[هذه المقالة هي الجزء الثاني من تقرير مطوّل عن واقع النشر في سوريا بعد عشر سنوات من الحرب].
بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا، تدمرت معظم البنى التحتية في البلاد، وأهدرت مئات الآلاف من الأرواح، وبعد خفوت صوت المعارك بدأت تظهر الأضرار التي أُلحِقت بالمؤسسات وبالممتلكات والمقدرات، في جميع القطاعات ومنها قطاع النشر والثقافة، الذي تضرر كغيره، فقد أحرقت مستودعات الكتب وتدمير عدد كبير من المؤسسات الثقافية، وما لم يتدمر من الحرب تدمر من إعاقة الفاعلية، من الحصار والإهمال، واليأس الذي فرضه الوضع الاقتصادي السيء الذي أتى بعد الحرب.
فيما يلي تقرير حول دور النشر والمكتبات التي لا تزال تكافح لتستمر بالعمل، وبعض ما أغلق منها، فعدد كبير منها أغلق في دمشق وحلب وحمص أو نقل نشاطه إلى خارج البلاد، وبعضها خفض إنتاجه للحدود الدنيا، إذ يجب على أي دار نشر أن تطبع عنوانين في السنة على الأقل لتحافظ على الترخيص المعطى لها.
نعرض مقاربة لفهم الوضع الراهن اليوم للنشر في كل مدينة على حدة من خلال حوارات قصيرة قمت فيها بطرح مجموعة من الأسئلة على عدد من أصحاب دور النشر والمكتبات والمثقفين والقراء، الذين لا يزالون متواجدين في مدنهم.
ومن أجل إلقاء الضوء على واقع النشر والكتاب والقراءة والعمل الثقافي المرتبط بذلك قمت برصد تفصيلي لدور النشر السورية مدينة مدينة، وألقيت الأسئلة على الناشرين والموزعين وبعض المهتمين بالقراء وبالعمل الثقافي لتكوين صورة شاملة عن الموضوع.
دور النشر في دمشق
دار معابر
من الدور الهامة التي توقفت عن إصدار الكتب وكانت تهتم بنشر ثقافة اللاعنف، تقول السيدة منى هلال والتي كانت تتابع نشر وتوزيع كتب معابر داخل سوريا: تأسست معابر عام 2000 على يد أكرم أنطاكي وديمتري أفييرينوس، وأصدرت 27 كتاباً، أول كتاب أصدرته معابر بالتعاون مع الهيئة اللبنانية للنشر هو "قاموس اللاعنف ل جان- ماري مولر" ترجمة محمد علي عبد الجليل ومراجعة ديمتري أفييرينوس عام 2007، وآخر كتاب أصدرته عام 2015 وهو "دليل اللاعنف: إرشادات عملية للعمل اللاعنفي" لمايكل ناغلر ترجمة عزة حسون.
دار أطلس
أما بالنسبة لدار أطلس فقد انخفض عدد العناوين السنوية في هذه الدار العريقة التي تديرها السيدة سمر حداد من 15 في السنة إلى 5 عناوين، بسبب ظروف الحرب والحصار والوباء وكانت السيدة سمر قد تسلمت إدارة الدار منذ عام 2000 عن والدها سمعان حداد. وهي تهتم بالتنوع البيبليوغرافي. ولقد حاز عنوانان من إصدارات الدار المهمة على جوائز عربية أولهما رواية "قطنا" ترجمة الدكتور نبيل الحفار عن الألمانية، و"يوميات دوستويفسكي" التي ترجمها عن الروسية عدنان جاموس، على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في قطر عام 2018.
دار الرحبة
هي أيضاً من الدور الدمشقية، وتكمن أهمية دار الرحبة بأنها من أوائل دور النشر العربية التي قدمت كتب الفلسفة النسوية للعالم العربي، وتديرها الدكتورة ميّة الرحبي، وهي تابعة لـ"مساواة" مركز دراسات المرأة، أصدرت ما يقارب العشرين عنواناً، منها "اللغز الأنثوي" لبيتي فريدان ترجمة عبدالله فاضل، و"النسوية والقومية في العالم الثالث" ترجمة ضحوك رقية وعبدالله فاضل، و"النسوية: مفاهيم وقضايا" للدكتورة ميّة الرحبي، كتاب "نحو نظرية نسوية في الدولة" لكاترين أ. ماكينون وترجمة عبدالله فاضل.
