في خضم البحث عن وسائل لتقليل انبعاثات الكربون، ومصادر للطاقة تستبدل الوقود الأحفوري وما عداه من المصادر غير المستدامة، ظهر الوقود الحيوي كواحد من الاكتشافات الواعدة التي تبشر بطاقة نظيفة، عبر استخدام الكتلة الحيوية كمصدر مستدام للحصول على الوقود، وتجنيب الكوكب مخاطر ارتفاع درجات الحرارة وزيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
إن أي وقود يستمد من الكتلة الحيوية هو وقود حيوي، والكتلة الحيوية هي جميع المواد المستدامة والقابلة للتجدد ذات المصدر الحيواني أو النباتي، ويكون بمقدورنا استخدامها لإنتاج الطاقة. تنقسم الطاقة الحيوية إلى فئتين: الطاقة الحيوية التقليدية، وتتمثل في الاستخدام التقليدي للكتلة الحيوية عبر إحراق الخشب والفضلات الحيوانية والفحم، أما الفئة الثانية فهي فئة الطاقة الحيوية الحديثة وتتضمن الوقود الحيوي السائل الذي يتم إنتاجه من النباتات، مثل قصب السكر والذرة، بالإضافة إلى الهضم اللاهوائي للنفايات، وغيرها من التقنيات التي تستخدم لإنتاج الديزل الحيوي والإيثانول وغيرهما، بالإضافة إلى غازي الميثان والهيدروجين.
ظهر الوقود الحيوي كأحد أهم خيارات الطاقة في مقابل الوقود الأحفوري باعتباره مصدراً متجدداً، حيث بلغت نسبة استخدام الطاقة الحيوية نحو ثلاثة أرباع مجمل الطاقة المتجددة المستخدمة عام 2015، شكلت حوالي 10% من الاستهلاك الإجمالي للطاقة، ونحو 2% من الطاقة المستخدمة لإنتاج الكهرباء، وتتوقع اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تشكل الطاقة المستمدة من الكتلة الحيوية 26% من إجمالي الطاقة الأولية بحلول عام 2050.
بدأت الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة، مثل البرازيل والهند والصين، والتي تشهد ارتفاعاً كبيراً في الطلب على الوقود بالاستثمار في الطاقة الحيوية، عبر تطوير التقنيات والصناعات التي تسرع من اعتماد الوقود الحيوي كبديل آمن، لما يتمتع به من مميزات، حيث يمكن حرقه مباشرة للتدفئة أو توليد الطاقة، كما يمكن تحويل الطاقة الحيوية إلى بدائل النفط أو الغاز، حيث يستخدم الوقود الحيوي السائل، وهو بديل مناسب متجدد للبنزين، في قطاع النقل. تعتبر البرازيل الدولة الأكثر ريادة في مجال الطاقة الحيوية الحديثة، حيث تمتلك أكبر عدد من المركبات القادرة على استخدام الوقود المرن، حيث من الممكن أن تعمل على الإيثانول الحيوي الذي يتم إنتاجه عن طريق تخمير الكربوهيدرات في محاصيل السكر أو النشا، مثل الذرة أو قصب السكر.
من منظور الاقتصاد، يعتبر قطاع الطاقة الحيوية من القطاعات المزدهرة، إذ تتالى تباعاً الأخبار عن استثمارات ضخمة في المجال، حيث دخلت شركات النفط والغاز على خط المنافسة في مجال الطاقة الحيوية، ففي العام الماضي 2021 استحوذت شركة النفط البريطانية (بي بي) على ثلث أسهم شركة غرين بيوفيولز، أكبر شركات الزيوت النباتية المهدرجة في بريطانيا، والتي تقدم إضافات حيوية من الزيوت يمكن استخدامها في محركات الديزل دون الحاجة إلى تعديلات، بالإضافة إلى استحواذ الشركة النفطية العملاقة على حصة في غاسريك، الشركة التي تعتبر أكبر مزود للغاز الحيوي المسال في المملكة المتحدة.
