شاكر إذن أغنيتين، الأولى "هي شامنا"، من كلمات الشاعر اليمني عجلان ثابت، الذي كتب عديدا من الأغنيات والأناشيد، من بينها مجموعة غناها الشيخ راشد العفاسي، فاتسمت الأغنية بروح الإنشاد الإسلامي، رغم أن ملحنها مشعل العروج، الملحن الكويتي الغزير، الذي غنى له كل كل من نوال الكويتية وعبد الله الرويشد وعبد الكريم عبد القادر، فضلا عن كوكبة من الفنانين العرب أيضا.
تقول كلمات الأغنية:
"سنظلُّ فيها صامدين
حتى يغادرها الأنين
ستفوح من أرواحنا
إن غاب عنّا الياسمين
هي شامُنا وحمامنا
شرفـت بها أيـامُنا
فيها أريجُ العِــزّة
فيها دعاءُ المرسلين".
ولم تحقق الأغنية انتشارا كبيرا قبل أن يذهب شاكر إلى خيار أقرب للسوريين، وهي أغنية "الشام فتّح"، التي كانت أكثر خفة ومخاطبة لهواجس الفرح والاحتفال، من كلمات وألحان جمانة جمال، وتوزيع عباس صبّاح، وجمانة جمال أيضا يمنية، قدمت مؤخرا قصيدة مررت بصدري للقيصر كاظم الساهر، فلحنها وغناها في ألبومه الأخير "مع الحب"، ولكن المفاجأة كانت في إتقان جمانة للهجة الشامية، وكذلك لفهمها للون الغنائي الشامي، الذي أفلحت في نسج لحن من قماشه، بنته على لوب لذيذ، على إيقاع "أيوب" ومقام الكورد.
"دوري يا فرحة على الحبايب دوري
الشام فتح ياسمين وجوري ..
وجراح صرلا …عمر عم تكوينا
طابت ..ورح بتطيب …لأنك سوري
لا بعاد بيفرقنا
ولا بحر ..بيغرقنا
احنا ولادك ..جينا
يا شامنا ضمينا
قالوا …انتهت قلنا بلاد عتية
ما بتنتهي بس كان فيها ضيقة
الظلم مثل الليل …مهما طول
بعده بتشرق شمسنا ..الحقيقة".
ناصيف زيتون
أما ناصيف زيتون، الذي ظل صدى أغنيته "سوريتي هويتي" يتردد طوال سنوات الأزمة، من جميع الأطراف، إذ لم تحمل الأغنية موقفا سياسيا، وهو الخط الذي اختاره لنفسه أيضا، فقد أصدر أغنية جديدة بعد سقوط النظام تمتعت بالموقف ذاته، موقف المحبة لسوريا، دون اصطفاف واضح، وهي:
"بعدو أملنا
عايش بيقلنا
جايي الفرح تا يزور
والعتمة بدّا
ينتهي حدّا
ويرجع صباح النور
اتركو الناس تحقق حلما
اتركو النار وصوتا وظلما
والله مش حرام
والله والله مش حرام
ما بدنا نبكي عبيوت
ما بدنا بسلام نموت
بدنا نعيش بسلام".
أغنية "بسلام" من كلمات مازن ضاهر وألحان إلياس، اتسمت بالطابع الغربي على مستوى الكتابة واللحن والتوزيع الذي قام عليه عمر الصباغ، والفيديو كليب أيضا، الذي يبدي في مقدمته ناصيف موقفا متحمسا لصالح الأمل، وشحذ الهمم، بكلمات محكية، وقد اعتمد على مقاطع فيديو حقيقية يقول إنها أُرسلت إليه.
إسماعيل تمر
أما إسماعيل تمر، السوري الذي عانى مباشرة من ظروف الأزمة وتداعياتها، حيث لم يكن في منزلة فنية تمنحه وضعا مكافئا لوضع مواطنه ناصيف زيتون، فاتخذ موقفا أكثر انحيازا للشارع، الرابر تمر اختار شخصية الساروت ليحمل عليها الأغنية في رسالة انتقام وتشفٍ واضحة ومباشرة، تبدأ أغنية "ساروتنا" بقراءة خبر سقوط النظام، وتنفلت الرواية من أولها حتى هروب "الطاغية"، مرورا بحكاية "الساروت"، الذي يعد مكافئا فرديا لمجمل الثورة السورية، وتتوسط أغنية "ساروتنا" لازمة "جنة جنة جنة جنة يا وطنّا" التي تحيل إلى هتافات الساروت في الميادين:
"يابلادي قومي .. ولادك سقطو العصابة
يلا نشبك الايادي راحو الي خلوها غابة
ولك كسر السقف الي حجب سمانا
٢٥ مليون انسان سوري عانا
سورية حره أعلنوها يسقط النظام
أسد هرب كأنو ارنب لكن ارتكب مجازر
حتى بسقوطو عايب ما الو كلام
هتفنا ارحل فكسرو الحناجر
حاكم بلدنا مالو طاغي اخطر بمراحل
شعبنا طالب العلا فهدمو الزنازن
مافي عنا للأبد الا للواحد الأحد
فلازم يسقط الأسد لحتى تنظف البلد
لانو الله عادل اكرم الشعب بنصرو
مجرم بلدنا لاجئ والسوري قاعد بقصرو
وجنة وجنة ساروتينا بالشام غنا
جنة جنة جنة".
وقد أهديت الأغنية بطبيعة الحال إلى الشهيد عبد الباسط الساروت، كما أنها تنتهي بصوت الشهيد وهو يتنبأ بشهادته وبالنصر على حد السواء.