دار الفكر
يقول المسؤول الإعلامي في دار الفكر العريقة الأستاذ وحيد تاجا: تراجع عدد العناوين التي كانت تقوم الدار بطباعتها في السنوات العشر الأخيرة من 100 أو 200 عنوان في مختلف المجالات إلى 10 عناوين فقط، لقد تأذت الدار كثيراً خلال فترة الحرب بسبب خسارتها لمخازنها ومستودعاتها كعدد كبير آخر من الدور الأخرى وبسبب خسارتها لكادرها التقني وعدد كبير من موظفيها ذوي الخبرة الذين اضطرت للاستغناء عنهم وسافر معظمهم بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة. وتعتبر دار الفكر من أعرق وأقدم دور النشر في دمشق، وهي تعرف عن نفسها كالتالي: شركة توصية بسيطة أسست عام 1957 م. وتفرعت عنها عدة شركات شقيقة. تعنى بثقافة الكبار وبثقافة أطفالهم.
دار نينوى
دار نينوى حازت في عام 2021 على جائزة الاتحاد العربي للثقافة، يقول صاحبها الأستاذ أيمن غزالي "عدد العناوين السنوية تقريباً خلال سنوات الحرب العشر كان يتراوح ما بين ستين لسبعين عنواناً سنوياً أصدرنا كتباً متنوعة لكننا اليوم نعمل على الكتاب النوعي أكثر، أما فيما يتعلق بالبيع الإلكتروني وبيع الكتاب الصوتي لا يزال الوضع بالنسبة لنا كسوريين معقداً ولا يوجد أي جدوى أو نتيجة واضحة أو إيجابية منه، علماً أننا كدار نشر لدينا أحد عشر منصة لبيع الكتاب الإلكتروني أولهم موقع النيل والفرات وآخرهم موقع المنهل في الأردن، ولكن أهم موقع هو موقع الكتاب الموجود في الصين وهو تابع للحكومة الصينية وهو موقع ممتاز وفيه بيع منظم وتصلنا منه تقارير سنوية حول المبيعات والدفعات.
دار ورد
يقول صاحبها الدكتور مجد حيدر: منذ سنتين بدأنا بالبيع أونلاين وعن رغبته بالتحول إلى النشر الإلكتروني، يقول إنه لا يرغب مطلقاً بالتحول للنشر الإلكتروني بالنسبة له، لا شيء يضاهي الكتاب الورقي. وعن مشاركتهم في المعارض الخارجية يقول "نحن نشارك في معظم المعارض لكن الطلب على الكتاب الورقي خف كثيراً بسبب انتشار الكتاب الإلكتروني".
دار التكوين:
الأستاذ سامي أحمد صاحب الدار: بالنسبة لظاهرة التهكير 40% من عناوين دار التكوين مهكرة وتباع في العراق ومصر، الملكية الفكرية ضرب من الخيال في العالم العربي. بالنسبة لعدد العناوين انحسر في السنوات الأخيرة بسبب جائحة الكورونا لثلاث سنوات أثرت كثيراً على المعارض العربية، كنا نطبع بالسنة قبل هذه الجائحة ما بين 45 و50 عنواناً الآن نطبع في السنة حوالي 20 عنواناً فقط، نتأمل في 2022 أن تكون المعارض قد بدأت تستعيد القليل من نشاطها ونحن بدأنا بشكل تدريجي في هذا العام نضع خطة لطباعة 40 عنواناً، ويقول سامي إن الحرب ليست من أثّر على ما حل بالكتاب، ويرى أن سوريا تعيش في أزمة ثقافية كبيرة قبل الحرب بسنوات طويلة، وعن إصدار الكتاب الإلكتروني يقول: فكرنا كثيراً بإصدار كتاب إلكتروني، لكن هذا الأمر صعب التحقيق لناشر سوري بسبب صعوبة التحويلات المالية والإشكاليات المصرفية.