وفي مطلع هذا العام، أعلنت جنوب إفريقيا عن استثمار 16 مليار دولار في الوقود الحيوي من أجل استخدامه بشكل أساسي في إنتاج الكهرباء، فيما اتخذت الهند قراراً نهاية العام الماضي 2021 بإلزام جميع مصنعي السيارات في البلاد بإنتاج مركبات تعمل بالوقود الحيوي بشكل كامل، الأمر الذي سيؤدي لنمو كبير في قطاع الطاقة الحيوية في هذه البلدان.
ولا تعد جنوب إفريقيا الدولة الوحيدة في القارة السمراء التي أطلقت مشاريع الطاقة الحيوية، إذ أعلنت شركة إيني الإيطالية عن شراكة متعددة المجالات مع كينيا من أجل تحويل مصفاة مومباسا النفطية إلى مصفاة حيوية، بالإضافة إلى توقيع مذكرات تتعلق بتطوير المشاريع الزراعية.
يثير النمو الكبير لقطاع الطاقة الحيوية، ودخول شركات النفط العملاقة إلى هذا المجال الكثير من الأسئلة، عن الأثر البيئي الحقيقي لاستبدال الوقود الأحفوري بالوقود الحيوي، وعن الأثر السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي سيفرضه هذا التحول، بالإضافة إلى الأسئلة المشروعة التي يطرحها استخدام المصادر النباتية والمزروعات لإنتاج الوقود الحيوي وأثرها على الأمن الغذائي.
إن استخدام الكتلة الحيوية للمحاصيل والأشجار كوقود، يعبر عن التجاهل التام للبصمة الكربونية المرتفعة للتكنولوجيات المستخدمة في مجال الطاقة الحيوية، كما أن التوسع في هذا القطاع سيؤدي إلى الاستخدام المفرط للأرض، فالجزيئات والمواد والزيوت الحيوية التي سيتم إحراقها تحتوي أيضاً على الكربون، بل إنها قد تصبح "المصدر الرئيسي لانبعاثات الكربون" بحسب والت ريد الباحث في مؤسسة ديفيد ولوسيل باكارد، والذي أعدّ دراسة بمشاركة باحث آخر من جامعة ستانفورد عام 2019 لمجلة "جلوبال تشينج بيولوجي" وخلص فيها إلى ضرورة الحد من التوسع في استخدام الوقود الحيوي.
لا تقف الاعتراضات المسجلة على قطاع الطاقة الحيوية عند انبعاثات الكربون، بل تصل إلى الأمن الغذائي، إذ تتقاطع مدخلات إنتاج الوقود الحيوي مع قطاع الزراعة، حيث بدأت الشركات بالاستثمار في الزراعة، وعلينا أن نسأل هنا عن العلاقة بين شركات الوقود والزراعة، فالهدف عند هذه الشركات من تطوير المشاريع الزراعية ليس توفير المزيد من الغذاء للبشر، بل توفير المزيد من الوقود للآلات.
إن دخول شركات عملاقة مثل إيني الإيطالية وبي بي البريطانية وتوتال الفرنسية، في دول مثل كينيا والبرازيل والهند سيؤدي إلى عواقب وخيمة، من حيث استغلال المساحات الزراعية التي تزداد ندرة يوماً بعد يوم لإنتاج محاصيل تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي، مما يعني مزاحمة الإنتاج الزراعي التقليدي بشكل يهدد بأزمات غذائية، كما سينعكس هذا التحول على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمزارعين في هذه البلدان وغيرها، مما سيقود بشكل حتمي لزعزعة استقرارها السياسي وعرقلة التنمية فيها على المدى المتوسط والبعيد.
تكون الطاقة الحيوية إيجابية جداً، بل وضرورية، في حال تم توجيه استثماراتها نحو مشروعات إدارة المخلفات والنفايات، واستخدام الأجزاء غير الصالحة للأكل من المنتجات التي تم زراعتها لأجل الغذاء، وليس باستغلال مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لإنتاج وقود حيوي في وقت تعاني فيه البشرية من محدودية الموارد، وفي وقت نملك فيه الخيار لتوجيه جهودنا نحو تطوير الطاقات النظيفة حقاً مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.