دار كنعان
تأسست دار كنعان عام 1989 وتطبع حالياً من 30 إلى 40 عنواناً سنوياً، يقول صاحبها الأستاذ سعيد برغوثي: "كنا نطبع ما يقارب 3000 نسخة من العنوان الواحد في السابق ثم تضاءل إلى 500 نسخة وأحياناً نطبع 250 نسخة فقط. من العناوين المهمة الحديثة لدينا كتاب "كل ما هو صلب يتحول إلى أثير" لمارشال بيرمان ترجمه عن الانجليزية فاضل جتكر، وكتاب "مداريات حزينة" لكلود ليفي شتراوس، ترجمه عن الفرنسية محمد صبح".
دار الحصاد
يقول الأستاذ جامع بهلول صاحب الدار، "الدار لا تطبع اليوم سوى 3 أو 4 عناوين في السنة ولم تتمكن من المشاركة في المعارض الخارجية". من إصدارات الدار المهمة كتاب "نقد العقلانية العربية" للمفكر الكبير إلياس مرقص، وكتاب "الله والإنسان" لكارين آرمسترونغ.
دار سرد
يقول فايز علام مدير دار سرد وهي جزء من دار ممدوح عدوان: نرغب في دار سرد بأن نفتح نوافذنا على الآخر المختلف، وعلى الاختلاف بكل معانيه. لذلك فإننا نحاول أن نكتشف مع القارئ ما هو الأدب الذي يكتب في بعض الدول التي لم يترجم منها سابقاً أو التي ترجم عدد قليل من الكتب عنها (مثل الآداب البلغارية – الصينية – الهنغارية – الهولندية – النرويجية - الفارسية...). عمر الدار أربع سنوات تصدر من 10 إلى 12عنواناً سنوياً، وكانت قد فازت رواية "الحب في القرن الجديد" الصادرة عنها لتسان شييه والتي ترجمتها عن اللغة الصينية يارا مصري بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في دورتها السابعة 2021.
دار ياسمينا
وهي دار جديدة. تقول الدكتورة سمر زليخة صاحبة الدار: عمر الدار سنة واحدة، عدد العناوين التي نطبعها في العام غير محدد، لكن منذ أنشأنا الدار كانت الخطة أن لا تقل إصدارات الدار في العام الواحد عن ثلاثين عنواناً، وهذا جيد نسبياً لأن العناوين التي نطبعها يقع بعضها في ستة أجزاء أو ثلاثة وغير ذلك وتهتم الدار بالأدب الصوفي.
المكتبات التي أغلقت في دمشق
أغلقت مكتبات عريقة جداً في دمشق منها مكتبة ميسلون، ومكتبة التنبكجي، ومكتبة الملاح في منطقة الحلبوني، مكتبة ودار الإعلام بالحلبوني، مكتبة اليقظة بجانب سينما الكندي، مكتبة النهضة في شارع خالد بن الوليد، مكتبة الجامعة بجانب مقهى النوفرة، مكتبة الزهراء بجانب سينما الزهراء، ومكتبة أطلس في طريق الصالحية، وأخيراً مكتبة نوبل للأخوين جميل وأدمون والتي تقع في شارع ميسلون. اليوم المكتبات الوحيدة المتبقية والتي تصارع الإغلاق هي مكتبة النوري التي أغلقت فروعها وحافظت على مكتبتها المركزية فقط، والمكتبة العمومية، وبعض المكتبات التي تبيع الكتب التراثية والدينية.
حركة النشر في حلب واللاذقية وطرطوس والسويداء وحماة ودير الزور
حلب
ربما الدار الوحيدة التي لا تزال تعمل في حلب هي دار النهج، يقول مديرها الأستاذ عبد المجيد طعمة: "تطبع الدار أربعة أو خمسة عناوين في العام فقط، ولا تتجاوز نسخ العنوان الواحد 200 نسخة، وغالباً نطبع على الريزو بسبب ارتفاع التكاليف". من الدور التي كانت تعمل في حلب وأغلقت دار الإنماء الحضاري، دار نون 4 انتقلت إلى تركيا، دار شعاع وهي دار مهمة نشطت بأواخر التسعينات، دار عبد المنعم وكانت موجودة حتى 2016 ثم أغلقت وهاجر صاحبها الأستاذ محمد عبد المنعم إلى أوروبا، ودار الربيع التي تعنى بأدب الطفل لا تزال تعمل حتى اليوم.
أفرغت حلب من مثقفيها، 90% منهم هاجروا إلى خارج البلاد، إلى تركيا ومنها إلى مختلف دول العالم، وقسم اتجه نحو الداخل وغالباً نحو مدن الساحل السوري.
يقول الأستاذ فاضل الكواكبي وهو كاتب وناقد سينمائي: كنا نشتري أحدث الكتب من بيروت الآن لا أحد يستطيع شراء هذه الكتب. بالنسبة للمكتبات يقول الكواكبي كان يوجد في المنطقة الشرقية مكتبات عريقة تبيع الكتب التراثية، لكنها أغلقت عندما سيطر الإسلاميون على المنطقة، بالمنطقة الغربية (المسيحية) التي كانت تقوم على خطوط التماس كالعزيزية والسليمانية أغلقت أيضاً، وهاجر معظم مسيحيو المنطقة، حديثاً افتتحت مكتبة عريقة وهي مكتبة سعيد كانت بالعزيزية وهي متخصصة ببيع الكتب الفرنسية أغلقوا مكتبتهم الأساسية وافتتحوا مكتبة جديدة في منطقة المحافظة، حي السبيل، أيضاً افتتحت مكتبة جديدة بالمحافظة اسمها الشام تعمل ببيع الكتب وتقدم حلقات قراءة كتب للأطفال وللشباب، وهناك مكتبة الكشاف.
وأضاف الكواكبي حول إيقاف استيراد الكتب والصحف والمجلات: "في 2011 قررت مؤسسة المطبوعات المحتكرة للاستيراد والتوزيع إيقاف الاستيراد فلم تعد تصل للبلد صحف عريقة كالحياة والشرق الأوسط والسفير والأخبار، أيضاً والأهم من هذا كله أوقفوا طباعة الصحف السورية المحلية الورقية وتحولوا للنشر الإلكتروني، اختفى تقليد الصحيفة الصباحية من البلاد بحجة الكورونا. سوريا البلد الوحيد الذي أوقف طباعة الصحف الرسمية اليومية الورقية بسبب الكورونا معظم المنشورات توقفت، فقط وزارة الثقافة حافظت على طباعة إصداراتها، لكن بنسبة منخفضة جداً لعدد النسخ للعنوان الواحد". من المكتبات العريقة التي أغلقت في حلب مكتبة الأصمعي واسطنبولي والأرميتاج ودار الكتاب العربي والزهراء.
اللاذقية
يوجد في اللاذقية العديد من دور النشر والمكتبات والتي ما تزال نشيطة إلى حد ما، وربما كان السبب أن المدينة كانت بعيدة عن ويلات الحرب. ومن الدور المعروفة فيها دار الحوار، ودار فواصل، ودار دال، أما المكتبات فأهمها مكتبة كردية الدؤوبة على توزيع الكتاب الجدي ومكتبة بالميرا التي تهتم بالرواية والدراسات الفكرية والفلسفية.
يقول صاحب دار دال الناشر ناظم حمدان: انتقلت دار دال من دمشق إلى اللاذقية بسبب ظروف الحرب. الدار تعمل من 2009، وتمتلك في رصيدها 195 عنواناً، وتطبع كل عام من 25 إلى 30 عنواناً جديداً، وتعيد طباعة نفس العدد لعناوين قديمة وعناوين متنوعة، وعن المعارض الخارجية يقول: نشارك في معظم المعارض الخارجية في السنتين الأخيرتين، قمنا بتوكيل دور نشر أخرى لتعرض كتبنا معها.
وعقبت الآنسة بيري إيبو المديرة الإدارية لدار الحوار أن وضع النشر تأثر كثيراً بسبب كورونا فقبل كورونا كانت الدار تنشر ما يقارب الخمسين عنواناً في السنة لكن اليوم بعد أكثر من عامين على كورونا تطبع ما بين 30 و40 عنواناً، أيضاً تسببت كورونا في تراجع المشاركة في المعارض الخارجية فاليوم تؤجل المعارض أو تلغى أحياناً بسبب الوباء، وتعتمد الدار على الكتاب المترجم بالدرجة الأولى نطبع طبعات أصلية على البلاكات المعدنية، ونطبع عناوين جديدة ونعيد طباعة عناوين قديمة نفدت من السوق.
صاحبة دار فواصل السيدة منار عيسى قالت إن "فواصل" لا تزال داراً ناشئة، عمر الدار ثلاث سنوات ونطبع كل عام من 10 إلى 12 عنواناً، لدينا اليوم ما يقارب 50 عنواناً في مجالات مختلفة مثل الرواية والفلسفة، نشجع الأقلام الجديدة، نرغب في المستقبل أن نواكب حركة النشر الإلكتروني التي لا تزال جديدة في العالم العربي.
الأستاذ رامي فيتالي صاحب دار الفاروس قال: "فضلت التوجه إلى الكتاب الرقمي بسبب الإمكانيات الكبيرة التي يوفرها الإنترنت حيث يمكنني إضافة العديد من التطبيقات إلى الكتاب". وعن التعقيدات المالية والمصرفية التي يواجهها أجاب: من واقع خبرتي بالعمل على برامج الكمبيوتر حيث كنت أبيع برامجاً لداخل البلاد وخارجها أعرف كيف سأتعامل مع هذا الأمر فالكتاب الورقي يتراجع الآن وهناك صعوبات وتكاليف كبيرة تواجهه لذلك أفضل الاتجاه نحو الكتاب الرقمي.
تحدثت حول موضوع واقع المكتبات مع بعض أصحابها، وكان أولهم الوليد كردية صاحب مكتبة كردية الذي قال: نحن متخصصون ببيع كتب أهم دور النشر السورية، لا نستطيع الحصول على عناوين من الخارج إلا عن طريق وكلاء هذه الدور، قبل سنتين كنا نشتري كتباً من عدد كبير من دور النشر العربية، لكننا لم نعد نستطيع الآن بسبب غلاء أجور الشحن والحصار. وعن ما يستهوي القراء الشباب من الكتب يقول: الشباب يقرؤون كل شيء. لدينا عناوين مختلفة علمية، أدبية، فلسفية، ونقدية، لكن تبقى الرواية الصنف الأكثر مبيعاً، حركة البيع لدينا جيدة مقارنة بالوضع الحالي.
أما صاحب مكتبة إنانا في منطقة الزراعة قرب الجامعة، الأستاذ نزيه سليمان فيقول: "تبيع المكتبة عناوين لدور نشر سورية وعربية، لكن المكتبة تعتمد على نظام إعارة خاص. المكتبة تشتري كتباً مستعملة وتجلدها وتضعها في جناح الإعارة وتبيع المكتبة النسخ الأصلية لدور النشر السورية، لكن من الممكن أن تشتري نسخاً مهكرة لكتب غير متوفرة لدور نشر من خارج سوريا، في الحقيقة لم نكن سابقاً نميز بين النسخ المهكرة من غير المهكرة، تعرفنا على الأمر في الشهور الأخيرة.
طرطوس
بالنسبة لمدينة طرطوس الدار الوحيدة هي دار أرواد للنشر، والتي قال صاحبها: الشاعر والمترجم أحمد م. أحمد: أصدرنا في سنوات ماضية من 1400 إلى 1500 عنواناً حتى اليوم، لكن الدار خاسرة اليوم، لذلك انصرفت للترجمة.
المكتبات الموجودة في طرطوس مكتبة الأندلس ولكنها أغلقت، ومكتبة مريم، ومكتبة هوامش، مكتبة السوريتي، ومكتبة دار أسامة.
بالنسبة للقراءة في مدينة طرطوس، تقول السيدة لبانة الجندي وهي مترجمة عن اللغة الانجليزية وشاعرة حول تجربة نادي القراءة في طرطوس: "أسس النادي 2017 حتى الآن أحرز تقدماً جيداً وقام بأنشطة متعددة، لتحفيز الشباب على القراءة من خلال إجراء مسابقات مثل القارئ الصغير للأطفال، ومسابقة ماراتون القارئ الجامعي".
حمص
في حمص هناك دار الإرشاد: دار نشر ومكتبة، وهي الدار الوحيدة التي لا تزال تعمل ونقلت عملها أثناء الحرب إلى دمشق. ودار الربيع وهم وكلاء دار الربيع في حلب. تقول السيدة سوسن خباز مديرة مكتبة زنوبيا: "لا تزال دار الربيع تقدم كل ما هو متاح في أدب الطفل ولا تزال تتبع المعايير العالمية في كل ما يخص أدب الطفل من سن الثالثة وحتى سن الثامنة عشر حيث تقدم أدباً لليافعين وتقدم وسائل إيضاح وكتباً تربوية".
دار التوحيدي ولديها مكتبة بيع، دار هدى ولديها مكتبة بيع، مكتبة علوان، مكتبة دار الرواية، كان يوجد دار الذاكرة توقفت لوفاة صاحبها، مكتبة مهرات، والعديد من المكتبات الشهيرة أقفلت بسبب الحرب.
حماة
لا يوجد دور نشر في حماة وإنما توجد أربع مكتبات فقط تبيع الكتب وهي المكتبة الحديثة، ومكتبة الجاجة، ومكتبة نبض الروايات، ومكتبة النور، وهي الأكثر تنوعاً من حيث العناوين. تقول الصيدلانية آيلا دقاق وهي إحدى الشابات المهتمات بالقراءة، "الكتب الأكثر تفضيلا للقراءة بين جيل الشباب في حماه هي الروايات الأكثر شعبية ككتب غيوم ميسو وأحلام مستغانمي وإليف شافاق بالنسبة لي أفضل الروايات العالمية وكتب التنمية البشرية، ازدادت نسبة القراءة بين الشباب بسبب الانترنت وملفات الـpdf. لا يوجد ملتقيات للقراءة في مدينة حماة هناك كافيه واحدة اسمها رواق قهوة وكتاب فيها مكتبة".
السويداء
الدور التي لا تزال تعمل بها دار البلد، دار ظمأ، ، دار الغطريف، دار هدوء، دار كيوان، دار ليندا عبد الباقي. تقول السيدة لينا عامر صاحبة دار ظمأ نصدر 25 عنواناً في العام ونطبع 1000 نسخة للعنوان الذي نتوقع نجاحه، وتضيف: "لا توجد سوق قراءة تغطي هذا الكم من الناشرين، يوجد عدد سكان كبير بدون قدرة شرائية والمجتمع غير قارئ فالترفيه يذهب للطعام وأشياء أخرى، القراءة آخر اهتمامات المواطن العربي ليس صحيحاً أن الكورونا أو الإنترنت أثرا على القراءة، لا يوجد دعم للناشرين في العالم العربي، وما زاد الطين بِلّة أدرجونا كمهنة تخضع للربح الحقيقي".
يقول الروائي فواز عزام صاحب دار هدوء: عمر الدار ست سنوات، بدأنا بـ8 عناوين في العام واليوم نطبع 24 عنواناً لدينا 68 عنواناً، لدينا مكتبة ملحقة بالدار لبيع الكتب وإعارتها.
المكتبات التي لا تزال تعمل بالسويداء هي دار المعارف، مكتبة فاتن، مكتبة المعرفة، مكتبة المزرعة، وهناك خمس مكتبات أغلقت في السنوات الأخيرة منها مكتبة الاتحاد.
درعا
يقول الأستاذ محمود العلي وهو أحد المثقفين الذين لا يزالون في درعا، وهم نادرون إذ أن معظم مثقفي وشباب درعا غادروها: "لا يوجد مكتبات في درعا تبيع الكتب الحديثة ليس الآن فقط بل حتى قبل سنوات الحرب كان هناك بضع مكتبات تبيع كتباً تراثية ودينية. من مكتبات درعا الباقية حتى الآن المكتبة العلمية، وهي تبيع كتباً تراثية وبعض النسخ القديمة من كتب نجيب محفوظ، فيما مضى كان بعض المثقفين يعتمدون على مكتبة المركز الثقافي العربي في درعا. لكن اليوم ليس هناك اهتمام بالقراءة لا بين الجيل الجديد ولا حتى الجيل القديم، الوضع المعيشي هو فقط ما يهتم به الناس في درعا".
دير الزور
يقول الصحفي والكاتب ماجد الكاطع: لا يوجد دور نشر في دير الزور والمكتبات التي كانت موجودة قبل الحرب دمرت وهي مكتبة النهضة، والكشاف، ومكتبة التراث، اليوم 90% من مدينة دير الزور مدمر، ولا يوجد قراء يوجد صحيفة واحدة هي صحيفة الفرات، وتغطي الحسكة والرقة وديرالزور، وأصبحت تصدر بشكل إلكتروني، وكان هناك مجلة خاصة تدعى منارة الفرات توقفت منذ زمن عن الصدور.
الصعوبات التي تواجه دور النشر اليوم
أهم الأمور التي تؤرق دور النشر السورية اليوم هو موضوع قرصنة الكتب الورقية التي تصدرها، وتحدث أكبر عمليات القرصنة للكتب في دمشق، في الماضي كان المقرصنون يكتفون بقرصنة كتب دور النشر العربية التي تصدر خارج سوريا لكنهم اليوم لا يوفرون أي دار، الأمر الذي بات يشكل هاجساً حقيقياً لأصحاب الدور بسبب غياب حقوق الملكية الفكرية تماماً في البلاد، مما اضطر بعض أصحاب الدور لملاحقة المقرصنين بشكل شخصي، وتكمن خطورة الكتب المقرصنة ليس فقط في الأخطاء التي تحدث فيها بل لأن عمليات القرصنة تحدث غالباً للعناوين الرائجة والتي قد يكون جزء كبير منها غير جيد، مما يؤثر على الذائقة العامة للقراء عندما تباع بثمن أقل في السوق. ومن الصعوبات الأخرى التي يعاني منها أصحاب دور النشر اليوم ندرة اليد العمالة الخبيرة في المطابع بسبب الهجرة، وتدهور وضع الليرة السورية وعدم استقرار سعر الصرف وإغلاق باب الاستيراد إلى الحد الأدنى والاحتكار الذي رفع سعر المواد الأولية كالورق والأحبار وغيرها بشكل غير مسبوق، إلى المشكلة الأكبر من كل ذلك، وهي انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة جداً ما أعاق عمل جميع المؤسسات ومنها المطابع، بسبب ندرة المحروقات من بنزين ومازوت التي شكلت مشكلة كبيرة لتشغيل المولدات الكهربائية، وفرض الدولة ضرائب جديدة على الناشرين، وهي لا تزال تفرض على كل دار نشر إهداء خمس نسخ من أي إصدار جديد لمكتبتها الوطنية مع أنها لا تقدم أي دعم للناشر وكانت قد أوقفت منذ سنوات طويلة شراء بعض العناوين من الدور لتوزيعها على مراكزها الثقافية. ومن الصعوبات التي تواجه الناشرين ارتفاع أجور شحن الكتب وصعوبة سفرهم إلى خارج البلاد، لعدم توافر طائرات كافية في مطار دمشق الدولي، بسبب حظر الطيران الأمر الذي يضطرهم للسفر لمطار بيروت للتمكن من السفر لحضور المعارض الخارجية ما شكل عبئاً إضافياً عليهم. ويقول الناشر أيمن غزالي: "كان هناك تعاون من قبل اتحاد الناشرين السوريين والعرب وحتى من دول الخليج العربي عن طريق منح السوريين إعفاءات من أجور الأجنحة لمدة ثلاث سنوات، حاولنا نحن كسوريين أن نحل مشكلة الشحن بأن نبتكر طريقة خاصة فشكلنا فريقاً يقوم بمهمة الشحن بشكل مباشر حتى يخفف علينا أعباء أجور الشحن علماً أن أجور الشحن مرتفعة دولياً". ويعقب الناشر فواز عزام: "هناك صعوبة في الحصول على الموافقات على النشر بالنسبة للدراسات والترجمات من وزارة الإعلام، وبالنسبة للرواية والقصة والشعر من اتحاد الكتاب العرب، تأتي الموافقة من وزارة الإعلام بسرعة وسلاسة أحياناً لكن موافقة اتحاد الكتاب تتأخر لثلاثة أشهر وأحياناً يأتي الكتاب بالرفض مما يحرجنا مع الكاتب وأيضاً يؤثر على مشاركتنا في معارض الكتاب الخارجية".
لا تزال معظم دور النشر السورية تدار بشكل شخصي تماماً وليس هناك دار نشر سورية تعمل كمؤسسة إلا دار واحدة تعمل ضمن فريق متخصص وبنظام يشبه إلى حد ما نظام العمل المؤسساتي وهي دار الفكر في دمشق.